سلسلة «أميركا بالغة السرية».. صحافيون أم محرضون؟.. ربما الاثنان معا
وثائق «ويكيليكس» كشفت أن المصادر غير التقليدية من الممكن أن تغير عجلة الأخبار
واشنطن: ديفيد كار*
لا تكون الصحافة، حتى في أكثر صورها تقليدية، محايدة دائما. فهل قضى صحافيو ومحررو «واشنطن بوست» عامين من العمل الدؤوب للخروج بسلسلة «أميركا بالغة السرية»، وهي عبارة عن تحقيق شامل عن توسع شبكة الأمن الأميركية، فقط لتقديم مادة تفاجئ دافعي الضرائب؟
من غير المحتمل أن يكون الأمر كذلك. ففي اختيارها للأهداف والنتائج المترتبة عليها، كانت الصحيفة تأمل بشكل واضح أن تدفع بإعادة النظر في الأولويات التي أنتجت تلك البنية الممتدة والمتشعبة التي يبدو أنها لا تخضع لمساءلة أحد خارجها.
وفي حال لم تنجح السلسلة في تنفيذ المهمة وحدها، سينبري كتاب الرأي والنقاد، على شبكة الإنترنت وشاشات التلفزيون والصحافة المطبوعة، إلى تحقيق ذلك سريعا وفي جعبتهم حقائق جامدة ويدعون من أجل الإصلاح.
وقد أشعل أندرو بريتبارت، وهو مدون محافظ، فتيل السباق من خلال ترويجه لشريط مجتزأ لكلمة قديمة نسبيا قالتها شيرلي شيرود، وهي مسؤولة في وزارة الزراعة. وقام تاكر كارلسون، مؤسس موقع «ديلي كولر»، الأسبوع الماضي بنشر مجموعة أخرى من المقالات الخاصة من «جورنولست»، وهي عبارة عن قائمة بريد إلكتروني مغلقة، والتي بدت وكأنها تعكس نوعا من التآمر من المفكرين والصحافيين ذوي التوجهات اليسارية.
وكلا الرجلين، وهما من المحافظين، يبدوان محرضين أكثر منهما صحافيين. وقد أجبر بريتبارت صحيفة «أكورن» على الاستسلام بعد نشر لقطات فيديو تم تحريرها بشكل كبير توضح أن منظمة الفقر قدمت المشورة لناشط محافظ ظهر كأنه قوادة. وقد قام كارلسون، من بين أشياء كثيرة، بشراء KeithOlbermann.com وهو موقع سيئ قليلا يهدف إلى لفت الانتباه واجتذاب الجمهور لـ«ديلي كولر».
وأصبح كلا الرجلين الآن جزأين كبيرين من نظام إخباري على شبكة الإنترنت من المفترض أن يقوم بمراجعة والتحقق من صحة الأحداث الجارية. لكن السرعة التي هي الميزة الرئيسية لهذا الوسيط هي أداة للتحريض أكثر منها لتحسين الأداء، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن كلا من الإدارة الحالية ووسائل الإعلام الرئيسية قد أصبحت لديهم ردود فعل أكثر حساسية بعد قصص بدت تأتي من لا شيء.
ويبدو أن حملة الهجوم المنسق التي تعرض لها جون كيري في محاولته للترشح للانتخابات الرئاسة عام 2004 شيء بسيط بالفعل بالمقارنة مع ما تعرضت له شيرود. وبعد أن نشر بريتبارت شريط الفيديو يوم الاثنين الماضي على شبكة الإنترنت طلب من شيرود تقديم استقالتها قبل أن تقوم القنوات الإخبارية الكابلية ببث حتى كلمة واحدة عن الشريط. وكان ذلك انقلابا لما يسميه بريتبارت «بالإعلام غير التقليدي».
وبحلول يوم الثلاثاء، بدا من الواضح أن خطاب شيرود الكامل لم يكن عنصريا بل كان خطابا تعليميا حول مخاطر التفكير العنصري. ولكن ذلك حدث بعد أن فات الأوان فقد تركت شيرود وظيفتها.
وقد كان هناك خط واضح تماما يفصل بين الصحافي ومن يعمل بالسياسة، ولكن هذا الخط اختفى وأضحى السياسيون مقدمي خدمات إعلامية والنقاد والفنانون والصحافيون في كثير من الأحيان يدفعون المناقشات السياسية.
وقد مر وقت كان يبدو فيه أن راش ليمبو يتصرف كرئيس فعلي للحزب الجمهوري، كما كان الديمقراطيون يأخذون نقاط الحوار من راشيل مادو وسارة بالين من خلال حسابات «فيس بوك» و«تويتر» التي أصبحت مصدرا هاما من مصادر الحكمة السياسية للعديد من الأميركيين.
وقال بيل أدير، رئيس تحرير PolitiFact.com، وهو موقع تحقيق تديره صحيفة «ذا سان بطرسبرغ تايمز»، إن موقعه الحائز على جائزة بوليتزر، كان يقوم بالتحقق فقط من تصريحات الحكومة ومسؤولي الأحزاب. ولكن ثبت بسرعة أن ذلك بعيد كل البعد عن واقع عمل السياسة.
ويقول أدير: «أدركنا أننا شيدنا حائطا صناعيا وأن ضيوف البرامج الحوارية ومواقع الإنترنت والنقاد كانوا جزءا من الخطاب مثل السياسيين».
لكن من الصعب الاستمرار على هذا الوضع. واستطرد أدير قائلا: «أصبحت هناك أدوات للتحقق من الأشياء، ولكن بمجرد أن تتحرك الأشياء بسرعة الضوء كما حدث مع شيرود، لا يبدو أن باستطاعة أحد الضغط على مفتاح التوقف».
(فنشر «ويكيليكس» لوثائق سرية حول دعم باكستان للمتمردين في أفغانستان يشير إلى أن المصادر غير التقليدية للأخبار من الممكن أن تغير عجلة الأخبار بشكل كبير) .
ويؤكد كارلسون على أنه صحافي أكثر من الكثير من الأشخاص الموجودين على قائمة البريد الإلكترونية الخاصة التي أعلن عنها. (وقال: «لا يوجد شيء خاص في قائمة بها 400 شخص».) وفي هذا السياق يقول كارلسون: «أنا صحافي ولست محرضا. كما أني لست ناشطا، ولكن لدي معتقدات سياسية، وهي معروفة جيدا، لكنني لست في هذا العمل لمساعدة طرف معين على عكس الكثير من الأشخاص الموجودين على القائمة».
وأضاف أن أول مقال كبير نشر على «ديلي كولر» كان عبارة عن تقرير عام عن إنفاق أعضاء باللجنة الوطنية للجمهوريين على زيارة إلى ناد للعري، والتي كما قال أظهرت عدم وجود أجندة حزبية.
وفي لحظة تحول بسيطة، علق بريتبارت على مقال «ديلي كولر» على جورنولست، الذي كما قال أثبت وجود ما سماه «مجمع الإعلام الديمقراطي». وكتب قائلا: «يحب الصحافيون المخبرين. فقط عندما لا يتحدثون عنهم».
في مكالمة هاتفية، قال بريتبارت، الذي يملك مواقع Breitbart.com، BigHollywood.com andBigGovernment.com، ومواقع أخرى، إنه كان فقط يحاول تحقيق شيء من المصداقية عن كيفية محاسبة الصحافة في العصر الحديث.
واستطرد بريتبارت قائلا: «إن الإعلام اليساري واليميني في حالة حرب مفتوحة. ويرغب اليسار في الفوز بالجانب الأخلاقي بزعمهم أنهم يمارسون صحافة غير منحازة، لكن هذا يفشل ذلك في تجاوز اختبار المصداقية».
وأشار بريتبارت إلى أنه بدءا من نجاح التغطية ذات الميول اليسارية في «هفينغتون بوست»، التي ساعد في تأسيسها، والصحافة الأميركية تسير في اتجاه النموذج البريطاني حيث الأجندة واضحة. وعليه ما هو الوصف المناسب – صحافي أم محرض أم ناشط؟
وقال بريتبارت: «يمكنني القول إن الثلاثة تنطبق، لكني لا أحب التسميات. الكل يريد أن يجعل هذا الأمر متعلقا بي، ولكني لم أقم بتحرير فيديو شيرود ولا بإنتاج أشرطة فيديو «أكورن». فقط رتبت لنشرهم للإمساك بأكورن والمدافعين عنهم وهم يكذبون. هل هذا عملا تحريضيا؟ بالتأكيد. هل نجح؟ نعم».
وحتى أكثر الصحافيين التزاما بالطرق التقليدية يعترفون أنهم وهم يشاهدون ما يحدث، العالم يدور ويرغبون في دفعه لاتجاه معين في بعض الأحيان. لماذا يقضي شخص حياته المهنية منغمسا في الحديث عن مدينة إلا إذا كان له حصة في مكان ما هناك؟ ولكن ما يبرز الآن هو جهود متواصلة لكي تصبح المعلومات قوة ووسيلة للوصول لهدف محدد.
وفي الوقت الذي يشق فيه مقدمو المحتوى طريقهم بين الجمهور، أصبح من الواضح أن الكثير من الصحافيين مهتمون باتجاهات معينة أكثر من تغطية ما يحدث في الساحة.
* خدمة «نيويوك تايمز»
الشرق الأوسط