من حكايانا الشعبيه في العفو والصلح
مصطفى السراج
بعض الحكايا الشعبيه مما يتناقله الناس، على درجة من الصحه، وبعضها شابها مبالغات الرواه، وبعضها نسج بحت من خيال الناس عن مشاهيرهم.
يحكى في الحجاز أنه في أيام الأشراف خرج على سلطان الشريف رجل من القبائل الحجازيه يدعى السفياني، واستعصي في جبال الحجاز العسيره، مما أعجز عن قتله أو أسره من قبل رجال القبائل المواليه للشريف، على الرغم من الملاحقات الكثيره له في الجبال، الى أن اكتفوا بمحاصرته ونصب الكمائن له ولأنصاره. لاحظ السفياني مظاهر التعب على رجاله من طول الحصار، فتسلل متخفياً وحيداً لم يأخذ معه أحد، حرصاً على رجاله. وصل بدهائه الى قصر الشريف في مكه ودخل الى مجلس الشريف ودار بينهم الحوار التالي:
قال السفياني: أنا السفياني بين يديك ياسيدنا!
قال الشريف: أنت ياقلّيل (ضئيل الجسم) من عجزت القبائل عن الامساك بك؟
السفياني: ياسيدنا، الطول بالدرب والعرض بالزرب !!
الشريف: اسكت ياحمار !!
السفياني: اللي مافيه من الحمار ثلاثه خصال ماهو برجال.
الشريف: وايش هِي؟
السفياني: يقص دربه، ويعرف ربه، ويصبر على غُلبه !!
الشريف: اسكت ياكلب !!
السفياني: اللي مافيه من الكلب ثلاثه خصال ماهو برجال.
الشريف: وايش هِي؟
السفياني: يحمي داره، ويأمن جاره، ويعرف قلة مقداره !!
الشريف: اسكت يا بس (قط)
السفياني: اللي مافيه من البس ثلاثه خصال ماهو برجال.
الشريف: وايش هِي؟
السفياني: يبرد عشاه، ويخفي غثاه، ويحمل على من عاداه !!
الشريف: سوف اعذبك!
السفياني: ما ينفعك عذابي غير حقد اقاربي!
الشريف: سوف أقتلك!
السفياني: ياسيدنا، اللي مايعرف مزايا الصقر يشويه !! ولحم الصقر لايشبع ولا يمتع !! لكن الصقر المعلّم يشبع ويمتع من صيد الحبارى !!
الشريف: ايش تطلب الحين ياسفياني؟
السفياني: وما ملك الأحرار كالعفو عنهم !
الشريف: ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا !
السفياني: لك مني الوفاء والولاء ياسيدنا !
قال الشريف: عفوت عنك ياسفياني وأبغاك تبقى قريب مني !!.
انقلبت العداوه بين الشريف والسفياني الى صداقه حميمه، وصار السفياني الأكثر بسالة في الدفاع عن الشريف بين مواليه.
لما حارب سلطان نجد الشريف في عدة مواقع بالحجاز كان السفياني من أكثر مناصري الشريف اقداماً. وبعد أن انتصر سلطان نجد واستقر له الملك عفى عن جميع من قاتله. فقدم عليه رجال قبائل الحجاز ومعهم السفياني مسلمّين ومبايعين. تبسم لهم سلطان نجد وتوجه للسفياني بقوله: ها ياسفياني: ايش نفعك الشريف يوم حاربتني لأجله. (كأنه يريد من السفياني أن يعتذر عن قتاله). رد السفياني قائلاً: يا طويل العمر، هذه مكه أمّنا وحاكمها عمنا. (وكأنه يريد أن يقول قاتلنا دفاعاً عن مكه والشريف حاكمها، واليوم سنقاتل معك دفاعاً عنها.)
يحكى في بلاد الشام أن رسلان أغا كان من قبضايات احدى القرى في الريف السوري، وكان دائم الخلاف مع من حوله، لايستطيع حل مشاكله الا بالعنف. اشتد خلافه مع ابنائه حتى وصل الى اشهار السلاح واطلاق النار بينهم، واستمر الخلاف وطال، وأهل القرية هم الأشد خسارةً وعناءً في أمنهم. تنادى أهل القريه وسعوا للصلح بين رسلان أغا وأبنائه. ونتيجة الحاح أهل القريه قال رسلان أغا قولاً اشتهر عنه في قريته والقرى المجاوره: أبنائي الصحيح راكان وصفوان رجال جدعان سوف أصالحهم! دق بارودهم ضرب صائب. أما سلمان وحمدان كانوا خروق عند الصياح صوتهم عالي ولما يسمعون الرصاص يتخبون بالقراني، ما راح أصالحهم. الصلح مع اللي يصير شره معك بدل مايكون عليك، واللي مايعرف يضر ما يعرف ينفع. ومنذ ذلك العهد صارت القرى تسمي هذا، اسلوب رسلان أغا في الصلح.
خاص – صفحات سورية –