صفحات أخرى

في «بيت رمان» بمنطقة القشلة في دمشق.. البيت بيتك

من منزل قديم إلى فندق بوتيك بين أهم بوابتين في المدينة القديمة
دمشق: هشام عدرة
ازدحام بشري يومي، شباب وصبايا، أزواج وزوجات، أمهات يدفعن عربات أطفالهن، والأطفال يلهون غير آبهين بما يجري حولهم في الشارع، إنه شارع «القشلة» في دمشق القديمة، ولعله الشارع الأكثر تميزا فيها، حيث يربط بين أهم بوابتين، «باب توما» و«باب شرقي»، وحيث يتفرع من الشارع المستقيم الشهير بعراقته.
أناس وزحمة، وضجيج محركات السيارات يتباين قوة وضعفا على الرغم من سيرها ببطء شديد حيث الشارع لا يتسع لمرور سوى صف واحد منها، مع وجود العابرين المضطرين للسير أحيانا وسط الشارع بسبب ضيق الأرصفة والازدحام الشديد ووجود سيارات متوقفة بجانب الرصيف. ولكن لا بأس، فحتى الشارع مرصوف بالحجر البازلتي الأسود كما هي حال الرصيف ولا خوف على العابرين من سيارة مسرعة، فهذا أمر نادر الحدوث.. في المساء تسمع أبواق سيارات تطلق «زماميرها» من بداية الشارع القادم من ساحة «باب توما».. تتوقف قليلا مع العابرين لتراقب ما يجري، يقترب صوت الزمامير لتكتشف أنه موكب عرس قادم لتقام مراسمه في كنيسة اللاتين التي تتوسط الشارع الدمشقي العريق.. مراهقون وشباب يقتربون من الموكب يلتقطون صورا عبر جوالاتهم لسيارة العروس الكلاسيكية الفارهة المغطاة بالورود.. يعلق «أبو جورج»، وهو صاحب دكان صغير لبيع المنتجات الغذائية خرج من دكانه لمشاهدة موكب العرس: «يا أخي لم يكن شارعنا هكذا قبل عشر سنوات، لم تكن تنتشر فيه كل هذه المقاهي والمطاعم، ولم يكن يشهد هذا الازدحام البشري الهائل وبشكل يومي، ولكن هذه هي حال كثير من شوارع دمشق القديمة».. يتنهد أبو جورج: «إنها السياحة.. السياحة يا صديقي غيرت هدوءها إلى ازدحام وسكونها إلى حركة دائمة، حيث رواد المقاهي التراثية والمطاعم والفنادق من سياح وزوار من مدن سورية أخرى ومن مناطق دمشق الجديدة».. نترك أبو جورج ليدخل دكانه، حيث زبونة كبيرة في السن تريد شراء علبة شاي.. نتابع السير، ووصلنا إلى وسط القشلة، حيث ينعطف الشارع بنا قليلا نحو اليمين، ننظر إلى الرصيف المقابل، تبرز أمامنا واجهة منزل كبير أنيقة مجبولة بكل مفردات التراث الشامي، كتب على اللوحة الإرشادية «بيت رمّان» الذي تحول قبل أشهر قليلة إلى فندق تراثي يتوسط شارع القشلة بدمشق القديمة، تقرع السقّاطة (جرس الباب اليدوي القديم) التراثية المعلقة على بابه الخشبي، يرد عليك موظف الاستعلامات (عصام) عبر الإنترفون الموجود بجانب الباب الرئيسي، تعرّفه على نفسك، يفتح لك الباب مرحبا ببساطة مع ابتسامة هادئة ستكتشف سرّها بعد قليل.. تدخل البيت من الممر (الدهليز) المعتم قليلا، فهو كحال كل البيوت الشامية لا بد منه حتى تكتشف من خلاله رحابة البيت، نلج منه إلى باحة البيت الواسعة، تجلس بجانب البحرة ونافورتها الجميلة، صحون الرمّان، تلك الثمار اللذيذة، تجدها في عدة أماكن من البيت، في الدهليز وحول البركة وفي إيوان البيت، ليتطابق اسم الفندق مع المعنى بشكل عملي وفعلي، ويخبرك عصام أن صاحبتي البيت (الفندق) هما شقيقتان من آل رمّان الدمشقية وحيث – على ما يبدو – كانت العائلة متخصصة في تجارة الرمان. هنا الرمان يقدم مجانا لرواد الفندق، وهذه ميزة لهذا الفندق التراثي.. يأتيك النادل بفنجان قهوة تركي سادة مع كأس ماء بارد، تسترد معه هدوءك الداخلي لتسأل نفسك هل يعقل ما حدث معك؛ لم تعد تسمع شيئا من ضجيج الشارع، بل على العكس، هدوء هنا وسكينة لا حدود لها حتى لا تكاد تصدق نفسك بأنك كنت قبل ثوان قليلة وأنت في الشارع في حال معاكسة تماما لما أنت فيه حاليا ولتتذكر كلمات البائع أبو جورج قبل دقائق ولتكتشف سر ابتسامة موظف الفندق عصام الهادئة حيث لا يوجد ما يثير الأعصاب من ضجيج وازدحام، وحتى صوت زمامير السيارات في الخارج لا تسمعه، فـ«بيت رمان» ببنائه المعماري القديم ومحافظة أصحابه على خصوصيته بعد ترميمه مع إمكانية تغطيته بسقف زجاجي متحرك من أعلاه يجعلك تنسى أن هناك شيئا اسمه ضجيج في الشارع ولتعيش في هدوء يحرص عليه أصحابه ويعتبرونه ميزة لفندقهم يتباهون بها كما هي ميزات أخرى سنكتشفها للتو.
