المأكولات السريعة قد تذهب بآكليها إلى الموت
في عام 2004 ، وكي يُحقّق فيلمه الوثائقي عن مأكولات ماك دونالدز السريعة، قرّر الأميركي مورغان سبورلوك أن يقضي ثلاثين يوماً لا يتناول خلالها سوى وجبات “الماك” ويقوم بتصوير ماذا يحلّ بجسده. جميع الخبراء والاختصاصيين الذين أجرى سبورلوك معهم مقابلات في فيلمه الوثائقي كانوا مصدومين بما حلّ بجسده على الرغم من توقعهم زيادة الوزن ومعدّلات الكوليستيرول العالية وإرباكات الكبد وغيرها من عوارض. على مدى الثلاثين يوماً من مأكولات ماك السريعة ازداد وزن سبورلوك البالغ عامه الثاني بعد الثلاثين نحو 25 باونداً. كما ارتفعت معدّلات الكوليستيرول إلى درجات مخيفة، وكذا فعلت الدهون في كبده الذي راح يضطرب. هذا إضافة إلى حالات الاكتئاب وتقلّب المزاج وتسارع نبضات القلب والضعف الجنسي.
البعض اعتبر أن سبورلوك في اختباره الوثائقي ذاك بلغ حدّ البله. لكن فيلمه الذي حمل عنوان “سوبر سايز مي” ( Super Size Me) لعب دوراً كبيراً في تنبيه مستهلكي الأطعمة السريعة إلى خطورة الاعتماد الدائم والمستمر عليها. فيلمه ذاك عدّ واحداً من أكثر الأفلام الوثائقيّة مُشاهدة في تاريخ هذا النوع من الأفلام. كما ساهم في تغيير العادات الغذائيّة لملايين من الأشخاص، حسب ما يكتب جون روبينز في موقع هافينغتون بوست الالكتروني (8 تشرين الأوّل 2010). روبينز كان أحد الاختصاصيين والخبراء الذين قابلهم سبورلوك في فيلمه.
اليوم، وبحسب موقع هافينغتون بوست، قام خبراء التغذية والصحّة بإنتاج إعلان (توقيته 39 ثانية) يُعدّه البعض شديد الإثارة للجدل. الجهة التي موّلت الإعلان المذكور وحقّقته (هيئة الأطبّاء للعلاج المسؤول مركزها واشنطن) تتناول فيه حالة وفاة سببها الغذاء الذي يحوي نسباً عالية من الدهون. خلال أيّام قليلة من بداية بثّه شاهد نحو مليون شخص ذلك الإعلان عبر اليوتيوب، كما تمّ تناوله وتغطية خبره بواسطة الصحف، بينها “وال ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز” و”الغارديان”، هذا إضافة إلى وسائل إعلام أخرى كثيرة.
الإعلان في عرضه الحالة المميتة جرّاء الإسراف في تناول الوجبات السريعة الغنيّة بالدهون، يستخلص دعوة للتحوّل إلى الغذاء النباتي. وهو يفعل ذلك بحجّة مُقنعة إلى حدّ كبير. فالنباتيوّن أظهروا وما زالوا يظهرون معدّلات منخفضة بالنسبة لأزمات شرايين القلب، والسكّري ومظاهر الالتهابات وضغط الدم والحصاة الصفراويّة. وهم أيضاً أقل عرضة من غيرهم بكثير للإصابة بسرطانات عديدة، كسرطان البروستات والصدر والرحم والمبولة وغيرها المتعلّقة بالهرمونات.
والأمر ليس التزاماً صارماً بالحمية النباتيّة، بل في تحصيل نسبة عالية من السعرات الحراريّة من مصادر غذائيّة متكاملة كمثل الثمار والخضار والحبوب، ونسبة ضئيلة منها تُحصّل من الأغذية المُحضّرة كمثل السكريّات والمنتجات الحيوانيّة والدهون.
نظرة تاريخيّة إلى تحوّل الأنظمة الغذائيّة وميزانيّاتها في الولايات المتّحدة، تُظهر مدى الأزمات التي حملتها الحداثة في ذلك المجال. فالتأمين الصحّي السنوي اليوم الذي تتكبّده عائلة أميركيّة عاديّة بات يفوق مجمل الدخل السنوي لعامل عاديّ بدوام كامل. هذا ويتعرّض شخص واحد في أميركا مع مرور كلّ ثلاثين ثانية للإفلاس نتيجة لتكاليف علاجات طبيّة يخضع لها.
أكلاف الطبابة والعلاج لم تبلغ في الولايات المتّحدة من قبل هذا الحدّ من الارتفاع. إذ ستبلغ الفاتورة الطبيّة لأميركا هذا العام نحو 2.5 تريليون دولار. التكاليف المذكورة في عام 1950، قبل أن يفتتح راي كروك أوّل فروع ماك دونالدز، لم تتجاوز 8.4 بليون دولار، أي ما يعادل السبعين مليون دولار في حسابات اليوم. ما تنفقه أميركا راهناً على العلاجات الطبيّة خلال عشرة أيام، يوازي ما كانت تنفقه على مدار السنة في عام 1950.
الأمر حسب خبراء التغذيّة لا يرتبط فقط بالتحوّلات التي طرأت على أنظمة الغذاء التي ازدادت تركيباً ودهوناً، بل يرتبط بمنظومة ثقافيّة متكاملة بلغت فيها الأوقات التي يقضيها المرء مسترخياً أمام شاشات التلفاز والكومبيوتر أقصى تضخّماتها.
المستقبل