صفحات سورية

التمايز الروسي

null
سميح صعب
من الواضح ان زيارة الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف لسوريا وتركيا هي بداية العودة الروسية الى الشرق الاوسط والمياه الدافئة، لكن هذه العودة تختلف عن الدور الذي كان لروسيا في الحقبة السوفياتية والحرب الباردة. آنذاك كان عنوان الدور السوفياتي مواجهة النفوذ الاميركي ومن يدور في فلك واشنطن والحد منه. أما اليوم، فالروس يقيمون علاقات مع العرب واسرائيل على حد سواء، الأمر الذي يتيح لهم الاضطلاع بدور الوسيط مع كل الاطراف.
إلا ان الطموح الروسي الى هذا الدور لا يزال يصطدم بكثير من المعوقات، أبرزها المعارضة الاميركية لمنح موسكو دوراً اكبر في تسوية الصراع العربي – الاسرائيلي. ومنذ مؤتمر أنابوليس عام 2007 والروس يسعون الى استضافة مؤتمر مماثل لدفع التسوية الى الأمام، لكن ذلك لا يلقى استجابة اميركية او اسرائيلية، ولذلك بقي الدور الروسي في اللجنة الرباعية غير قادر على تجاوز الدور الاميركي.
ومع ذلك، فإن الروس يسلكون مسلكاً اكثر توازناً وأكثر عقلانية وواقعية من ذلك الذي تنتهجه الولايات المتحدة. فموسكو على رغم التحذيرات الاميركية والاسرائيلية لم تقطع علاقاتها بـ”حماس”، كما انها لا تزال تحتفظ بعلاقات واسعة مع سوريا تبلورت في الزيارة التاريخية للرئيس الروسي لدمشق، وإن تكن هذه العلاقات  لا تزال محكومة بسقف المحرمات الاميركية والاسرائيلية لا سيما في مجال تصدير الاسلحة الروسية المتطورة الى روسيا. وقد لاقى الاعلان الروسي عن استعداد موسكو لمساعدة سوريا في بناء محطة للطاقة النووية السلمية استياء في واشنطن وتل أبيب.
وحاول ميدفيديف ان يعطي العلاقة المتجددة بسوريا بعداً استراتيجياً يضع موسكو في قلب العلاقات الاقليمية المتنامية في الشرق الاوسط، كتلك العلاقة الوطيدة بين سوريا وتركيا او بين تركيا وايران. ومن هنا كانت أنقرة المحطة الثانية لميدفيديف بعد دمشق. ومن تركيا يستطيع الروس ان يكوّنوا فكرة اوسع عن الدور الذي تطمح اليه أنقرة في نزع فتيل الأزمة بين ايران والغرب. واذا كانت دولة مثل البرازيل تنهمك في الوساطة مع تركيا، فلماذا تبقى موسكو بعيدة؟
ولئن بدأت روسيا تستعيد منذ اعوام مكانتها على الساحة الدولية، إلا انه لا يمكنها إلا ان تكون اكثر انخراطاً في القضايا الاقليمية وفي مقدمها الصراع العربي – الاسرائيلي او الملف النووي الايراني، فأي تفجر لهذه القضايا لن تكون روسيا في منأى عنه، ولذلك تجد نفسها معنية بالقيام بدور ما في المساعي الرامية الى التهدئة.
واسرائيل، التي تنفر من تركيا اليوم، تجد نفسها أقرب الى روسيا في نقل الرسائل الى سوريا، وإن كان لا يعجبها مثلاً الاجتماع بين ميدفيديف ورئيس المكتب السياسي لـ”حماس” خالد مشعل في دمشق. وهنا تكمن خصوصية الدور الروسي وأهميته وقدرته على القيام بما لا تستطيع واشنطن القيام به.
ويصح ذلك أيضاً على الملف الايراني، إنطلاقاً من العلاقات الاقتصادية القوية التي تربط موسكو وطهران. وحتى الآن لا تزال روسيا ترفض الذهاب وراء الدعوة الاميركية الى فرض عقوبات مشددة على ايران يمكن ان تطاول القطاع النفطي بما ينعكس سلباً على الشعب الايراني.
إن اهمية الدور الروسي الآن تنبع من قدرة موسكو على محاورة الجميع، ومن كونها مقبولة من الجميع، الأمر الذي لا ينطبق على الولايات المتحدة. ومع تحسن الموقع الاقتصادي لروسيا منذ ارتفاع اسعار النفط في الاعوام الاخيرة، فإن الرغبة تزداد لدى الروس في استعادة مواقع سياسية كانت لهم على الساحة الدولية. والاحداث تثبت انهم يسيرون في الاتجاه الصحيح، من اوكرانيا، الى الشرق الاوسط، الى اتفاقات الحد من الاسلحة النووية الاستراتيجية، الى موقع الشريك في الاقتصادات الصاعدة من الصين الى الهند فالبرازيل.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى