نجدت انزور و إخفاء العيوب!
ديمة ونوس
تقول بعض الإحصائيات إن الشعب الأميركي يفتقر إلى الثقافة العامة. وإنه يعيش عزلة تفصله عن كل ما يحدث خارج حدود خريطة بلاده، وإنه شعب لا يقرأ. يعيش في بلاد لا تمتلك حضارة عريقة ولا تاريخاً مشرّفاً، وعلى الرغم من ذلك، لم أشاهد حتى اليوم برنامجاً أميركياً واحداً يستخف بعقول جمهوره كما يحدث عندما أشاهد بعض البرامج أو المسلسلات العربية. ولست بواهمة. أعرف جيداً السطحية التي تتناول بها بعض البرامج الأميركية مواضيع حياتية عميقة. تتناولها بسطحية. تصنع من لا شيء، شيئاً عظيماً. لكنها لا تستخف بعقول المشاهدين. لا تمارس عليهم أي فوقية. بالعكس، تصنع من مشاكلهم العادية معجزات خارقة. تحولّهم إلى أبطال.
ما استفزني لكتابة هذا المقال هو متابعتي اليومية لمسلسل «ذاكرة الجسد». وأتساءل عن الأسباب والأعذار التي تدفع مخرجاً محترفاً هو نجدت أنزور إلى التغاضي عن بدهيات جمالية ومهنية وأدبية. قبل كل شيء، النص مأخوذ عن رواية لها شعبية كبيرة وجمهور غفير. والسيناريو كتبته ريم حنا وهي من أهم من كتب في هذا المجال. الجهة الإنتاجية معروفة ولها مكانة مرموقة. الشخصية الرئيسية في العمل يمثلها الرائع جمال سليمان. حتى الموسيقا التصويرية تبدو قطعة فريدة بغرابتها ودفئها.
ماذا يبقى إذا غير الاستخفاف بعقل المشاهد العربي؟ هذا المشاهد المثقف رغماً عنه. المطلع والقارئ والمسيّس.
اللغة العربية الفصحى التي اعتمدها المخرج، تخرج من أفواه بعض الممثلين ركيكة، خفيفة، محشوة بالأخطاء. أخطاء تجزّ في الأذن لشدة شذوذها.
النص يأكل التفاصيل المؤثرة التي تطرحها الرواية، ويحتفظ بخطوط عريضة تعوم على السطح تماماً. لا يكاد المتفرج يرتشف متعة حتى يسرقها النص من بين شفتيه ويعيده إلى السطح. الأحداث تمرّ بسرعة دون الإشارة إلى ذلك المرور. المشهد الحالي، يكون الطفل رضيعاً. المشهد التالي، نراه وقد أوشك عامه الأول. والسنة مرّت بين مشهدين. في العتمة الخاطفة التي تفصل مشهدين بعضهما عن بعض.
لا أدّعي أنني زرت عدداً كبيراً من البيوت الباريسية، لكنني زرت بعضها. لا أعتقد أن بيتاً في باريس يشبه البيوت التي صوّرها المخرج قائلاً إنها باريسية. ولمَ الاستخفاف هذا؟ أعرف بيوتاً في دمشق تشبه البيوت الباريسية أو الأوروبية إلى حدّ بعيد. كما أعرف بعض المطاعم والمقاهي التي يمكن التحايل على هويتها أكثر بكثير من تلك التي تظهر في المسلسل.
ويبقى السؤال: هل سيثير المسلسل فضول المشاهد الذي لم يقرأ الرواية بعد ويدفعه إلى أقرب مكتبة لشرائها؟
الوطن