هجوم إسرائيلي
ساطع نور الدين
اذا كانت اسرائيل تدعو لبنان الى التفاوض وتجري مفاوضات مع سوريا وتوقع هدنة مع حركة حماس، فإن تصنيف هذه الحركة الدبلوماسية الواسعة في خانة الهجوم او الدفاع، صعب جداً، كما ان تقييمها باعتبارها ضربة وقائية تهدف فقط الى حماية رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت من السقوط، يعكس قدراً من التبسيط وسوء الفهم لهذه التحولات الجوهرية في الوضع العام.
اما الافتراض ان هذه الحركة الدبلوماسية هي نتيجة إحساس الكيان الاسرائيلي انه في مأزق ناجم عما يوصف بانه هزيمة في لبنان وفي غزة وامام سوريا، فانه ينفع في المهرجانات الخطابية وفي البرامج السياسية التلفزيونية، التي لا تحتاج الى الكثير من البراهين ولا تتطلب الكثير من الوقائع، ولا تستدعي جهداً استثنائياً في محاولة البحث عما يفعله الاسرائيليون هذه الايام، بما يشبه الاجماع الوطني، وبغض النظر عن محصلته الفعلية.
عرض التفاوض الاسرائيلي مع لبنان صار معلناً. لم تحمله صراحة وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس الى المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، لكن التقاط اشارته لم يكن عسيراً على معظمهم. وما كان مبهماً في العرض أوضحه اولمرت شخصياً لصحيفة «هآرتس»، وزاد عليه من عنده بعض الشروط والمطالب المسبقة.. التي تبدد من الاساس فكرة استعداد البعض في لبنان للاحتفال بتحرير مزارع شبعا، وبإشراف أميركا بالذات!
مفاجأة العرض لا تكمن في تفاصيله. منذ العام 2000 كان واضحا ان اسرائيل لن تخرج من المزارع الا بمعاهدة سلام مع لبنان وسوريا في آن واحد. التوقيت مثير للريبة، ليس لانه يجدد المسعى الاسرائيلي الى نزع ذرائع المقاومة من حزب الله، بل لانه يتقاطع بالتحديد مع سير المفاوضات السورية الاسرائيلية غير المباشرة التي تمضي قدماً بسرعة وثبات في تركيا، وتؤسس لتفاوض مباشر في مراحل لاحقة وفي بلدان اخرى، ولا يبدو انها مجرد مضيعة للوقت او الجهد، او مجرد استكشافي متبادل ومحدود بمهلة زمنية، كما قيل منذ اللحظة الاولى.
والريبة في الحركة الاسرائيلية تتعمق عندما يبدو ان هناك تزامناً بين ما تقوم به حكومة اولمرت على جبهتها الشمالية وما قامت به على الجبهة الجنوبية، حيث سرى اتفاق التهدئة مع حماس في قطاع غزة، وفتح قنوات التواصل والتفاوض الجدي لاحقاً مع الحركة الاسلامية الفلسطينية، التي لا تملك سوى قدرة ازعاج المسؤولين الاسرائيليين، واقلاق راحة بعض المستوطنين القريبين من القطاع.. واستدراج الجيش الاسرائيلي الى فخ المواجهة مع أكبر الكتل الشعبية الفلسطينية الموزعة بين الداخل والشتات.
ليس من السهل القبول بالمنطق القائل ان اسرائيل توصلت الى معرفة حدود قوتها وقررت ان تتحول الى دولة مسالمة تتخلى عن خيار الحرب وتبحث عن سبل التعايش مع جيرانها في الشمال والجنوب، كما ليس من السهل ايضاً التسليم بأنها تشن هذا الهجوم السلمي على مختلف الجبهات فقط لكي تحافظ على اولمرت.. او بانها تسد فراغا اميركيا ناتجا عن انشغال الاميركيين بحملتهم الانتخابية.
المؤكد ان حكومة اولمرت لا يمكن ان تخدع الجمهور الاسرائيلي، كما لا يمكنها ان تشغل مكان الاميركيين.. الا اذا كانوا يخفون أمراً يستدعي مثل هذا الهجوم.