نعم للمسلسلات التي تقف مع حقوقنا السيادية كذكور ولا لوقوف مهابيل الرجال مع حقوق المرأة!
خطيب بدلة
بيان رجالي في اليوم الرابع من رمضان استطلعت محطةُ ‘العربية’ من خلال برنامج ‘دراما رمضان’ الذي يقدمه جميل ضاهر وراوية العلمي آراءَ المشاهدين حول مسلسل باب الحارة، وكان ثمة احتجاج نسائي على العمل باعتبار أنه- كما زعمنَ- ذو نَفَس رجالي، ويقلل من شأن المرأة.
أنا، كاتب هذا البيان، بوصفي رجلاً عربياً (أصيلاً)، وإلى جانبي وورائي مئات الألوف، بل الملايين من الرجال العرب العاربين، الأقحاح، الأفذاذ، المنسوبين إلى الأجداد الأشراف الذين تختلف طينتُهم عن طينة البشر العاديين، نحتجُّ على احتجاج النساء اللواتي احتججن، ونتمنى أن تكون لنا عليهن موانة، فلا نكتفي بالاحتجاج عليهن، بل ونوبخهن، ونقرِّعهن، ونضربهن، ونهجرهنَّ في المضاجع.
لقد طفح بنا الكيل، وتثقبت آذاننا من فرط ما سمعنا من بكاء، وندب، ونواح، وعويل، وتباك على واقع المرأة العربية، وظروف المرأة العربية، ومظلومية المرأة العربية، وحرية المرأة العربية المفقودة، والمنشودة، فلم يبق غير شيء واحد، فقط لا غير، وهو أن ننزل نحن عن كرسي الحكم في أسرنا الصغيرة ونقول للمرأة العربية: شرفي، اطلعي، و(تصنبعي) عليه مكاننا!
لم تكن المرأة العربية تخرج من البيت، صارت تخرج، كانت مغطاة الوجه والرأس وحتى المنخار، و(مستورة)، ومع الزمن بدأت تفتح في وجهها خرقاً صغيراً، وهذا الشق أخذ يتسع ويتسع، مثل خرق الدفرسوار، حتى أصبحت وجوه بعض نسائنا- أللهم أجرنا- تظهر للعيان بكامل استدارتها، مع جزء من رقبتها يصل إلى عظم الترقوة.. لم تكن تتمكيج خارج البيت، صارت تتمكيج، و(تشلَّطت) وصارت تطلع، وتدخل، وتبيع، وتشتري، وتنتخب، وتترشح.. يا سيدي.. وتسوق سيارة!!
ومع تقدم الزمن، ووقوف بعض المهابيل من الرجال إلى جانب قضية النساء الداشرات، المتفلتات، فقدنا نحن الرجال هيبتنا، والرجل الذي كان يصيح في وجه امرأته، أو أخته، أو ابنته، وحتى أمه، صوتاً يجعل المياه تتيبس في زلاعيمها، أو يضربها كفين أصعب من فراق الوالدين.. أصبح مُطَالَباً بأن يحاورها، ويشاورها في شؤون أسرته، ويحترم رأيها.. وإذا (عابت) وذبحها تقوم قيامة المجتمع، ومنظمات حقوق الإنسان، والصحف، والمجلات، والمواقع الإلكترونية، والقضاء، حتى القضاء الذي كان يطبطب على كتف الرجل الذي يذبح أخته ويسجنه بضعة شهور (على عينك يا تاجر!).. أصبح الآن يعتبره مجرماً، قاتلاً، ويطبق عليه قانون الجنايات، وقد يسجنه خمس عشرة سنة.. وكأن الواحد منا لم يذبح أخته ابنة أمه وأبيه، وإنما ذبح أخت القاضي المحترم، شخصياً!
الآن، في السنوات العشر الأخيرة، أخذت تظهر إلى الوجود مجموعة من المسلسلات العربية، منها البدوية الأصيلة، ومنها المدنية المعاصرة، هذه المسلسلات وُجدت أساساً لتُـنصفنا نحن الرجال، وتسعى لأن تعيد إلينا اعتبارنا وبعضاً من حقوقنا المستلبة. إنها مكتوبة بطريقة جذابة جداً، ومُخرَجة على نحو أكثر جاذبية، ومصروف على إنتاجها الملايين من النقود، بالعملات السهلة والصعبة، وفيها أكثر الممثلين وسامة وإتقاناً لأدوارهم، وأكثر الممثلات جمالاً وغنجاً، مسلسلات تعترف بحقنا نحن الرجال بالسيادة على نسائنا، وجَعلهن ملك أيماننا، وتحض على تعدد الزوجات، وتخصص في كل بيت من بيوت شخصيات المسلسل جناحين، أحدهما للسلاملك، والثاني للحرملك، فترى الرجال يتحدثون في ‘السلاملك’ بالأمور المهمة، ويخططون للأفعال العظيمة، بينما نساء ‘الحرملك’ منشغلات في الطبخ، والنفخ، والجلي، وتشطيف مؤخرات الأولاد، واللت، والعجن، والكلام الفارغ، و(البوجقة)، والحديث عن الحبل، والولادة، وأنجع السبل التي ينبغي على المرأة اتباعها لإرضاء سيدها، تاج راسها، زوجها.
وبناء على ذلك، وعلى ذلك البناء، قررنا نحن الرجال الموقعين أدناه، أن ندعم هذه المسلسلات، ونطالب بإنتاج المزيد منها، وأن نبدي استعدادنا لأن نبحلق فيها، نحن والذين نمون عليهم، آناءَ الليل، وأطراف النهار، فإذا احمرت أعيننا أو ترمدت لا نكترث لها.
وليعلم الجميع أننا في غنى عن تحرر المرأة، ولا تلزمنا المسلسلات المغرضة التي تطالب بتحريرها، فلئن قال قائل بأن الغرب، بتحريره للمرأة قبل نحو قرن من الزمان، استفاد منها في ميدان العمل والاختراعات، فليعلموا أنهم، أي الغربيين، كانوا- حينئذ- فقراء، طفرانين، عائفين رد السلام، وأما نحن العربان، فلله الحمد أغنياء، والجيب ملان، والأرصدة على قفا من يشيل، وقادرون على شراء أي اختراع غربي واقتنائه قبل أن يشتريه أو يقتنيه رؤساء الدول الغربية أنفسهم!
والله من وراء القصد.
تحريراً في 26 / 8 / 2010
ملايين التواقيع
كوميديا على أصولها
سألني أحد الأصدقاء، وكان قد قرأ ما كتبتُه في ‘القدس العربي’ عن اللوحات الأولى مسلسل ‘بقعة ضوء’ الذي يبث على قناة ‘الدنيا’: هل تابعت بقية لوحات المسلسل؟
قلت: لا والله.
قال: لماذا؟
قلت: تمشياً مع القاعدة الذهبية التي تقول إن من يريد أن يذوق طعم المحشي الذي طبخته زوجته لا يوجد ما يدعوه لأن يزدرد محتويات الطنجرة بكاملها ثم يشرب المرقة.. تكفيه محشيتان أو ثلاث، وفضت يا عرب.
قال: لربما كان المخرج الأستاذ ناجي طعمة قد تعمد وضع اللوحات الضعيفة والمتوسطة في البداية، ثم بدأ يرفع السوية بالتدريج.
قلت: إنني أشك في ذلك، فالمخرجون يتقصدون اختيار أجود اللوحات للحلقات الأولى بقصد جذب المشاهدين إلى المسلسل. ومع ذلك سأحاول أن أشاهد لوحات أخرى.
كان ذلك في اليوم التاسع من رمضان، جلست أتفرج على إحدى اللوحات فدهشتُ، وانصرعتُ في رأسي حينما أيقنتُ بأن المخرج قد أسند البطولة المطلقة في هذه الحلقة للفنان صباح عبيد!
إن أبسط قواعد إنتاج الكوميديا تتعلق بـ (حضور) الممثل على الشاشة.. لذلك فإن معظم المخرجين يسندون دور البطولة لفنان له حضور شخصي آسر، والأكثر أمنا أن يكون مصنفاً ضمن خانة نجوم الكوميديا أمثال (دريد لحام، نهاد قلعي، عمر حجو، ياسر العظمة، سليم صبري، فارس الحلو، أندريه سكاف، باسم ياخور، نضال سيجري، سامية الجزائري، أمل عرفة، فايز قزق، محمد خير جراح..)، وأحياناً تكون للمخرج اجتهادات خاصة فيأتي بأحد النجوم الكبار غير المتخصصين بالكوميديا أمثال (بسام كوسا، جمال سليمان، عباس النوري، كاريس بشار..) ويسند إليه دور البطولة.
وأما الأستاذ صباح عبيد، فهو، للإنصاف، يؤدي أدواره في الأعمال التراجيدية على نحو جيد، ولكنه لا يصلح للكوميديا لأسباب تتعلق بشكله الخارجي، وتقاسيم وجهه، ونبرة صوته، أو ما يسميه المخرجون بالفيزيك. أي أنها أسباب خارجة عن إرادته، وأنا أعتقد أنه لو وجدت أكاديمية تعلم المخرجين كيف يختارون أبطال الكوميديا، لقدمت هذه الأكاديمية شكل الفنان صباح عبيد بوصفه نموذجاً لا يصلح للكوميديا على الإطلاق!
الصائمون والمفطرون
قبل أن يأتي شهر رمضان بحوالي أسبوع أو عشرة أيام تبدأ المحطات الفضائية العربية ببث إعلاناتها عن برامجها ومسلسلاتها التي ستتحف بها المشاهد الصائم على مدار الساعات الأربع والعشرين من الأيام الثلاثين من هذا الشهر المبارك.
وأما أبنية المؤسسات الإعلامية العربية فتتحول، منذ الأيام التي تسبق دخول الشهر، وحتى آخر يوم فيه، إلى ما يشبه خلايا النحل العامرة بالحركة والإنتاج والأزيز.
وأنا، أعوذ بالله من كلمة أنا، وبما أنني أعمل في الحقل الإعلامي منذ ثلاثين سنة، فقد لاحظت لكم ملاحظة لن أقول لكم (إنها ملاحظة مهمة جداً)، وذلك لئلا أصادر حقكم في التفكير، والتحليل، والتدبير، بل أقول لكم إنها ملاحظة تستحق أن تقال.. وهي أن نسبة لا تقل عن تسعين بالمئة من الأشخاص العاملين في الإذاعة والتلفزة الذين يكتبون البرامج والمسلسلات الدرامية الموجهة إلى الصائمين، والذين يُعدُّونها، والذين يُخرجونها، والذين يصورونها بكاميراتهم، والذين يمثلون فيها، وفنيي الصوت، والمونتاج، والمكساج، وعمال الإضاءة، ومهندسي الديكور، وفنيي الإكسسوار، ومصممي الجرافيك، وحتى المراسلين الذين ينقلون الأوامر والمهمات من غرفة إلى غرفة.. هم أناس (مُفطرون)!
فإذا قلت لك- يا عزيزي القارئ- إن مبيعات البوفيه التي تقدم المشروبات الساخنة و(الحاجة الساقعة) والساندويتش لهؤلاء القوم تزداد في رمضان، فلربما تعتقد بأنني أبالغ.. ولكنك إذا فكرت قليلاً ستجد الأمر طبيعياً، لأن هؤلاء (المفطرين) يقدمون (للصائمين) في رمضان أضعاف كميات البرامج التي يقدمونها للمفطرين في الأشهر الأحد عشر الأخرى من السنة الهجرية.
كاتب من سورية
القدس العربي