صفحات أخرى

فضائل الدراما السورية

سعاد جروس
لا بد من الاعتراف بفضائل الدراما التي تفيض علينا في هذا الشهر الكريم، وأول هذه الفضائل وأهمها أنها تنّشط عمل من لا عمل لهم من صحافيين ونقاد، في ظل ضيق الفضاء على الكتابة واتساعه للصورة والصوت تملآنه طولاً وعرضاً وعمقاً، فيكسب الصحفيون خبزهم وإدامهم من فائض موائد الدراما العامرة بمختلف أنواع القضايا كبيرها وصغيرها، يعيدون ويفتقون بها إلى ما شاء الله، على الأقل لشهر رمضان المقبل، ضمن معادلة منطقية وهي أن الممنوع في الكتابة مسموح في الدراما، وعليه فأن نكتب عن المسموح في الدراما مسموح. وسؤال الحمصي عن موقع أذنه مرفوع.
? هامش المهرجان الرمضاني الدرامي يشكل مساحة لشن معارك حامية الوطيس، وهي في حد ذاتها دراما واقعية لا تقل إثارة وتشويقاً عن الدراما التلفزيونية نفسها، كالمعركة التي أعلنها الشيخ البوطي، لدى نشره بياناً يحذر من استمرار عرض مسلسل (ما ملكت أيمانكم) لنجدت أنزور بناء على “كلام نقل إليه” لدى البدء بعرض المسلسل، فهبطت “الزمجرة الربانية” التي رآها الشيخ، برداً وسلاماً على المسلسل كدعاية مجانية عابرة للقارات انتشلته من الازدحام الدرامي وسلطت عليه الضوء. ومع أن الشيخ والمخرج بعد الجولة الأولى التقيا لقاءً “ودياً” وأعلن على إثره الشيخ الهدنة إلى أن ينتهي العرض، إلا أن غبار المعركة ما زال يعج ويغطي على السؤال الأهم، ترى من الذي سارع في أول الموسم الدرامي ونقل كلاماً إلى الشيخ عن إساءة المسلسل للدين والمتدينين وورّطه في شن المعركة ؟
? ارتفاع منسوب الاستسهال والابتذال والانحطاط الفني في سلسلة سلالة مسلسلات البيئة الشامية، بات يتطلب تدخلاً مباشراً من وزارة البيئة للحد من ظاهرة تشويه التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام عموماً ولدمشق خصوصاً، وتخفيف التلوث الفكري والفني الناشئ عن عملية تكرير التخلف. وهذا بحد ذاته فضيلة تحسب للدراما إذ فتحت أفقاً جديداً أمام وزارة البيئة غير إغلاق المنشآت الصناعية الصغيرة وقطع أرزاق صغار الكسبة بحجة التلوث وغض النظر عن المنشآت الكبيرة بحجة دعم الاستثمار.
? أكثر من ستين عاماً قضاها اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، ونحو أربعين عاماً للنازحين من الجولان المحتل لم يحلموا فيها بالتسلل يوماً ما إلى الدراما السورية بصفة لاجئين أو نازحين، إلى أن جاء اللاجئون العراقيون وبأقل من خمس سنوات أثبتوا وجودهم على مختلف الصعد، فصاروا جزءاً لا يتجزأ من دراما القاع السوري، وأصبحوا دينمو الملاهي الليلية وشركاء في عصابات الدعارة والتهريب والتخريب، ولأنه بمعية الورد يشرب العليق، لعب اللاجئ الفلسطيني والنازح الجولاني دور البطولة في العشوائيات، وباتا من رموز الانسحاق الطبقي.
? تجدد قاموس الشتائم السورية في الدراما بسيل من الألفاظ والمصطلحات فاض عن الحاجة الدرامية والفنية، في منافسة محمومة مع لغة الشارع السوقية، فبعد “تلحس اجري وبنت الكلب ويلعن أبوك ويلعن البطن اللي حملك ويا دب ويا حمار ويا بغل ويا جحش ويا كر وسد نيعك وسد بوزك” “ظهرت سلسلة مصطلحات جديدة مثل “أمة ظراطة” و “نف بالمغسلة حتى تشوف ابعد من أنفك” و”تصخمي قد ما بدك” و”يا بنت أبو نص سيكارة” والأخيرة تعني الشخص الذي يلتقط أعقاب السجائر من الأرض ليعيد تدخينها. كما ظهر اجتهاد في ذكر الشتائم البالغة السوقية كتلك الكلمة التي تبدأ بحرف (ط) والتي صار يكنى عنها بصوت توت، فتجد حوارات أحد المسلسلات مثل شارع مزدحم بالسيارات يضج بالزمامير توت.. توت.. فعلاً أنها لغة تستحق الترويج والتعميم في الدراما السورية لتعكس صورة صادقة عن مجتمعاتنا الفاضلة، وتنسجم مع الفواصل الإعلانية تروج لصناعة العلكة المزدهرة، لا بل تستحق أن يخرج مجمع اللغة العربية من خموله وينشط لتشكيل لجنة لتأليف معجم “الطامة في ثرثرة الدراما”.
? في مسلسل أسعد الوراق أكد الممثل البارع تيم حسن مجدداً على موهبته اللافتة، في أداء دور سبق وأداه بنجاح كبير الممثل الراحل هاني الروماني ما زال راسخاً في ذاكرة المشاهد السوري. البراعة أن تيم استفاد من أداء الروماني وأضاف إليه، ونجح في تجنيب المشاهد إجراء مقارنة، فكان أسعد بالألوان امتداداً متطوراً ومحسناً عن أسعد بالأبيض والأسود.
وباكتفائه بعمل واحد خلال هذا الموسم أثبت تيم أن دوراً واحداً جيداً أفضل من عشرة أدوار مستنسخة عن بعضها بعضاً.
? وضع مسلسل “ضيعة ضايعة” في عدة حلقات إصبعه على جرح الأرياف السورية، التي تعاني من مشاكل الاستملاك الكيفي والمشاريع التي لا تراعي مصالح السكان، وأيضاً على جرح انتفاء أهمية وجود قانون عندما تكون كلمة مهرب وملاحق وخارج على القانون مثل “أبو شملة” هي المسموعة والسارية المفعول، فلا العرائض ولا الاحتجاجات ولا التظاهرات ولا حتى الصحافة قادرة على منع بناء سد سيُهجّر أهالي الضيعة الضايعة، لأن “أبو شملة” هو الحل.
? مع أن مسلسل “بقعة ضوء” خرج من عباءة “مرايا” ياسر العظمة، وتمكن خلال الأجزاء الستة من كسر احتكار العظمة للكوميديا الناقدة، من حيث التنويع والتجديد في الأداء والموضوعات، وكان هذا سر نجاحه، لكن في الجزء السابع استراح وانتكس ليعيد اجترار الـ(مرايا)، وثمة لوحة من الصعب التمييز فيها إذا كان الممثل هو علي كريم أم ياسر العظمة، فكان نسخة طبق الأصل عنه في الشكل والأداء، ولوحة أخرى بدا فيها وفاء موصلي وأيمن رضا وكأنهما استعيرا من (حكايا المرايا)!! تأكيدا لمقولة أشقائنا المصريين “من فات قديمه تاه”.
? مهما كانت ملاحظاتنا على الدراما السورية سلبية، فلا بد من الاعتراف بأن مرد ذلك الغيرة والحسد وضيق العين، فعدا أنها مدللة وزارة إعلامنا السورية ورجال الأعمال وعلكة أجيال، هي أكثر حرية من الصحافة، إلى حد جعلها تنافس الأدباء والمثقفين والمتثاقفين على دورهم في رصد ومتابعة التحولات المجتمعية الكبرى والصغرى، وتسبقهم إلى الاستئثار بقلب الحكومات العربية، حاصدة ثمار تحولها طوعاً إلى أداة تعبئة جماهيرية: مهرجانات وجوائز وحفلات تكريم وأضواء ونجوم.

سعاد جروس – الكفاح العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى