صفحات أخرى

الاعتقال السياسي تصفية حسابات بين “فتح” و “حماس”

null
جائزة سمير قصير لحرية الصحافة 2008
الفلسطينيون يدفعون ثمن الكراهية

مُنحت جائزة الشهيد سمير قصير لحرية الصحافة 2008 لكل من نائلة خليل عن فئة التحقيق الصحافي ومروان حرب عن فئة الأبحاث الجامعية. في ما يأتي مقال الأولى، ننشره لأهميته في إلقاء الضوء على التعذيب الذي يتعرض له الفلسطينيون.
في صراعهما الذي تفجر منذ حزيران 2007، أثبتت حركتا “فتح” و”حماس”، أن “الإخوة” عندما يتقاتلون يستبيحون كل شيء، فسفك الدماء لم يعد خطا أحمر، وبات الاعتقال السياسي والتعذيب الذي يرافقه من بديهيات الصراع بين الطرفين.
وأصبح انتهاك الحقوق والقوانين جزءا من سباق غير معلن بين طرفين ينظران الى الأمر كوسيلة للفوز بنقاط إضافية علما أن تاريخ بدء الاعتقال السياسي سبق تفجّر هذا الصراع.
تعود بداية معرفة المجتمع الفلسطيني بالاعتقال السياسي للعام 1996 حين نفذت السلطة الفلسطينية الوليدة اعتقالات سياسية واسعة في حق قادة “حماس”، لكن وبعد 11 عاما على ذلك صعدت قوة “حماس” سياسيا وعسكريا لتصبح الرقم واحد في القطاع، وسيطرت عليه عسكريا في حسم عسكري سقط فيه نحو 250 قتيلا، وبات الطرفان ينفذان الاعتقال السياسي والتعذيب في حق أنصار الطرف الآخر، لتصبح انتهاكات القانون وحقوق الإنسان بالجملة.
حتى اليوم، حصد تعذيب المعتقلين السياسين في فلسطين ستة ضحايا، خمسة في قطاع غزة وواحداً في الضفة الغربية، ومئات المعتقلين الذين تعرضوا لتعذيب ترك ندوبا أو إعاقات مستديمة على أجسادهم، أما الذين حالفهم الحظ فتعرضت حقوقهم القانونية والمدنية للانتهاك، وسلمت أرواحهم وأجسادهم.
لا تملك جهة حقوقية أو قانونية فلسطينية رقما دقيقا عن عدد المعتقلين السياسيين لدى الطرفين، بسبب رفضهما إعطاء أرقام وإحصائيات دقيقة، إضافة إلى التغير المستمر في أعداد المعتقلين بصورة يومية.
وتفيد “مؤسسة الحق” التي مقرها رام الله أن “نحو 800 إلى 1000 معتقل سياسي جرى اعتقالهم منذ حزيران 2007 وحتى آذار 2008 لدى كل جانب”.
آخر ضحايا الاعتقال السياسي حتى اليوم، هو الشيخ مجد البرغوثي الذي توفى في مقر المخابرات الفلسطينية بمدينة رام الله، في الثاني والعشرين من شباط 2008، بعد مضي تسعة أيام على اعتقاله.
تقول فوزية البرغوثي، إن زوجها مجد “توفى بسبب تعذيبه، وان العائلة وشهود عيان وكاميرات وسائل الإعلام أثبتت آثار التعذيب على الجثمان قبل دفنه”، على الرغم من أن المخابرات اعتقلت الممرض ناجح عاصي بتهمة “تسريب” صور الجثمان من داخل مستشفى خالد في رام الله.
المخابرات والسلطة الفلسطينية، سارعتا الى نفي هذه الاتهامات وأكدتا عبر الطبيب الشرعي ومن خلال تلفزيون فلسطين، أن “سبب الوفاة طبيعي ذو منشأ مرضي، ونجم عن تضخم عضلة القلب” على رغم تأكيدات زوجة البرغوثي أن زوجها “كان يتمتع بصحة جيدة فهو رياضي غير مدخن، ولم يحدث أن شكا من أي مرض في حياته”.
