هيفا وهبي وفساتين التدمير الشامل
أحمد عمر
ظهرت المطربة اللبنانية التي تغني وترقص في برنامج ‘الحياة أحلى’ على قناة ساحل ليلة الجمعة قبل الماضية. كان الحديث يدور على المظهر والأناقة التي يصطلح عليها اللبنانيون (العاجقين ها الدني بها الكم أرزة) كما يقول حامل راية الفينيقية الشاعر سعيد عقل،’باللوك’. ثمة معبود لبناني وعربي جديد اسمه ‘اللوك’. كانت ميريام فارس ترتدي فستانا معقودا في أعلى الصدر المكشوف للمدى المتوحش، وكان لونه ازرق جلديا وتلبس جوربا غلاليا اسود، وحذاء احمر. المحاورة أبدت اعجابها ‘بالستايل’ وبقيت ميريام فارس مدة الحلقة في وضعية واحدة هي وضعية حرف ‘زد’ فقد فرض عليها الستايل الأحكام العرفية وعلينا قانون الطوارئ. الجلد في ثقافتي وثقافة السينما والبصر عموما يرتبط بالإغراء، ويثير شهوة الافتراس عند الوحوش الحيوانية والبشرية.. الإغراء الأسود، الإغراء المدفوع الأجر. ثقافتي في اللوك تحت الصفر. و’لوك’ ميريام لم يعجب عيني الباكيتين السجماوين.. قضيت الفترة الجامعية وأنا ارتدي بنطلونا بنيا وقميصا ازرق مثل الذي ترتديه ميريام فارس.. عندما تخرجت التقيت واحدة من ‘المعجبات’ بقلمي الأعرج فذكرتني بالزي الموحد ‘اليونيفورم’ الذي كنت ارتديه، فقلت مبررا: بصراحة (الصراحة كنز يفنى).. لم يكن لي سواهما:
قالت: كنا نظن انك تدين بمذهب ‘خالف تعرف’، ثم وجدت أن الفتوى رائعة وقلت سأختبئ خلفها عندما يشير صاحب ذاكرة قوية إلى الزي العجيب الذي سلخت به أعين المعجبات طوال حقبة الجامعة.
قلما نستفيد من فلسفة و’حكمة’ المطرب والمغني، لكنه في النهاية نجم في هذا الفضاء ويجب أن نعرفه و’نستضيء’ به في هذه الليالي الظلماء التي لا تحترم الامبريالية فيه اللوك تبعنا.. أتحفتنا ميريام بحكمتها وفلسفتها في الحياة فهي تحب رياضة ‘الشوبينغ’ التي تخسس الجيوب، لكن ليس جيبا كجيب ميريام، فقد تتسوق النهار كله من غير أن يقول جيبها ‘أي’، وهي تفثأ غضبها بالشوبينغ عندما تكون ‘معصبة’، هنيئا لك يا ميريام.. قولي لي من ‘يعصبك’ وأنا أريه نجوم الظهر على هذه الصفحة. ميريام من المطربات القليلات اللاتي يغنين ويرقصن. لكنها رياضية من الوزن الثقيل ما شاء الله. فوجئت مرة بفيروز في لقاء نادر مع المذيع السوري توفيق حلاق.. انها لا تكاد تبين.. تتحدث مثل طفلة: أحب.. اكره.. كأنها تلتزم بالشرط الامتحاني: اجب بنعم أو لا عن الأسئلة التالية. توفيق حلاق يكاد يضع الكلام في فمها. يحاول مساعدتها على إجلاء مشاعرها وتلقينها الأجوبة.. عموما هي مطربة ومغنية وليست فيلسوفة.. أفضى إليّ صديق سرا فقال، انه ملّ من أغاني فيروز من كثرة سماعها، فلم أكفره، فأنا أحب ربع أغاني فيروز، لكني أحب الديمقراطية أكثر من فيروز.. أما هيفاء وهبي فهي عالمة حقيقة ما شاء الله .. في إحدى لقاءاتها على الـ mbc سألها الإعلامي طوني خليفة: أنت متهمة بالإغراء.
فأجابت بفصاحة تحسدها عليها فيروز وميريام و.. أم كلثوم ومحمد عبد المطلب ‘وبالعربي الفصيح’ أي ‘باللغة’ اللبنانية: شو بدون ياني انزل حمام السبيحة (السباحة) بكل تيابي.
تصفيق شديد من الجمهور الكومبارس في الاستديو على الحكمة والهدف الذي أحرزته في مرمى الحق.
خياط للسيدات
كلما تعثرت بفيلم للثنائي الخالد دريد لحام ونهاد قلعي، في مشاويري بسيارة الريموت كونترول وأنا أجوب الاقنية، وقفت على الأطلال. وأنا اعشق الوقوف على الإطلال، يقول المفكر عبد الوهاب المسيري ان الوقوف على الأطلال فلسفة شعرية لا ينبغي قراءتها بالمناهج الغربية التحليلية ويلزمها منهج عربي جديد. بطولة الفيلم لشادية ودريد لحام ونهاد قلعي، كانت السينما السورية الكوميدية في الستينات والسبعينات تفضل استضافة نجم مصري يلعب قلب هجوم في الفيلم، ويترك حراسة المرمى للسوريين. وهناك عشرات الأفلام السورية التي يمثل فيها نجوم مصريون دور الأمراء، فيما يحوم حولهم النجوم السوريون كوزراء. كان دريد لحام يحلم أن يكتسح بأفلامه الصالات المصرية، لكن حلمه لم يتحقق، فقد بقيت مصر مكتفية بفنها وأدبها ونجومها أليست أم الدنيا؟ وأم الدنيا لديها بنات كثر. مؤخرا طبّل كثيرون لصعود الدراما السورية التي يخشى زميلنا محمد منصور أن تصبح خطا احمر يمنع نقده أو يكفر عليه المرء.. هل تنقصنا خطوط حمر؟
السؤال: هل انقلبت الصورة بعد الثورة الدرامية السورية؟ فقد استضافت الدراما المصرية نجوما سوريين، مثل جمال سليمان وأيمن زيدان وباسم ياخور.. والنقاد يظنون أن الأحوال انقلبت، فما من شجرة وصلت لربها.. لكنهم نسوا أن الضيوف يرطنون باللهجة المصرية في مسلسلاتهم (مع تفاوت في الإتقان والبيان).. الحال زي ماهيه ..آمال انتو فاكرين ايه؟ .. مصر دي أم الدنيا، وسورية، هي الإقليم الشمالي، وأختها ‘الصغيرة’ .
فيلم ‘خياط للسيدات’، فكرته جميلة حقا، ويحكي قصة نهاد قلعي الحمش الذي يعاني ضائقة مالية ويرفض أن يعمل في الخياطة النسائية المربحة أو أن تعمل زوجته (شادية) لمساعدته. في إحدى الحفلات تعبث طفلته بثياب المدعوات فيضطر الخياط الرجالي إلى إصلاحها، وتصبح إصلاحاته محط إعجاب المدعوات. الفيلم يلمح إلى الاقتصاد العربي الذي بدأ يتعثر، ويبشر بعمل المرأة الذي أقف ضده، وضد عمل الرجل! فأنا اعشق الكسل، ومثلي الأعلى هو ‘ابلوموف’، حتى ضغطة زر ‘الريموت كونترول’ تتعبني، لو يخترعون ‘ريموتا’ يعمل بالإيماء، برفة العين، وان كان لابد من عمل أو رياضة فلا بأس برياضة ميريام فارس المفضلة.. الشوبينغ ولكن عن .. بعد.
ما يطلبه الجمهور
وداعا لبرنامج مايطلبه الجمهور، عندما كان الناس تنتظر الأغاني، مرفقة بأسمائها وأسماء الذين يريدون إهداء الأغاني إليهم. طبعا كان المذيعون يغشون في ورق اللعب فيضعون أسماء أغنية: ‘يا عين مولاياتي’ تحت أغنية : عش أنت’.. واغنية ‘والله لكشو ها العصفور’ تحت اغنية ‘توبة’ ظانين أن المستمع أو المشاهد لا يهمه سوى سماع اسمه في برنامجهم العظيم. دار الزمان دورته، وأصبح الصيف فرنا، والشتاء ثلجا اسود، والدنيا زحمة ما عادش فيها رحمة، وكدنا نسمع الحمير تغرد فوق الشجر، وظهرت الصحون اللاقطة للصور فوق الاسمنت كالفطور السامة، الصحون التي يكثر فيها ثريد العين، والأغاني المصورة، التي يتشقلب مغنوها كالبوشار في المقلاة، تسيل ليلا ونهارا، لكن طلبات الجمهور تغيرت، فبدلا من امالة قلب الحبيبة او الصديقة بأغنية فأن الرائي يريد الحبيبة نفسها، وهي ليست حبيبة بعد، انه يريد واحدة حلوة. وتصير حبيبة بعدين. فمرسي المصري يريد واحدة خليجية حلوة وزيدان الخليجي يبغي يتعرف على شامية حلوة،
وأنا هنا انتظر غودو.
كاتب من كوكب الأرض