حقوق “ضايعة” من الرقابة الحولاء
هيام جميل
للعام الثاني على التوالي يواصل مسلسل “ضيعة ضايعة” تحقيق نجاح متوقع له لم يعرقله فيه تسريب حلقتين من دائرة الرقابة في التلفزيون العربي السوري.
وكان قد تم تسريب حلقتي “اللبطة القوية” و “الفساد” من دائرة الرقابة في التلفزيون السوري قبل حوالي ثلاثة أشهر من موسم العرض الرمضاني لتحقق حلقتا الجزء الثاني مبيعات عالية في السوق المحلية.
شركة “سامة” المنتجة للعمل بادرت للاعتراض على ما جرى من هدر لحقوقها التي كان يفترض أن تقوم دائرة الرقابة المذكورة بحفظها، وكانت النتيجة تحقيقا طال الجميع لينتهي بـ “التضحية” ببعض الموظفين دون تعويض الشركة المنتجة للعمل عن حقوقها “الضايعة”.
ولا شك بأن ما حدث مع المسلسل المذكور يعكس سوء عمل الرقابة التلفزيونية بوجه خاص، والرقابة على الإعلام عموما، حيث كثيرا ما يتم “السطو” على أفكار لبرامج ونصوص، بل ومواد منشورة دون أن يعني ذلك شيئا للرقابة الإعلامية.
بل إن تخبط الرقابة يتجاوز ذلك ليعاقب بعد سنوات على ما سمحت الرقابة بنشره، وأبلغ مثال على ذلك ما حدث مع الصحفيين سهيلة إسماعيل وبسام علي الذي نشرا سنة 5 في صحيفة محلية حكومية تحقيقين متكاملين حول “الشركة العامة للأسمدة في حمص”ن بينا فيهما بالأدلة تجاوز الهدر في هذه المؤسسة عتبة الملياري ليرة سورية، وبدل ان يكافآ على ما قاما به من خدمة للمجتمع والدولة السوريين تمت ملاحقتهما قضائيا مدة خمس سنوات لتقوم محكمة النقض الشهر الفائت بتحويلهما إلى محكمة عسكرية بتهمة “معاداة النظام الاشتراكي”.
ولا شك بأن التحقيق المذكور قد مرّ في الصحيفة المحلية بجميع أشكال الرقابة المهنية والحكومية والأمنية، قبل نشره، فكيف وافق هؤلاء كلهم على نشره ثم استنتجوا فجأة أمام هول الهدر معاداة الصحفيين للنظام الاشتراكي؟
وبالمقابل فإن أكاذيب كثيرة وصورا مشوّهة عن المجتمع السوري وعن تاريخه تمرر في دائرة الرقابة التلفزيونية تحت اسم “التراث الدمشقي”، حيث يزوّر التاريخ وتبث مشاهد غوغائية تشجّع على العنف ضد الأطفال والنساء، وتصل حدّ تمجيد القتل بداعي “الشرف” كما في مسلسل “باب الحارة” ولخمس أعوام متوالية.
وفي حين يقوم المخرج “عكيد العمل” بتكليف الكاتب “الحربوق” بقتل كل شخصية تسوّل لها نفسها “كسر كلمته”ن ضاربا عرض الحائط بكل قواعد العمل الدرامي لمصلحة إثراء غير مشروع على حساب حق شعب ذو تاريخ مشرف، فإن دائرة الرقابة يبدو أنها لا ترى في ذلك أي مشكلة.
وبالعودة إلى مسلسل “ضيعة ضايعة” بجزئه الثاني فقد أبدع مؤلفه “ممدوح حمادة”، والحق يقال، في ابتكار شخصيات وغطلاق أفكار، قد نختلف معه أو نختلف حولها، ومنها على سبيل المثال شخصية “أبو شملة”، المهرّب وقاطع الطريق الذي يخشاه الجميع، وهو يتحدث بـ “القاف” كما جميع سكان ضيعة “تخريمة الفوقا”، الذين يعملون جميعهم بالتهريب، ويهابهم مواطنو ضيعة “أم الطنافس” ذات اللهجة المدينية، ويقول مختارها الـ “بيسة” عنهم بأنهم “ما بيخافوا حا” و “بيقدروا يطيروهنه لمدير الناحية بذاتو”، غير أن الرقابة تتجاهل جميع هذه الدلالات الطبقية والسياسية والطائفية لتضع صافرة “توت” عوضا عن كلمات مثل “حصار بول” و “طيز”…
لا شك بأن الرقابة اليوم مطالبة بإعادة ترتيب أولوياتها حفظا لحقوق الأفراد، فضلا عن حق الشعب كله، على قاعدة العدالة الاجتماعية، كما على أسس مهنية.
وإلى أن يتم ذلك، رمضان كريم أعزائي، وأبعد الله عنّا جميعا الرقابة الحولاء.