يبلغ البرغوثي 44 عاما ويعمل إماما لمسجد قريته كوبر الواقعة غرب رام الله وهو اب لثمانية أطفال، أصغرهم لم يكمل عامه الأول.
بعد يوم من إعلان وفاة البرغوثي، جرى تشكيل لجنة تحقيق من نواب الكتل البرلمانية في المجلس التشريعي، باستثناء نواب “فتح” و”حماس”، لتتقصى أسباب الوفاة، حيث وعدت اللجنة أنها ستعلن نتائج تحقيقها في الأسبوع الأول من شهر آذار، الأمر الذي لم يحدث حتى اليوم (14آذار).
على الرغم من مأساة عائلة البرغوثي، إلا أنها كانت أوفر حظا من خمس عائلات لمعتقلين قضوا في سجون حركة “حماس” بالقطاع، حيث لم يلق موتهم صدى إعلاميا أو اهتماما كبيرا في غزة، ولم يتم تشكيل أي لجان للوقوف على أسباب وفاتهم والضالعين فيها.
وتؤكد مؤسسات حقوقية في غزة أن كلا من عبد الله قشطة، رامي خليفة، عبد الله أبو رجيلة، محمد دهمش، ووليد أبو ضلفة، قضوا في سجون ومراكز توقيف تابعة لحركة “حماس” في غزة.
ولا تجرؤ عائلات هؤلاء الضحايا حتى على الحديث الى وسائل الاعلام خشية تعرضها لأعمال انتقامية، ناهيك بقدرتها على مقاضاة “حماس” في غزة أو ملاحقة من قاموا بتعذيب ابنائها، لأن الأخيرة (حماس) هي الحكومة الفعلية والمسيطرة على القضاء في القطاع.
وبسبب مخاوفها رفضت عائلة ابو ضلفة التعاطي مع وسائل الاعلام لكن مصادر مطلعة أوضحت ان ابنها (وليد أبو ضلفة) اعتقل على مدار خمسة أيام برفقة شقيقه خليل في سجن المشتل وتوفى بسبب تعذيبه المتواصل.
وتؤكد المصادر ذاتها التي رفضت الكشف عن هويتها أن “أبو ضلفة تعرض للشبح المتواصل والضرب بقسوة طوال مدة اعتقاله، وأنه فقد وعيه أكثر من مرة، وتوفى في اليوم الأخير ويداه مقيدتان الى الخلف ومعلق برافعة، في وضعية لا تتيح سوى لأصابع قدميه بملامسة الأرض”.
ويقول أحد المعتقلين ممن كانت زنزانته ملاصقة لزنزانة أبو ضلفة، “عندما فقد ابو ضلفة الوعي لآخر مرة، ولم يستطع المحققون ان ينعشوه استدعوا مديرهم الذي بدأ يصرخ فيهم ويقول: إنتوا شابحينه غلط، وكلبشات الحديد كتير ضاغطة على إيديه”!
وحسب مصادر عائلية وحقوقية مطلعة، فإن تقرير الطبيب الشرعي الأولي لتشريح الجثة يفيد “أن سبب الوفاة صدمة دموية عصبية نتيجة إصابات بالغة”، علما ان مستشفى الشفاء – حيث تم تشريح الجثة – رفض لاحقا إعطاء العائلة التقرير الطبي النهائي”.
وتسيطر “حماس” على المراكز الإدارية العليا في المستشفى، وقامت بإقصاء عشرات الموظفين عن أعمالهم بسبب انتمائهم السياسي، أو عدم رضاهم عن الإدارة.
وتضيف المصادر ذاتها أن “آثار التعذيب الموثقة بالصور تثبت تعرض أبو ضلفة لتعذيب قاس، حيث بدا جسده ممزقا في أكثر من موضع بفعل الشبح، وتحول جسده للون الأزرق بفعل التعذيب”.
وتوفى أبو ضلفة البالغ 44 عاما يوم 15/7/2007، وهو أب لست بنات وكان يدير مصنعا للزجاج في غزة.

الإعلام لا ينحاز الى الضحايا
بعد وفاة كل معتقل سياسي، لعب الإعلام الفلسطيني (الذي انقسم على نفسه أيضا) دورا تحريضيا أكثر منه إعلاميا، وبدأ يسارع لتبني رواية الطرف الذي ينحاز اليه.
في قضية مجد البرغوثي تبنت الصحف اليومية الرئيسية الثلاث الصادرة في رام الله (القدس، الأيام، الحياة الجديدة) رواية السلطة الفلسطينية وعرضت رواية الطبيب الشرعي من دون إشارة الى موقف العائلة، وكذلك فعل تلفزيون فلسطين، ووكالة الأنباء الرسمية “وفا”.
أما في قضية أبو ضلفة وباقي المعتقلين الذين توفوا في سجون “حماس”، فكانت صحيفة “فلسطين” اليومية التابعة لـ”حماس”، وفضائية الأقصى التي تبث من غزة، تتبنيان وجهة نظر “حماس”، بأن المعتقلين الضحايا، ماتوا جراء أمراض يعانون منها أو بعد تركهم في مقار القوة التنفيذية المستهدفة بالقصف من قوات الاحتلال الإسرائيلي مكبلين ومعصوبي العيون كما حدث مع المعتقل عبد الله قشطة، الذي أعلنت “حماس” في حينه أن عناصرها  نسوه في المقر عندما أخلوه لينجوا بحياتهم!
ارتباطا بهذه القضية كان محمود الزهار، وزير الشؤون الخارجية في حكومة “حماس” المقالة، أعلن في حينه عبر فضائية الأقصى، أن “أبو ضلفة انتحر شنقا، وأنه حاول الهرب أكثر من مرة من المشتل”.
كل وسيلة إعلام كانت تتبنى وجهة نظر سياسية لأحد الأطراف، وعندما يكون التعذيب والموت مرتبطين بطرف آخر كانت تجتهد في الكشف عن تفاصيل ما جرى لفضح الطرف الآخر وليس لغايات إعلامية مهنية، مرتبطة بتزويد المواطنين الحقيقة، وحتى الشهر الماضي (شباط 2008) لم تكن الصحف الفلسطينية تذكر شيئا عن اعتقال السلطة لنشطاء “حماس”، وعندما بدأت تفعل، فإن الأخبار المنشورة ظهرت على استحياء وبصورة مختصرة بعيدة عن الموضوعية.
الطرفان، “فتح” و”حماس”، أجادا استخدام مواقع الإنترنت، وخاضا حربا إعلامية مفتوحة عبر الشبكة العنكبوتية، فمن السهل على أيّ مهتم أن يعرف تفاصيل موت المعتقلين السياسيين في سجون “حماس”، إن قصد المواقع التابعة لـ”فتح”، ويفعل العكس بالتوجه الى مواقع “حماس” إن أراد معلومات وصورا تثبت تورط “فتح” في الضفة بتعذيب أنصار “حماس”، إلى أن جاءت تقنية “يو تيوب” وجعلت أفق الحرب السياسية عبر الإعلام أعنف وأكثر تأثيرا.
مراكز الاعتقال بالعشرات
تملك كل من السلطة وحركة “حماس”، عشرات مراكز الاعتقال والتوقيف غير القانونية في الضفة وغزة، حيث يعتقل مواطنون على خلفية انتمائهم السياسي فقط، لفترات طويلة قد تتجاوز 80 يوما بشكل مخالف للقانون من دون إحالة المعتقلين  على النيابة أو المحكمة، في مخالفة صريحة لنص قانون إجراءات أصول المحاكمات الجزائية الفلسطيني رقم 119، الذي نص على إحالة المعتقل بعد 48 ساعة على النيابة، ومن ثم المحكمة.
وحسب الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، يوجد 30 مركز اعتقال للسلطة في الضفة يتم فيها احتجاز المعتقلين السياسيين، وتخضع هذه المراكز للأجهزة الأمنية الفلسطينية الآتية: الاستخبارات، المخابرات والأمن الوقائي، بواقع عشرة مراكز لكل جهاز، وتتبع هذه الأجهزة بشكل مباشر لوزير الداخلية.
في المقابل، قامت حركة “حماس” بتحويل جميع مراكز الشرطة ومقار القوة التنفيذية – قوة مسلحة استحدثتها “حماس” بعد فوزرها في الانتخابات التشريعية عام 2006 –  وعدد كبير من المساجد، إلى مراكز اعتقال في غزة، وهي جميعها تتبع لوزارة الداخلية في حكومة إسماعيل هنية المقالة.
