رسائل «تويتر» لدبلوماسيين شابين في سورية تثير حرجا في واشنطن
مارك لاندلر – الشرق الأوسط
عندما اصطحب مسؤولان شابان من وزارة الخارجية الأميركية وفدا من المسؤولين التنفيذيين في «سيليكون فالي» (شركات المعلوماتية الأميركية في كاليفورنيا) إلى سورية مؤخرا، وصفوا الزيارة بأنها فرصة لاستغلال إمكانات التكنولوجيا في التواصل مع دولة اتسمت علاقاتها بالولايات المتحدة على امتداد فترة بعيدة، بالفتور الشديد. بيد أنه بدلا من ذلك، سيذكر التاريخ هذه الزيارة باعتبارها سلسلة من رسائل عبر موقع «تويتر» بعث بها المسؤولان إلى أرض الوطن، يتناولان فيها كيف أن الزائرين بمقدورهم شراء قهوة مثلجة على الطراز الأميركي داخل جامعة تقع قرب دمشق، وكيف أن أحدهما تحدى وزير اتصالات سوريّا في مسابقة لتناول الكعك.
وقد أثارت هذه الرسائل غضبا بالغا داخل «كابيتول هيل»، خصوصا أن بعض الجمهوريين كانوا قد أبدوا تشككهم حيال جهود إدارة أوباما للتعاون مع سورية. كما تسببت هذه الرسائل في حرج لوزارة الخارجية التي عادة ما تجري تعاملاتها مع دمشق خلف ستار من السلوك الدبلوماسي المهذب.
وقد تعرض مسؤولا وزارة الخارجية، وهما أليك جيه. روس وغاريد كوهين، للعقاب لتسببهما في ما وصفه مسؤولون بالوزارة بأنه «جهد شارد». إلا أنه رغم طيش الشابين فإن هدفهما المتمثل في استغلال التكنولوجيا لتعزيز الجهود الدبلوماسية يتمتع بتأييد متحمس من قبل أعلى المستويات داخل الوزارة، خصوصا هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية.
وفي كلمة ألقتها أمام حشد روسي الأسبوع الماضي أثناء زيارة قام بها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، أكدت كلينتون: «لدينا فريق رائع من عناصر دؤوبة – خصوصا الشباب – ممن يبدون اهتماما صادقا بالتواصل مع الآخرين. وأشعر بفخر بالغ تجاه ما يحققونه». وخصت كوهين (28 عاما) وروس (38 عاما) بالذكر، مشيرة إلى أنهما يمثلان التحركات نحو خلق «فن إدارة شؤون الدولة على نحو يليق بالقرن الحادي والعشرين». الملاحظ أن هذين الشابين هما الأبرز من بين مجموعة صغيرة من المتحمسين لوسائل الإعلام الجديدة، الذين يحاولون دفع البيروقراطية لدخول العصر الرقمي. بعض هذه العناصر حصل على إجازة من عمله في «سيليكون فالي»، وآخرون ينتمون في الأصل إلى منظمات غير هادفة للربح، بينما تخرج فريق ثالث، مثل كوهين، لتوه في الجامعة.
وساور كوهين وروس حزن بالغ لتشتيت رسائل «تويتر» الانتباه بعيدا عن الزيارة المهمة التي قاما بها. وقد ضم الوفد الذي ترأساه ممثلين عن «مايكروسوفت» و«ديل» و«سيسكو سيستمز» وشركات أخرى، حيث التقوا بشار الأسد، الرئيس السوري، ومسؤولين آخرين بارزين، إضافة إلى رجال أعمال شباب يعارضون السيطرة الشديدة التي تفرضها البلاد على شبكة الإنترنت.
لا تزال سورية مصنفة من جانب الولايات المتحدة كدولة راعية للإرهاب وتخضع لعقوبات. إلا أنه طبقا لقرار تنازل مررته إدارة بوش عام 2004، فإن الشركات الأميركية بإمكانها تصدير بعض الأجزاء الصلبة والبرمجيات إلى سورية. إلا أنه على الصعيد العملي لا يقدم على الاستفادة من هذا القرار سوى عدد ضئيل من الشركات.
وأخبر الوفد الرئيس الأسد أن هناك شركات تنوي توجيه مزيد من الاستثمارات إلى سورية إذا هي توقفت عن إعاقة المواقع الاجتماعية على شبكة الإنترنت، مثل «فيس بوك» و«يوتيوب»، وبذلت جهودا أكبر لحماية حقوق الملكية الفكرية.
وقال كوهين خلال مقابلة معه: «ما فعلته الشركات هو رسم صورة لما يمكن أن تحظى به سورية، بمعنى الكيفية التي يمكن لهذه الشركات الاستثمار من خلالها، والمجالات التي يمكن أن تستثمر بها، واحتمالات نمو هذه الاستثمارات».
في الوقت الذي روج السوريون لقانون جديد يزيد من صعوبة إعاقة مواقع شبكة الإنترنت، فإن الأميركيين يتفهمون تماما حقيقة الموقف. وعن ذلك قال روس: «إننا لسنا بسذج أو حالمين. إننا ندرك أن التقدم داخل سورية وهذه المنطقة من العالم بوجه عام يأتي تدريجيا على أفضل تقدير».
قبل سورية، ترأس كوهين وروس وفودا من مسؤولين بمجال التكنولوجيا إلى روسيا والمكسيك والعراق. وأثمرت الزيارات بالفعل بعض النتائج، ففي المكسيك ساعد الأميركيون في تطوير شبكة تمكن الأفراد من الإبلاغ عن الجرائم المتعلقة بالمخدرات عبر هواتفهم النقالة. وفي بغداد تولت «غوغل» مسؤولية صنع نسخ رقمية من 14000 مادة معروضة في المتحف الوطني العراقي.
وعلى امتداد زياراتهما، بعث الاثنان باستمرار رسائل عبر «تويتر»، الأمر الذي وضعهما في مصاف المشاهير عبر شبكة الإنترنت. يذكر أن روس، الذي عمل مستشارا بمجال التكنولوجيا لدى الحملة الانتخابية الرئاسية لأوباما، يتابعه عبر موقع «تويتر» قرابة 287000 شخص، بينما يتابع كوهين، الذي ألف كتبا حول الجهاد والإبادة الجماعية، 305000 شخص.
كان أول ظهور واضح لكوهين على الساحة العامة العام الماضي عندما طلب من موقع «تويتر» إرجاء خطط لوقف عمل الشبكة لإجراء أعمال صيانة بها، لأن الإيرانيين كانوا يستخدمونها لنشر معلومات عن المظاهرات المناهضة للحكومة.
ولم تثِر الرسائل التأملية التي ينشرها الاثنان عبر «تويتر» اعتراضات حتى جاءت من سورية، وهي لا يوجد بها سفير أميركي منذ استدعاء آخر سفير أميركي لديها عام 2005.
من جهته، اتخذ الرئيس أوباما خطوات حذرة تجاه التقارب مع سورية، حيث عيّن مبعوثا جديدا لديها، روبرت إي. فورد. إلا أن الكثير من أعضاء مجلس الشيوخ أوقفوا إجراءات التصديق على اختياره، مشيرين إلى أن التعاون مع سورية ينطوي على سذاجة.
في هذا الإطار بدت الرسالة التي نشرها كوهين بتاريخ 16 يونيو (حزيران) عبر «تويتر»، والتي قال فيها: «إنني لا أمزح عندما أقول إنني تناولت للتو أفضل قدح فراباتشينو في حياتي داخل جامعة القلمون شمال دمشق»، خارج الحدود اللائقة، حسبما ذكر مسؤولون، وكذلك ما أورده روس عن اقتراح كوهين الدخول في مسابقة في تناول الكعك (وأطلق على ذلك وصف «الدبلوماسية الإبداعية»). وقد استرعت الرسائل انتباه وزارة الخارجية بعد نشرها من جانب «جوش روغين أوف ذي كيبل»، وهي مدونة على موقع مجلة «فورين بوليس» على شبكة الإنترنت.
ويرى خبراء أنه بخلاف رسائل «تويتر»، فإن زيارة سورية كانت مهمة. على سبيل المثال، قال مارتن إس. إنديك، الذي عمل مفاوضا للسلام في الشرق الأوسط لفترة طويلة، إن الزيارة كانت وسيلة لتشجيع سورية «على رؤية الضوء في نهاية النفق، والتعاون مع الشباب من أبناء الطبقة الوسطى العاملين بقطاع التكنولوجيا، والذين من المفترض أنهم سيؤيدون عقد سلام مع إسرائيل وتعزيز الروابط مع الولايات المتحدة».
إلا أن الأمر الأدنى وضوحا هو الفائدة التي خرجت بها الشركات من هذه الرحلة. فمن جانبهما، رفضت «مايكروسوفت» و«سيسكو سيستمز» التعليق على الزيارة، بخلاف إصدار بيانين أكدتا خلالهما التزامهما بالقيود المفروضة على نشاطات التصدير. أما المتحدثة الرسمية باسم «ديل» فقالت إن مسؤول الشركة التنفيذي الذي شارك بالزيارة مسافر ولا يمكنه التعليق.
*خدمة نيويورك تايمز
مارك لاندلر – الشرق الأوسط