تتابع احتساء القهوة التركية بجانب بحرة الماء، يقرع الباب من جديد.. يدخل سائح أوروبي مع زوجته وابنته اليافعة، يحصل على مفتاح جناحه المجاور لبركة المياه، يحييك في حين تتجه زوجته مع ابنتها نحو إيوان البيت المقابل للبركة، تصعدان درجتين، تتناول قطعة حلويات شعبية دمشقية بسيطة معروفة تسمى «كعب الغزال»، بينما الفتاة تتناول قطعة شوكولاته دمشقية الصنع أيضا.. يعبران بجانبك والابتسامة تلازمهما لتلحقا بالرجل، ويدخلان جناحهما، ولتكتشف الميزة الأخرى لهذا الفندق، حيث يقدم الحلويات الدمشقية البسيطة والتراثية لنزلائه مجانا ويبقيها موجودة على طاولة خشبية تراثية في صدر البيت (الإيوان) يتناولها السائح في أي وقت وبما يرغب منها. تنهي شرب فنجان القهوة مع مجيء مدير الفندق والمسؤول عنه، يعرفك بنفسه (غمار ديب)، نطلب منه أن يبدأ بالكلام ليعرفنا أكثر على الفندق، فيطلب منا استمهاله لثوان ريثما يسأل الموظف عصام إن كان هناك أحد من النزلاء في الجناح المجاور للبركة وحيث نجلس، فيجيبه عصام أن هناك عائلة أوروبية صغيرة دخلت للتو الجناح، يعتذر غمار عن التحدث معنا في المكان نفسه مبررا بأنه قد نقطع هدوء المكان وسكينته على هذه الأسرة بأصواتنا، نتفهم حرصه على الهدوء لأقصى ما يمكن، ولننزل معه درجات تحت أرض الديار حيث يوجد المطعم والكافيتريا، ولنكتشف فيه هدوءا لا مثيل له مع جماليات في العمارة لافتة للانتباه، حيث الأقواس والثراء الزخرفي والتراثي في كل حجر من القبو، كما هي حال المنزل بطوابقه الثلاثة وأقسامه المتنوعة، وليبدأ (غمار) حديثه عن فندق «بيت رمان» مع كأس ماء بارد.
يقول غمار: «فندقنا كان عبارة عن منزل دمشقي قديم وبسيط على مساحة 300 متر مربع، وهو عبارة عن شركة عائلية صغيرة للشقيقتين التوأمين (ماريا رمان وهي زوجتي وشقيقتها ميساء) وكانتا تعيشان في الولايات المتحدة الأميركية، وعندما عادتا إلى سورية قبل سبع سنوات كان البيت آيلا للسقوط مع تشويه كبير فيه وتحويل أقسامه، مثل الإيوان، إلى غرف لسكن العائلات بعد ازدياد عددها في البيت، فهناك عائلات كثيرة تعاقبت عليه وسكنته. فقمنا بعمل كبير لترميمه، وكانت الفكرة في البداية أن نسكن فيه، ولكن بذلنا جهدا كبيرا في ترميمه وإصلاحه، حيث أصلحناه حجرا حجرا مع عزل كامل وإصلاح البنية التحتية له لمعالجة الرطوبة وغيرها بواسطة خبراء وعمال ماهرين».
ويتابع غمار بكثير من الحرص على تصديقه مؤكدا: «سأريك وبالصور كيف كان البيت قبلُ، وكيف صار بعد الترميم (وهذا بالفعل ما شاهدناه في الصور الموجودة على جهاز الكومبيوتر لدى موظف الاستعلامات عصام). هذا هو الوضع الجديد، ونجحنا في إعادة البيت إلى شكله الأساسي مع مراعاة تاريخه وشكله المعماري التراثي القديم بكثير من الجمال والروعة، جعلنا نفكر مؤخرا في تحويله لفندق ونزل تراثي سياحي، خاصة أنه يتميز بموقع جغرافي سياحي في مكان دمشقي عريق، يتألف من قبو كان يستخدم سابقا كمستودع لتخزين مونة الشتاء من قبل سكانه كما كانت حال جميع العائلات الدمشقية في الماضي وقبل انتشار التقنيات الحديثة كالمجمدات الكهربائية وغيرها، ويتميز القبو باتساعه، حيث يعادل تقريبا مساحة البيت ويتألف من أقواس حجرية. وهناك الطابق الأرضي الذي يضم الإيوان والباحة السماوية والطابق العلوي الذي يضم غرف البيت الست والتراس المطل على مناظر جميلة للشوارع الخارجية، فهو مطل على دمشق القديمة من جهة، وعلى جبل قاسيون من جهة أخرى».
