القول المأثور في قضية نجدت أنزور
محمد ديبو
ما يتعرض له مسلسل “ما ملكت أيمانكم” من هجوم غير مبرر باسم الدين, يثير أسئلة مربكة لجهة انتشار العقل الفقهي ومحاولة سيطرته على كل منافذ التفكير وشلها باتجاه خلق أرضية خصبة للاقصاء والتهميش بحد أدنى, وللتكفير بحد أعلى.
في الوقت الذي يصر فيه المخرج نجدت أنزور على أن العمل الفني هو رؤية درامية يتعامل مع الوقائع والأشخاص بعيدا عن الافكار والنصوص المقدسة, مبينا أن نقد سلوكيات الدينيين لا يعني نقد الدين وأن نقد المتاجرين بالقرآن الكريم والنصوص الدينية لا يعني بتاتا نقد القرآن الكريم , وأن تسليط الضوء على الحجاب لايعني نقد المحجبات والسخرية منهم كما أشار أحد رجال الدين.
مشكلة “بعض” رجال الدين أنهم يضعون الفكرة قبل الواقع, فيصبح كل نقد لظاهرة اجتماعية هو نقد للدين وكل تسليط ضوء على تصرفات غير مبررة أخلاقيا لرجال دين هو نقد للدين, وفي ذلك ضيق نظر قل مثيله.
كثيرة هي الأسئلة التي تتعامى عنها الجهات الدينية التي ردت على أنزور, من أهمها : من المسؤول عن نهر الفتاوي التي تقلق حياتنا اليومية, بدءا من إرضاع الكبير وليس انتهاء بتحريم استناد المرأة إلى الحائط لأنه ذكر !
من المسؤول عن ذهاب الشباب “للجهاد” في أفغانستان, لصالح تنظيمات دينية عرف الكثير عن ارتباطها بأجندة الاستخبارات الامريكية وغيرها من القوى الاقليمية التي تجعل الدين مجرد بيدق بيدها عبر استغلالها مشاعر البسطاء الدينية وتحويلها إلى وقود الحروب الدائرة عبر العالم.
ما ينساه المعارضون لـ/” ما ملكت أيمانكم” أن الظواهر الدينية التي تظهر فجأة في المجتمع هي ظواهر اجتماعية قبل أن تكون دينية, وبالتالي هي قابلة للنقاش والجدل والحوار والعرض الدرامي, ظاهرة كأي ظاهرة أخرى, مثل الجريمة والمخدرات والفساد, وبالتالي فإن تسليط الضوء عليها يعد واجبا, ويجب أن يشكر القائمون على طرحها, حتى لو أخطأوا في طريقة المعالجة, على مبدأ الحديث النبوي “إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران , وإن أخطأ فله أجر”.
تخيلوا لو اعترض مدمنو المخدرات على نشر الاعمال الدرامية التي تحكي عن المخدرات وأصحاب الفساد على نشر المسلسلات التي تفضح فسادهم وجبروتهم !
تخيلوا لو كل جماعة اعترضت على ما تظن أنه يمس عقائدها سواء كانت عقائد دنيوية أو دينية.
“ماملكت أيمانكم” لا يمس الدين ولا يمس العقائد الدينية التي نصر دوما على احترامها ومنع التعرض لها, لأن موضوع العقيدة هو حق لكل مواطن شرط أن يبقى في دائرة الشخصي, أي علاقة بين الشخص وربه بعيدا عن الفرض والتهديد والوعيد.
“ما ملكت أيمانكم” هو تعرية لظواهر اجتماعية وليست دينية دخلت حياتنا نتيجة تضافرعوامل عديدة منها الجهل والوضع الاقتصادي السيء وانعدام الافق السياسي في منطقة تعج بالاحتمالات المفتوحة على أكثر من هاوية.
في النهاية يمكن إثارة عدد من الاسئلة, منها :
كيف يمكن الحكم على مسلسل من حلقاته الأولى؟
وهل يحق لأصحاب العلم اتهام مسلسل قبل أن يروه؟ بأي حق يحكمون على مسلسل بأنه “يهدم أسس الدين” ولم يعرض بعد سوى حلقات منه !
نعتقد أن العقل السليم, لا يحكم على الامور غيابيا, بل ينتظر انتهاء العرض ثم تقديم الحكم الذي يجب أن يبقى حكما فنيا, بعيدا عن أمور النهي والتكفير, لانه من حق المبدع أن يقدم رؤيته الفنية لأي ظاهرة يراها جديرة بالتأمل, وهذا ما فعله المخرج نجدت أنزور وطاقم عمل “ماملكت ايمانكم”..
أنزور تحية لك لأنك أثرت بعض الحصى في مستنقعاتنا الراكدة
شوكوماكو – 17/8/2010