من حقنا اليأس قليلا
غسان المفلح
الحوار وسيلة تواصل واتصال وتداول…عندما يكتمل الحوار يصبح له نصا، وإن لم يكتمل يبقى الحوار مفتوحا على أفق… أفق لا يغلق النص، وإنما يعده بمعاني جديدة، معان أكثر خصوبة..
وكل نص هو حوار، هو اتصال مع آخر، لا نريد أن نعرفه بل نريده أن يعرفنا…
وكل نص هو حوار، هو تداول لقيم السوق الرائجة في زمن النص..
وكل نص هو تواصل، مع آخر نريد أن يعرفنا ونريد أن نعرفه أيضا…
التواصل حيث المعنى سيدا، ومعيارا بين المتحاورين، لا شخوصهم ولا أصولهم أو فروعهم، يأخذها المعنى بعين الاعتبار، بل ما يضيفوه إلى معارفنا وأرواحنا من معاني أكثر انفتاحا، وأكثر معرفة، وأكثر حلم…
حوارنا نحن لم يكتمل ولن يكتمل….
****
في مجريات ما يجري اليوم…كيف لنا أن نفرز أنفسنا ومعارفنا عن موضوعنا؟
الموضوع لا يحتمل التأويل كثيرا” أنه سورية” وبدونها لا قيمة لمعارفي، هكذا هو النص الذي يكتبني…
يقولون في لحظات انسداد الأفق والجذر السياسي، يجب ان نلتفت إلى أنفسنا، أنها إشاعة مغرضة رغم عقلانيتها، هل العقل يصادر أحلامنا….؟
****
تكاثرت الآن الدعوة لبناء يسار جديد…وتكاثرت الأقلام المختصة وغير المختصة بالهجوم على كل ما ليس هو قوة في الحدث السوري، الهجوم على نساء منقابات، وعلى فقراء لم يجدوا لا يسارا ينقذهم ولا علمانية تنصفهم، ولا معارضة ديمقراطية تحسن وضعهم المعاشي، أو على الأقل تخلق لديهم أملا ما….
تكاثرت الأقلام العالمة، التي وجدت في الدفاع عن الدين الإسلامي تجارة سياسية ورمزية رابحة، كما وجدها كذلك بعض المبشرين بالإسلامفوبيا في الغرب..
الرجل المسلم الفقير في سورية، هو من يسرق الناتج القومي، وهو من يسرق الثروة في وضح النهار.. لهذا هو فقيرا لجأ إلى الله كي يعينه على ما ابتلاه!!
وأصحاب العمامات المنتشرين الأن في سورية، لا هم لهم سوى تبيض صفحات النظام وحركة حماس وحزب الله…وهؤلاء أصدقاء طيبين وديعين للعلمانيين الجدد، ولدعاة اليسار الجديد..
كلهم الآن يصبون قمحهم في نفس الطاحونة…وأية طاحونة؟؟؟؟
****
هؤلاء يرون أن الحوار يكون بعد أن تعلن التالي” إما أنك ضد المواطن/ة المسلم وثقافته، وفيما بعد نتحاور.
40 عاما من القمع والتنكيل والنهب والتطييف والتلاعب بالدين المتاح…والزبائنية مع المحيط والعالم…كل هذا غير كاف..ولازال المواطن/ة المسلم الفقير هو الحاكم في سورية…
40 عاما والمواطن الفقير من يد السلطة اليمين ليدها اليسار، دون ادنى احتجاج…يخرج وبضربة معلم علمانية” انه هو الحاكم لسورية، أقصد ثقافته هي التي تحكم سورية، وثقافته هي التي افقرت البلد…
40 عاما سنقولها بالعامية” قال شو يايبو الخطر على الوطن من الإمبريالية العالمية، لهيك هذا الخطر يحتاج لليسار الجديد، والموقف من إسرائيل، والموقف من مشروع الشرق الأوسط الكبير…
40 عاما لم يبق بيت سوري واحد دون أن يدخل أحد أفراده السجن أو دون ان يستدعى للمخابرات…
40 عاما والمعارضة” خارجة داخلة من وإلى السجون” والخطر الآن على سورية من المواطن المسلم وثقافته ومن الإمبريالية العالمية..لهيك يجب تشكيل يسار جديد…
المواطن المسلم الفقير” هو الذي تنازل نهائيا عن لواء اسكندرون دون أن يستشير العلمانيين واليساريين.
المواطن المسلم الفقير هو الذي يمنع الجنسية عن 300 ألف مواطن كردي….
المواطن الفقير المسلم هو الذي يمسك بزمام كل المواقع الأمنية والعسكرية بالبلد….
أما المواطن غير المسلم..فيبدو أنه محتار يخاف من جاره المسلم من أن السلطة… ونتيجة خوفه أصبح يصدق أن من أفقره وسرق ماله هو جاره المسلم الفقير أكثر منه ربما…
نريد يسارا ذو أفق اشتراكي ووطني..ومعارضة ذو هوية وطنية!!!! والآن نغمة جديدة لا أعرف من أين خرجت!!” نريد معارضة ذو تفوق أخلاقي” لينين وروبسبير وغورباتشوف كانوا متفوقين أخلاقيا على شعوبهم…ويلتسين أيضا الذي نزل إلى الشارع مع الناس ليقف بوجه الانقلاب العسكري، كان متفوقا أخلاقيا على كل الشعب الروسي..!
النظام قوي في الداخل كما تشير الأمور” لهذا سنسمع خلال الفترات القادمة دعوات جديدة غير العلمانية واليسارية والتفوقية الأخلاقية…!
****
كيف يمكن للحوار أن يجعل التواصل ذو معنى في ظل هذه الأجواء المسمومة؟
لهذا لم نعد نجد في سورية حوارات، بل ما نجده تكسير رؤوس، ونفاجات مليئة بالعقد…
فعن أي تواصل اتحدث؟
****
أصبحنا كمثقفين نريد مريدين لا متحاورين…يعني مريدين محاورين لا بأس…!
نصنا أصبح مغلقا على ذاواتنا….
فالحوار الآن خارج دائرة الحدث السوري…
لهذا سأضيف إلى الدعوات تلك، دعوة جديدة” على المعارضة الآن ألا تتحاور لا مع نفسها ولا مع أحد”
ولكنني شخصيا لن أشارك لأنني لست يساريا، ولست علمانويا ولست أملك القدرة على التفوق الأخلاقي، ولم أعد أجد لمثل هذا النوع من الحوارات معنى…
رغم أنني مع أن يضيق النظام المساحة على كل التيارات السياسية الإسلامية….المتشدد منها والمعتدل…ولكن الجيد انها غير موجودة في سورية، ما هو موجود الآن هو إسلام تتيحه لعبة السلطة، لذا فخار يكسر بعضه…لأن المواطن المسلم الفقير لن يتأثر بذلك ولن يطاله القمع، لأنه كافي خيره شره..وقابل بنصيبه…بعد 40 عاما….من الازدهار…..
من حقنا اليأس قليلا.