مزايا تجذب السائح لـ«بيت رمان»: يحدد «غمار» كثيرا من المعطيات التي تجعل السائح، الذي يختار دمشق القديمة للإقامة في فنادقها، يختار «بيت رمان» ومنها: «انتقال السائح من ازدحام الأسواق المجاورة للبيت؛ ومنها (مدحت باشا) و(القشلة) و(سوق باب توما)، ومن حركة البائعين الجوالين فيها إلى فندق ينعم فيه بالسكون والهدوء الكبير، خاصة أن المكان من الخارج لا يوحي للإنسان والسائح أنه فندق، بل بيت عربي دمشقي تقليدي يدخله كضيف مرحب به منذ قرعه الجرس ويستقبل على هذا الأساس مع تقديم الضيافة التقليدية له كما كانت الأسر الدمشقية تقدمها لزوارها؛ فهناك الشوكولاته والمشمش الدمشقي المجفف والتمر هندي والرمان في موسمه أو عصيره في غير موسمه، قبل أن يدخل غرفته، ولتقدم له الخدمات كافة فيما بعد، وبعض السياح كتبوا على الإنترنت عندما زاروا دمشق ونزلوا في فندقنا وعادوا إلى بلادهم قائلين: كنا نعبر في ازدحام شديد وطقس مشمس حار وعندما دخلنا (بيت رمان) شعرنا بالسلام مع صوت مياه النافورة وقراءة كتاب حول البركة، وعندما نزلنا إلى القبو المطعم حيث استخدمنا الإنترنت ونحن نعيش في هدوء لا مثيل له. كذلك من المزايا أن السائح الذي يختار فندقنا يشعر بخصوصيته واستقلاليته، فللغرف الست هناك ستة أشخاص يخدمون المقيمين فيها مع تقديم كل أشكال المساعدة له ليشعر أنه من أهل البيت وليس غريبا مطلقا عنه وكأنه يجلس في بيته، وحتى إنهم يذهبون مع السائح إلى السوق في حال رغب في شراء شيء ما ومن دون أي مقابل مادي يمكن أن يدفعه السائح لعامل الفندق الذي رافقه إلى السوق، ويدلّه على المحلات التي يريد شراء ما يريده منها مع تقديم النصيحة له بالأفضل والأجود. ومن المزايا المهمة أيضا جلوس السائح في تراس البيت – الفندق، حيث يجد وأينما توجه بنظره معالم تاريخية وسياحية جميلة محيطة. كذلك من المزايا، استمتاعه بجماليات العمارة التراثية في كل جوانب وأقسام البيت؛ من الغرف في الداخل وحتى الأجزاء الخارجية منه، ومنها: الفتحات الجدارية (المندلون) التي كانت تزين جدران البيوت الدمشقية العريقة وداخلها الفوانيس التراثية، كما يقرأ في صدر المنزل عبارة حفرناها بخط عربي جميل، وهذه هي الوحيدة التي أضيفت حديثا للبيت، وهي مقطع شعري لنزار قباني يقول فيه: (كتب الله أن تكوني دمشقا.. بك يبدأ وينتهي التكوين).

* الفندق في سطور

* الفندق مصنف في فئة الأربعة نجوم سياحيا وافتتح من قبل وزير السياحة السوري في شهر أبريل (نيسان) الماضي، والغرف فيه صممت من الداخل بشكل لافت، فكل ديكور مختلف عن ديكور الغرفة الأخرى، وأعطاها أصحاب الفندق تسميات تتلاءم مع ديكوراتها الخاصة بها ومنها: الجناح الرئيسي الذي سمي «جناح رمان»، بحيث يلاحظ أن ديكوراته جميعها تتلاءم مع طبيعة نزلائه من عرسان يريدون قضاء شهر العسل في دمشق ويستخدمون الفندق؛ فالأضواء خافتة ساحرة، والألوان حميمية، وهناك غرف: «البنفسج» وديكورها بلون البنفسج مع وجود رائحة زهر البنفسج بشكل دائم في الغرفة، وهناك غرفة «الروبي» وهو من الأحجار الكريمة حيث صمم فرش الغرفة بلون الروبي، والبعض من السياح يتنقل يوميا طيلة إقامته في الفندق بين الغرف حيث يرغب أن يعيش كل يوم في ديكور غرفة مختلف، وأجرة الإقامة في الفندق كما حددتها وزارة السياحة السورية تتراوح بين 85 و120 دولارا أميركيا للشخص الواحد. وهناك موقع للفندق على الإنترنت يجد فيه السائح كل ما يحتاجه عنه ليصل إليه، ويمكنه الاتصال بإدارة الفندق لاستقباله من المطار والمجيء به للفندق أو الطلب من سائق التاكسي أخذه للفندق حيث يوجد عنوان مفصل له على موقعه الإلكتروني ومخطط واضح لمكانه في دمشق القديمة.
للمزيد من المعلومات يمكنكم زيارة الموقع التالي:
www.beitrumman.com
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى