صفحات سورية

قمة القمم في دمشق!

سركيس نعوم
أولت وسائل الاعلام في الايام الاخيرة الاجتماع الرباعي الذي تستضيفه دمشق اليوم ويضم الى الرئيس السوري بشار الاسد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وامير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان اهمية فائقة لا يمكن الشك فيها لاسباب متنوعة منها ان الاجتماع يكرس انتهاء القطيعة بين دمشق وباريس والتي سيطرت على العلاقات السورية – الفرنسية في آخر سنوات ولاية سلف ساركوزي جاك شيراك ويساعد تالياً على ترتيب علاقات ثنائية متنوعة غنية وارساء علاقات لبنانية – سورية جيدة والدفع في اتجاه تقدم سوريا واسرائيل في مفاوضاتهما غير المباشرة التي تستضيفها تركيا منذ اسابيع عدة.
ومنها ايضاً ان الاجتماع ينهي الاحتكار الاميركي للادوار الكبيرة والاساسية في الشرق الاوسط ويفسح في المجال امام الدول الكبرى وخصوصاً التي يفترض انها شريكة لاميركا سواء في القيم او في المصالح او في السياسة كي تنشط في هذه المنطقة وايضاً في غيرها الامر الذي يعيد إليها بعض هيبة ونفوذ كما يؤمن لها الكثير من المكاسب الاقتصادية بدلا من الفتات الذي كانت تتركه لها اميركا على هذا الصعيد.
ومنها ثالثا ان الاجتماع ينهي العزلة الدولية التي فرضتها اميركا على سوريا بسبب مواقفها السياسية في لبنان وقضايا اخرى مهمة ناهيك بممارساتها المؤذية وتفتح الباب امام المسؤولين في دمشق لاستعادة علاقات اوروبية كانت جيدة ومحاولة استعادة علاقة اميركية كانت جيدة ايام الرئيس الراحل حافظ الاسد رغم التوتر غير الجوهري الذي كان يشوبها بين حين وآخر وربما محاولة استعادة وضع مميز لها في لبنان بل مسيطر، وإن بطريقة مختلفة عنه في السابق.
ومنها رابعاً ان الاجتماع يكرس الموقع الريادي لدولة قطر الصغيرة جغرافياً وشعبا والكبيرة ثروة نفطية وغازية وطموحا لأدوار مهمة خليجياً وعربياً واسلامياً ودولياً وحتى اسرائيلياً.
ومن الاسباب خامساً واخيراً ان الاجتماع يمكِّن الحكومة الاسلامية في تركيا من تجاوز مصاعبها الداخلية رغم نجاحها في اجتياز اخطر “قطوع” مرت به منذ تأليفها ويمكّن تركيا وعبر فرنسا ساركوزي المتشددة حيال انضمامها الى الاتحاد الاوروبي من تليين الموقف الاوروبي العام المناهض لهذا الإنضمام او بالاحرى الخائف منه لاسباب كثيرة معروفة.
لكن ما يمكن الحديث عنه بشيء من الشك او ربما النقد هو اعطاء الاعلام ومن خلاله دول اجتماع دمشق الاربع هذا الاجتماع طابعا ليس له او بالاحرى لا يفيده بل يرخي الكثير من الظلال على امكان نجاحه ليس في الانعقاد فحسب بل ايضاً في التوصل الى نتائج وتنفيذها. وهذا الطابع هو ان القمة هي قمة الاتحاد الاوروبي والقمة العربية وقمة مجلس التعاون الخليجي. وتصويرها على هذا النحو يدفع المواطنين العرب وربما مواطني العالم الى توقع الكثير منها، علما ان هذا الكثير لا يبدو في الافق ولاسباب كثيرة هي الآتية:
-1 لا يستطيع رئيس فرنسا وان تكن هي رئيسة الاتحاد الاوروبي اليوم الزام هذا الاتحاد استراتيجية وسياسة سورية – اسرائيلية وسورية – لبنانية بل شرق اوسطية لانه مجموعة دول حققت نجاحاً كبيراً وتقدما في الاقتراب من وحدوية ما لكنها لم تصل حتى الآن ربما لانها لا تريد الى حد الاندماج في دولة واحدة وان فيديرالية. فالقرارات فيها لا تزال بالاجماع. وستبقى كذلك في المستقبل المنظور. فضلا عن ان الاتحاد الاوروبي لم يستطع مواجهة تحدٍ مباشر على حدوده قامت به روسيا الاتحادية قبل مدة قصيرة في جورجيا. كما ان حلف شمال الاطلسي ذراعه العسكرية وذراع اميركا لم يفعل شيئاً لمواجهة هذا التحدي ولن يفعل. اضف ان ديبلوماسية ساركوزي المتوسعة بل شبه الشاملة عملياً قد تكون عبئاً على فرنسا وتجر عليها الخيبة والفشل لانها اكبر من امكاناتها، وهذا ما بدأ يتردد في فرنسا.