يعتبر الاعتقال في المراكز الأمنية مخالفة قانونية كبيرة، حيث نص القانون الفلسطيني على أن احتجاز المعتقلين السياسيين يجب أن ينفذه جهاز الشرطة وفي السجون التابعة لها فقط.
التعذيب ظاهرة
تمارس مراكز الاعتقال التي اتسعت وتعددت على طول الضفة والقطاع، التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، لكن بتفاوت، حسبما تؤكد مراكز حقوق الإنسان المختلفة.
ويؤكد مدير “مؤسسة الحق” شعوان جبارين أن “التعذيب القاسي أصبح ظاهرة عند الجهتين في الضفة وغزة”.
وتشير النائبة في المجلس التشريعي عن الجبهة الشعبية خالدة جرار، إلى أن “هناك تعذيبا يجري في المقار الأمنية التابعة للسلطة ضد المعتقلين السياسيين”، لافتة الى أنها زارت معتقلين أكدوا أنهم تعرضوا للتعذيب، بينما تعرض معتقلون آخرون لسوء المعاملة أثناء فترة الاعتقال، تمثلت في منع زيارة الأهالي والمحامين.
أما مراكز الاعتقال ومقارها، فتحولت إلى أماكن تتمتع بسمعة مخيفة على الصعيد الشعبي، فالكل يرجو أن لا يحالفه قدر سيىء ويجد نفسه محتجزا في أحدها.
مقر شرطة المشتل في منطقة النصر في غزة، الذي أخذ اسمه من مشتل كبير للورد والمزروعات في المكان، أصبح فلسطينيو غزة يطلقون عليه اليوم اسم “المسلخ”، اما العديد من العائلات التي تقطن جواره فقد هجرت بيوتها وغادرت المنطقة بسبب الصراخ الدائم للمعتقلين أثناء تعذيبهم.
هذا في غزة، أما في الضفة فيروي شاب من نابلس فضّل عدم ذكر اسمه، كان اعتقل على خلفية شجار مع أحد الشبان واحتجز في شهر كانون الأول في السجن: “كنت أسمع صراخ رجال يعذَّبون في أقسام أخرى تابعة للأجهزة الأمنية، وعندما سألت أحد الحراس حول السبب، وإن كنت سألقى المصير ذاته، طمأنني قائلا: إن من يعذبون هم من أتباع حماس فقط”.
ورفض وزير الداخلية الفلسطيني عبد الرزاق اليحيى، الإجابة أو التعليق على موضوع تعذيب معتقلي “حماس”، وما إذا كان ذلك يتم بمنهجية وقرار من وزارته، ام بدون علمها.
أما حركة “حماس”، فتنفي نفيا قاطعا ممارستها الاعتقال السياسي في حق أنصار حركة “فتح” وقيادتها في غزة، ويؤكد أحد قياديي “حماس” في غزة إسماعيل رضوان، أن “جميع من يقبعون في سجون حماس محتجزون على خلفية جنائية أو أمنية فقط”.
ويرفض رضوان ما تؤكده الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن ومؤسسات حقوقية اخرى حول وفاة خمسة مواطنين في سجون “حماس” جراء التعذيب أو تركهم مكبّلين في مقار “التنفيذية” التي تتعرض لقصف دائم من قوات الاحتلال الإسرائيلي ليواجهوا الموت، قائلا: “هذا كلام عار من الصحة، الذين ماتوا في سجون “حماس” إما بسبب مرض أو نتيجة تعرضهم لقصف إسرائيلي”.
ويجمع من مرّوا بتجربة الاعتقال والتعذيب عند السلطة و”حماس”، أن هناك دوما تهما جاهزة توجه الى المعتقل.
ويقول س. م. أحد قياديي “فتح”، الذي تعرض للاعتقال في سجن المشتل لمدة شهرين، “عندما يصل المعتقل إلى المشتل يجد تهمته جاهزة، والتهم تبدأ من السرقة إلى حيازة المخدرات، الدعارة، ممارسة اللواط، انتهاء بالعمالة لصالح إسرائيل، أما التهم الحقيقية فهي الانتماء الى حركة “فتح”، وقيادة أو العمل في الأجهزة الأمنية قبل انقلاب حماس”.
ويضيف س. م. الذي كان يعمل ضابطا في أحد الأجهزة الأمنية في القطاع قبل سيطرة “حماس”: “اعتقلت أكثر من 15 عاما عند الاحتلال الإسرائيلي، لم أتعرض لحجم التعذيب والإهانات التي ذقتها في المشتل”.
ويقول شقيقه: “عندما خرج من المشتل كان قد فقد أكثر من 20 كيلوغراما من وزنه، والبقع الزرقاء تغطي جسده، حتى أطفاله لم يعرفوه، وظل ظهره محنيا أكثر من أسبوع بفعل التعذيب، وأصيب بأكثر من فتق في بطنه جراء الضرب”.
س. م. رفض نشر اسمه ومكان سكنه واسم الجهاز الأمني الذي كان يعمل فيه تحسبا من انتقام “حماس”.
“كانوا يشبّحونني لساعات طويلة يوميا، حيث يتم توثيق يديّ من الخلف ورفعهما عبر الحبال والجنازير، ثم يهجم عليَّ في كل مرة عدد من الرجال وينهالون عليَّ بالضرب المبرح حتى أفقد الوعي”، يقول س. م.
بعد شهرين جرى إطلاق سراحه، بعدما اتصلت عائلته بشخصيات في الأردن والسعودية وأسوج على علاقة بقيادة “حماس” في غزة، حتى أن الوساطات طاولت إسماعيل هنية نفسه.
ويقول: “كنت أسمع أصوات من يعذبونني وصراخهم لكني لم أرَ وجوههم، فعيناي كانتا معصوبتين طوال الوقت، وعندما أنجح باستراق النظر بعد أن تتحرك العصبة قليلا بفعل الضرب المتواصل، أراهم يرتدون أقنعة سوداء”.
ويروي عزام الفحل (35 عاما) الذي اعتقل مع الشيخ مجد البرغوثي وأربعة آخرين من أعضاء حركة “حماس” من قرية كوبر، “كيف أمضى ساعات طويلة مشبوحا للنافذة في مقر المخابرات”، وكان يتعرض للضرب القاسي على رأسه وجسده “لساعات طويلة”.
وأمضى الفحل، الذي يدير كشكا لبيع الفلافل، ويدرس في جامعة القدس المفتوحة، 13 يوما معتقلا لدى مخابرات السلطة الفلسطينية.
ويقول: “نمت أول ليلة في الزنزانة بملابسي الداخلية على قطعة كرتون وكان البرد قارسا، وبعدما ضربوني فلقة طلبوا مني الرقص على أغنية، فصرت أقفز بفعل الضرب”.
ويتابع: “تعرضت لضرب متواصل على رأسي بخرطوم مياه مطاطي حتى فقدت الوعي، وبعدما استيقظت طلبوا مني توقيع أوراق قالوا في ما بعد إنها اعترافاتي”.
ويؤكد أن “الذهاب إلى الحمّام كان يتم مرتين في اليوم ولمدة دقيقة واحدة، وكان العسكري يرافقني إلى الحمّام، ويصرّ على مراقبتي وأنا أقضي حاجتي أو أستحم”.
“لقد أطلقوا سراحي ومن معي من أصدقاء البرغوثي لامتصاص غضب الناس، وأتوقع أن يعاودوا اعتقالي في أي لحظة”، يقول الفحل.
التهم التي توجهها السلطة يوميا لمعتقلي “حماس” في سجونها تتمثل في حيازة سلاح والتخطيط للانقلاب على السلطة الوطنية كما جرى في غزة، بينما التهمة الأصلية هي الانتماء الى “حماس”.
أظهر الطرفان تفننا في ابتكار أشكال التعذيب، حيث كل شيء مباح ابتداء من الفلقة والضرب المبرح إلى الشبح لساعات طويلة، والضغط النفسي عبر التهديد بالقتل، وهناك حالات جرى تعذيبها عبر دق المسامير في الأقدام كما فعلت “حماس” في غزة مع المعتقل طارق منصور، أو غرز المفكات في الجسد كما فعلت السلطة مع المعتقل مجدي عبد الهادي جبور من نابلس.
وتقول قريبة ناشط من “فتح” في القطاع رفضت الكشف عن اسمها واسم قريبها، إن قريبها “صرخ بوجه التنفيذية وهي تعذبه، أن انتماءه الى “فتح” لن يتغير مهما حدث لأنها في دمه، فما كان منهم إلا أن جرحوه جرحا بالغا وتركوه ينزف حتى هبطت نسبة دمه وأصبحت أربعة فقط”!
ويؤكد مراقبون ومؤسسات حقوقية ان جزءا غير يسير مما يجري من تعذيب وإنتهاكات دافعه الأول الإنتقام.
ويرى الباحث في مركز الميزان لحقوق الإنسان ومقره غزة سمير زقوت، أن “الإعتقال والتعذيب ليس منتوجا حمساويا، وأن جزءا غير يسير مما يجري يندرج في نطاق الإنتقام والثأر وتصفية الحسابات السابقة”.
ويدلل على ذلك قائلا: “إن أكثر عمليات القتل الميداني التي سجلت في غزة، والإعتقال السياسي والتعذيب وقعت في منطقة خان يونس حيث معقل عائلات القياديين في فتح”.
وينفي رضوان لجوء “حماس” الى الإنتقام من قيادات “فتح”، على رغم أنه وصف ما كان تعرض له قادة “حماس” وهو أحدهم في سجون السلطة عام 1996 يتجاوز التعذيب ويرقى الى درجة “المجزرة”.
محققون يعيدون إنتاج التعذيب
من اللافت ان غالبية المحققين من الطرفين كانوا معتقلين سابقين لدى الاحتلال الإسرائيلي، وبطريقة أو بأخرى يبدو أنهم يعيدون إنتاج ما تعرضوا له ذات يوم.
ورفض عدد من المحققين، سواء من “فتح” أو “حماس”، الإجابة عن أي سؤال أو الإقرار أنه يقوم بتعذيب المعتقلين.
ويؤكد مدير مركز علاج ضحايا التعذيب وتأهيلهم الطبيب النفسي محمود سحويل، أن ” معظم من يمارسون التعذيب لدى الطرفين، قد تعرضوا لذلك على يد الاحتلال، وبعض من يتعرض للتعذيب يعيد إنتاجه بطريقة أعنف مرة ثانية”.
ويرفض معظم الذين تعرضوا للتعذيب والاهانة عند الطرفين الاعتراف بذلك على رغم ان اثار ذلك تكون واضحة على اجسادهم وأوضاعهم النفسية.
ويرى سحويل “ان إحدى النتائج المهمة التي تترتب على التعذيب هي الشعور بالخجل والعار إزاء ما تتعرض له الضحية، لذا تلوذ بكتمان ما جرى”.
ويؤكد: “ازدياد حالات ضحايا التعذيب التي ترد الى المركز في الفترة الأخيرة بصورة مقلقة”، موضحا “أن 40 في المئة ممن عذِّبوا يعانون من آثار الصدمة النفسية”.
ومن واقع تجربته في علاج ضحايا التعذيب، الإسرائيلي والفلسطيني، يؤكد أن “آثار التعذيب النفسية التي تمارس من قبل الفلسطينيين على بعضهم تترك أثرا أكبر، ما سيؤدي لاحقا إلى ردود أفعال رهيبة يقودها الانتقام”.
ويوضح أن “ضحايا التعذيب الإسرائيلي يبررون ذلك كجزء من ممارسات الإحتلال وأنه مدعاة فخر لهم، لكن الأمر ليس كذلك عندما يعذبون على أيدي أشقائهم”.
في غمرة هذا كله، لا يزال نواب المجلس التشريعي الفلسطيني في حالة “موت سريري” منذ أكثر من عام، وتؤكد المؤسسات الحقوقية عدم وجود جهة قادرة على متابعة التزام الجهات التنفيذية وقف الاعتقالات السياسية، أما ضحايا الاعتقال والتعذيب فيؤكدون أن الانتقام مسألة وقت وإن تأخرت تصفية الحساب! ¶

نائلة خليل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى