العرب في رمضان: كهرباء مطفية وقمار وعلكة ودماء ثقيلة
خطيب بدلة
أبطال طفي الكهربا
كنت أتفرج على برنامج ‘كلام بالأرقام’ الذي تعده وتقدمه الصحافية اللبنانية سابين عويس على قناة المستقبل الإخبارية، وقد خصصت الحلقة التي أذيعت بتاريخ 29 / 8 / 2010 لمناقشة أزمة الكهرباء في لبنان والمشاكل الأمنية التي نتجت عنها.. وفجأة بدأ الفوسفور المتوضع في ظوظ رأسي (مُخّي) يشعّ، والتمعت في ذهني أفكارٌ أقل ما يُقال فيها إنها مدهشة، منها أن انقطاع الكهرباء عن المدن والأمصار والكفور والدساكر والعِزَب.. يكاد أن يكون شأناً عربياً خالصاً! وكلما دارت الأيام، ومرت الأيام – على حد تعبير عبدالوهاب وأم كلثوم- يتحول انقطاعُ دابر التيار الكهربائي إلى فولكلور حضاري نتباهى به نحن العربان، ويمكن لأولادنا أن يتباهوا به في المستقبل، كما يمكن لشعرائنا أن (يقرضوا) في مديحه والفخر به أبياتاً، فيقول قائلُهم، مثلاً:
لا تقل لي (يـا هَـلا) لا تقل لـي مرحـبـا
لا تسلنـي عـن خبر لا تسلـني عن نبـا
نحنُ- أبناءَ الأُلـى- أهلُ طفـي الكهربـا
كما يمكن للأستاذ عَمرو بن بحر الملقب بـ (الجاحظ)، لو كان معاصراً لنا، أن يؤلف في انقطاع الكهرباء الكتب، والأسفار، والرسائل، ومنها، مثلاً، (رسالة الصم والبكم.. وسهر الليالي على العتم) و(رسالة الأسلاك والشرطان.. والمومشة مثل العميان)، ويمكن لأبي حيان التوحيدي أن يؤلف كتباً بعنوان (الإمتاع والإسرار والمؤانسة.. في ذكر الكهرباء العربية الناعسة).. إلخ!
وإذا توقفنا قليلاً عن المزاح والتنكيت ومحاولة إضحاك القارئ بالإكراه، مثلما تفعل معظم المسلسلات الكوميدية العربية، وانتقلنا إلى الجد، و(الله الله عالجد.. والجد الله الله عليه!) لقلنا: إن انقطاع الكهرباء عن المدن والأمصار والكفور والدساكر والعِزَب العربية، ليس أمراً سيئاً على الدوام، بل هو أمر مفيد ومسل.
ومن طرائفه أن ثلاثة أشخاص، أحدهم أوروبي، والثاني من دولة متخلفة، والثالث من دولة عربية مناضلة، اجتمعوا بالمصادفة في بهو أحد الفنادق العالمية، وجاء صحافي من أبرز صحافيي البلد التي اجتمعوا فيها، ووجه إليهم السؤال التالي: ما رأيكم بانقطاع الكهرباء؟
فقال الأوروبي: أيش يعني (انقطاع)؟!
وقال مواطنُ الدولة المتخلفة: أيش يعني (كهرباء)؟!
وقال مواطنُ الدولة العربية المناضلة: أيش يعني (رأي)؟!
ويروى أيضاً، والعهدة على الراوي، أن أحد الأشخاص المناضلين الأقحاح قد عُين مديراً للكهرباء في إحدى محافظات دولة عربية مناضلة، وطُلب منه أن (يطفي) الكهرباء على أهل محافظته ضمن خطة تقنين صارمة يصل الانقطاع فيها إلى عشر ساعات في اليوم. وكان حضرته إنساناً أخلاقياً مثاليا انضباطياً نظامياً، يقول عن نفسه بكل اعتزاز (أنا أول من أطاع وآخر من عصا)، لذلك استجاب لدواعي الطفي أكثر من اللازم، ومن دون مناقشة، أو أي فضول لمعرفة السبب، وأخذ يزيد على كل فترة انقطاع ربعَ ساعة من عنده، حتى وصلت مجموع فترات الطفي الخاصة به إلى ثلاث عشرة ساعة! وفي آخر (عام الطفي) وجدوا أنه المدير الأكثر (طفياً) وتوفيراً للطاقة الكهربائية في الدولة كلها، فأقاموا له مهرجاناً خطابياً تكريمياً، تحدثوا فيه عن المؤامرات الخارجية، والغزو الثقافي، والإمبريالية، والرجعية، وأذناب الاستعمار،.. إلى آخره.. ثم ضربوا الطبول ودبكوا وزغردت نساؤهم وأطلقوا النار في الهواء.. وفي الختام – اللهم نسألك حسن الختام- كرموه بوصفه بطلاً للإنتاج!
وعلى الفور أطلق عليه الناس في محافظته لقب ‘بطل الطفي’!
وهذا كله كوم- أيها السادة- والقصة التي رُويت عن صناعة الكومبيوترات العربية كوم. فقد زعم الأشخاص المتخصصون بتقنيات الكومبيوترات والحواسيب العالمية أن انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ عن جهاز الكومبيوتر يؤذي القطع الإلكترونية التي يتألف منها الجهاز، على نحو كبير، وعندما يتم الإقلاع بعد العودة الميمونة للكهرباء، تحصل عملياتٌ معقدة جداً الهدفُ منها ترميمُ الأذى الذي لحق بالكومبيوتر في لحظة الانقطاع، وهذه العمليات تُجهد الجهاز وتقصر عمره.
من هنا فقد زعم أحد الأشخاص القادرين على استخلاص النتائج والعبر من الظواهر الغريبة أن الشركات العملاقة التي تصنع أجهزة الكومبيوتر أصبحت تنتج نوعين من الكومبيوترات، الأول يصدر للدول التي لا تنقطع فيها الكهرباء، وهي غير مناضلة بالطبع، والنوع الثاني مخصص للتصدير إلى الدول المناضلة!
ويحكى، أيضاً، أن إحدى الدول العربية التي اعتادت على تقنين الكهرباء، قد أدمجت الشركة العامة للكهرباء المركزية مع فوج ‘الإطفاء’ المركزي، وسميت الشركة المدمجة: (الشركة العامة لإطفاء الكهرباء)!
رمضان ولعب قمار
بمجرد ما يهلُّ هلال شهر رمضان، في كل سنة، تبدأ المحطات التلفزيونية العربية بـ (إطلاق) نوعين من البرامج، من الأرض إلى الأرض بالنسبة إلى المحطات الأرضية، ومن الفضاء إلى الأرض بالنسبة إلى الفضائيات، توجهها، بالتحديد، نحو كيان المواطن العربي الطفران، الغلبان، العائف رد السلام.
النوع الأول هو برامج المسابقات التي ترصد لها هذه المحطات ألوف أو ملايين الدولارات والجنيهات والريالات والليرات، تقوم بتغطية نفقاتها الشركات الصناعية والوكالات التجارية والمصارف الخاصة ومعامل البسكويت والعلكة..
ولأن هذه المحطات حريصة على (تثقيف) المواطن العربي وتنويره وإمتاعه ومؤانسته، فإن أسئلتها الموجهة إلى المتسابق الغلبان تكاد تنحصر في السؤال عن الأمثال الشعبية وعن الطبخ والنفخ، وفي كثير من الأحيان يطلبون من المشترك في المسابقة أن يرسل إليهم، بالبريد، أكبر عدد من أغلفة العلكة، من ماركة العلكة التي تمول المسابقة.. يعني باختصار يريدون أن يثبت لهم بالدليل القاطع أنه مواطن (عَلاك).. مع أن هذه الخاصية ليست بحاجة إلى إثبات، فالمواطن العربي (عَلاك جداً) بدليل أنه، مهما حكى، ومهما طالب بحقوقه، لا يرد عليه أحد!
سألني أحد الأصدقاء عن السر الذي يكمن وراء فورة هذه المسابقات التي تشبه لعب القمار إلى حد بعيد في شهر رمضان، فقلت له:
– والله لا أعرف، ولكنني أعرف أن الصيام في رمضان هو احد أركان الإسلام الخمسة، والإسلام نهى عن هذه الألعاب على نحو صريح لا لبس فيه، واعتبرها رجساً من عمل الشيطان.
دماء ثقيلة
الصديق الذي سألني عن سر اقتران شهر رمضان عند العرب المعاصرين بألعاب القمار التي تأتي على هيئة مسابقات.. سألني سؤالاً آخر لا يقل أهمية عن سابقه، إذ قال لي:
– إن منتجي برامج ‘الكاميرا الخفية’ في الوطن العربي، والبرامج المشابهة لها كبرنامج ‘صادوه’ الخليجي، يختارون لتقديم برامجهم أشخاصاً يتمتعون بقدر كبير من ثقل الدم.. فترى الواحد منهم يمعن في التغالظ على ضيف البرنامج المزعوم حتى يُخرجه عن طوره ويجعله (يشمط) لاقطا الميكروفون المعلق في ياقة قميصه ويقف غاضباً متهيئاً للضرب بالكف وبالبوكس، وللرفس بالأرجل إذا لزم الأمر!
ولأنني لم أعتد أن أتحدث في أمر أجهله، أو أتعدى على اختصاص غيري من الناس، فقد سارعتُ إلى توجيه السؤال إلى أحد أصدقائي من الأطباء. سألته عن السبب العلمي الذي يجعل هؤلاء الناس ثقيلي الدم، ولاسيما في شهر رمضان.
قال لي: المسألة- يا أستاذ- لها وجهان، فإذا كان مقدم البرنامج صائماً، وكان تسجيل البرنامج يتم في وقت الصيام، قبل (ضربة المدفع) فإن دمه، من الناحية العلمية، يصبح ثقيلاً، ويميل لونه إلى الأحمر القاتم، بسبب نقص السوائل التي تحافظ على لزوجته، وعلى لونه القاني..
وأما إذا كان مُفطراً فإن لثقل دمه تفسيراً واحداً لا ثاني له.
قلت: ما هو يا دكتور؟
قال: هو أن يكون دمه ثقيلاً من وكالته.. يعني خلقة الله! وهذه ليس لها علاج على الإطلاق!
كاتب من سورية
القدس العربي