-2 لا يستطيع رئيس سوريا وان تكن هي رئيسة القمة العربية اي اعلى مؤسسة في جامعة الدول العربية الزام اعضاء الاخيرة اي استراتيجية عربية او شرق اوسطية او معادية لاسرائيل او دولية. ذلك ان هذه الجامعة غير موجودة الا بالاسم. واذا كان الاتحاد الاوروبي الذي يتمنى العرب ان تصل دولهم الى ما وصل اليه عاجزاً عن القيام بالكثير كما ورد اعلاه فهل ستنجح منظمة مفككة لم تنجح يوماً في امر او في جمع كلمة العرب؟ واي امر نجحت فيه كان ملتبساً وحقق نقيض اهدافه دائماً لأنه كان تسوية بين مواقف متناقضة ونيات مبيتة. كما لا يستطيع رئيس سوريا ان يفعل الكثير رغم النجاحات التي حقق على صعيد فك عزلته الدولية. فالمحكمة الدولية جمِّدت بمساع من “اصدقائه” والحلفاء. لكنها لا تزال على الرف. والتقاء المصالح مع اسرائيل لا التحالف افاد ويفيد لكنه لا يلغي تحفظات كثيرة موجودة عند مسؤوليها وقياداتها ومواقف يشير احدها استنادا الى مصادر ديبلوماسية غربية وعربية مطلعة الى أن اي اعتداء عسكري وتحديداً لبناني (“حزب الله”) على اسرائيل، سيتسبب بضربة عسكرية مهمة لسوريا قد لا ينجو منها قصر الرئاسة.
-3 لا يستطيع امير قطر رغم نباهته ومهارته ونشاط رئيس وزرائه وغنى دولته ومساهمتها مع اميركا واوروبا واسرائيل ان يختصر مجلس التعاون الخليجي و”زعيمته” السعودية. وتالياً لا يستطيع ان يمثله في قمة دمشق. واقصى ما يستطيع هو تمثيل بلاده التي لا يستطيع احد ان ينكر انه حقق لها نجاحاً مهماً على اكثر من صعيد وليس في السياسة فقط. مع الاشارة الى ان دول هذا المجلس لا تزال مستقلة رغم ان هدفها في ميثاقه الوحدة.
طبعاً لن نذكر رئيس الوزراء التركي اردوغان هنا لانه ليس رئيس اي “قمة” او مجلس يضم دولاً عدة. لكن ذلك لا يعني ان لا قدرة لديه على العمل. فبلاده عضو في حلف شمال الاطلسي. كما انه لا يعني انه وربما قبل الرئيس الاسد لن يحاول تجاوز الكثير من مصاعبه في الداخل ومع المحيط من خلال سياسته السورية.
في النهاية وكي لا نتهم باننا ضد القمة الرباعية لا بد ان ننتظر نتائجها وخصوصاً على الصعيد اللبناني. فاذا كانت ايجابية ولمصلحة لبنان الدولة نشكرها ونتمنى المزيد منها كما نتمنى للابرز فيها اي رئيس فرنسا نجاحاً مماثلاً في مناطق اخرى حيث التحديات اكبر واصعب. اما على صعيد سوريا فنعتقد انها الرابح الوحيد فيها على الاقل حتى الآن لأن كل هذا الانفتاح الذي تحصده كان نتيجة موقف مبدئي من قضية لبنانية لا يزال يحتاج تنفيذه الى تفاصيل يكمن الشيطان دائما فيها.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى