صفحات أخرى

مليارا دولار كلفة تخزين أرشيف العالم

تحت عنوان “أكبر سجل سري جداً في التاريخ” نشرت مجلة “الكتب ـ وجهات نظر” (عدد حزيران 2010) مقالة موسعة، منها نقتطف:
** في الطرف النائي للصحراء القاحلة الجافة في ولاية يوتا الأميركية، حيث درجة الحرارة كثيرا ما تتخطى المائة، ثمة عمال بناء بقبعات صلبة، يستعدون في سرية تامة لبناء ما قد يصبح المعاول الأميركي لمكتبة بابل التي ابتكرها المؤلف الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس: مكان يضم كماً من المعلومات مخيفاً وهائلاً في آن واحد، تختزن فيه معرفة العالم بأسره، لكن دون ان يفهم احد اي كلمة منها.
البناء الهائل، الذي يمتد على مساحة مليون متر مربع وتبلغ تكلفته ملياري دولار، سيكون حجمه أكبر من الكونغرس الأميركي بما يزيد على الثلث، ويستهلك قدراً من الطاقة يعادل مجموع ما تستهلكه جميع المنازل في مدينة سولت لييك سيتي مجتمعة.
وخلافا لما أورده بورخيس في عمله “متاهة من الحروف” فان المكتبة سوف تتوقع عدداً قليلاً من الزوار، وقد شيد ذلك البناء من قبل مؤسسة تتمتع بدرجة عالية من السرية هي وكالة الأمن القومي الأميركي. وهي المسؤول الأول عن “اشارات المخابرات” وكذلك جمع وتحليل اشكال مختلفة من الاتصالات التي قد تتخطى تريليونات المكالمات الهاتفية، ورسائل البريد الالكتروني، البيانات المنتشرة، وعمليات البحث على الشبكة المعلوماتية وايصالات ساحات انتظار السيارات، وعدد زائري مكتبات بيع الكتب، والمفكرات والبيانات الشخصية، الرقمية.
ونظراً لعدم وجود مساحة وطاقة كافيتين في مقر وكالة الأمن القومي في فورت ميد بولاية ماريلاند والذي تعادل مساحته مساحة مدينة، كانت الوكالة تعمل ايضا لاستكمال العمل في بناء ارشيف آخر للبيانات في سان انتونيو بولاية تكساس سيكون تقريبا في مساحة منشأة الامودوم.
ويعطي التقرير الذي اعدته مؤسسة ميترا احد مراكز التفكير التابعة للبنتاغون فكرة عن حجم المعلومات التي سيتم تخزينها في محافل تكنولوجيا المعلومات الهائلة التي تبنى بلا نوافذ. ويقول التقرير مشيراً الى مجموعة مختلفة من الاساليب الفنية لجمع البيانات مع التحسن الذي طرأ على اجهزة الاستشعار (المجسات) المرتبطة بمهام الاستطلاع المختلفة يتزايد حجم المعلومات وهناك احتمالية ان يصل حجم هذه البيانات، بحلول عام 2015، الى مستوى يوتابايت بما يقارب سبتليون (1,000,000,000,000,000,000,000,000) الذي يحوي عدداً من صفحات النصية والرقمية التي يتجاوز حجمها اليوتابايت ولم يتم ابتكار مسمى عددي لها حتى يومنا هذا.
وبمجرد تفريغ تلك البيانات وتخزينها في هذه المكتبات اللانهائية تقريباً، سيجري تحليلها بواسطة أدوات معلوماتية قوية، وحاسبات الية عملاقة تستخدم برامج حسابية معقدة لتحديد من منا يمكن ان يكون ارهابيا او يحتمل ان يكون كذلك يوما ما، ففي عالم مراقبة كل جسيم نشط الذي يعمل بطريقة آلية تلقائية لوكالة الأمن القومي الاميركي فان كل مقدار ضئيل له تاريخ وكل ضغطة على لوحة المفاتيح تكشف عن قصة.. على مدى عشر سنوات تقريبا منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تعرضت منظومة المخابرات الأميركية لتغيير مزلزل، فقد اطاح بمدير وكالة المخابرات المركزية من قمة الهيكل التنظيمي وحل محله مدير وكالة الأمن القومي الأميركي الجديد، وهو ضابط مخابرات يساعده عدد كبير من العاملين ولكن لا شيء أكثر من ذلك.
ولم ينج مدير وكالة الأمن القومي من الزلزال وحسب وإنما أصبح أقوى رئيس لوكالة تجسس عرفه العالم. وأصبح مسؤولاً عن منظمة يبلغ حجمها ثلاثة أمثال وكالة المخابرات المركزية. ومنحه الكونغرس الأميركي تفويضاً غير مسبوق في عام 2008.
ولم تضع الوكالة وقتاً، وشرعت في تحقيق طفرة بنائية ومضاعفة حجم مقرها الرئيسي وتوسيع نطاق مواقع التنصت التابعة لها. كما شيدت معامل ضخمة لتخزين البيانات. جاءت إحدى الأفكار التي تشير الى أن الغرض المحتمل هو إنشاء مراكز ضخمة على قدر كبير من السرية من المقر الرئيسي للاتصالات الحكومية التابع للمخابرات البريطانية الشريكة. ففي العام الماضي اقترحت الحكومة البريطانية إنشاء قاعدة بيانات مركزية ضخمة تديرها الحكومة لاحتواء كل التفاصيل الخاصة بالمكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكترونية والبحث في شبكة الإنترنت في المملكة المتحدة.. حيث يتم إيداع أي نقرة على مفتاح “أرسل” أو الضغط على مفتاح “الرد” وأي من تفاصيل الاتصالات في المستودع الإلكتروني وربما لأجل غير معلوم في المخزن الحكومي لإخضاعها للفحص والتحليل.
لكن عندما كشفت حكومة المملكة المتحدة عن خططها تلك، واجهت احتجاجات فورية ومعارضة ضخمة من الجمهور والصحافة، الأمر الذي حدا بها الى تفكيك المشروع الذي أطلق عليه “قاعدة بيانات الأخ الأكبر”. لكنها طرحت خطة جديدة. وبدلاً من إنشاء قاعدة بيانات ضخمة ومركزية، سيطلب من شركات الاتصالات ومقدمي خدمة الإنترنت الاحتفاظ بسجلات بكل التفاصيل المتعلقة بالمحادثات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني وعادات تصفح مواقع الإنترنت الخاصة بكل فرد من بريطانيا لمدة عام. وأثار ذلك سخط الشعب مرة أخرى بجانب رفض مجموعة لندن لمعاملات الإنترنت التي تضم أكثر من 330 شركة للاتصالات السلكية واللاسلكية وفي بيان للمجموعة في آب أغسطس الماضي أشارت الى “نرى أن… حجم البيانات التي تقترح الحكومة الآن جمعها والاحتفاظ بها ستكون غير مسبوقة، وكذلك المستوى الكلي للتدخل في خصوصية المواطنين”.
وخلافاً للحكومة البريطانية التي سمحت بإقامة بنك المعلومات، وهو أمر جدير بقدر كبير من الثناء، حظيت وكالة الأمن القومي الأميركية بتعاون كامل من شركات الاتصالات الأميركية وبأقصى قدر من السرية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. فعلى سبيل المثال، قامت الوكالة ببناء غرف سرية في مراكز المحولات الكبرى لشركة (إيه تي آند تي) (AT&T) حيث يجري تحويل نسخ مطابقة لكل البيانات وعرضها بحثاً عن أسماء وكلمات دالة باستخدام أجهزة الكومبيوتر ثم إرسالها الى وكالة الأمن القومي لتحليلها. وهكذا فمن المحتمل أن تصبح هذه المراكز في يوتا وتكساس ربما في أماكن أخرى مخازن مركزية للبيانات التي تجمعها وكالة الأمن القومي الأميركي في النسخة الأميركية لمشروع “قاعدة بيانات الأخ الأكبر” البريطاني.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى