مشكلات العالم باتت أضخم من أن يتولاها حكّامه

نشرت مجلة “نيوزويك” (17 حزيران 2008) تحليلاً لنتائج استطلاع عالمي، حصلت المجلة عليه حصرياً، حول ثقة الناس بالقيادات السياسية. حيث جاءت النتائج مفاجئة إلى حد بعيد. ومنه نقتطف:
بينما يتقدم الرئيس جورج دبليو بوش بصعوبة في سنته الأخيرة في الحكم، لن يفاجئكم أن تقرأوا انه غير شعبي الى درجة كبيرة. يؤكد استطلاع آراء جديد أجرته World Public Opinion.org في 20 بلداً وحصلت عليه نيوزويك حصرياً، رأي العالم المتدني بالرئيس، لكنه يضيف عنصراً جديداً، لا يحظى أي قائد عالمي آخر بمعدل ثقة أكبر بكثير، بهذا المعنى، جميعهم الآن جورج بوش.
والمفاجئ بالدرجة نفسها هم القادة الذين يبلون جيداً في الاستطلاع، ولو بفارق ضئيل: فلاديمير بوتين وغوردون براون وهوو جينتاو. ديموقراطي وديكتاتوران. بعبارة أخرى، رئيسا الدولتين اللتين غالباً ما توصفان بأنهما الدولتان السلوطيتان الأكبر والأسوأ ـ الصين وروسيا هما بين المسؤولين الأكثر موثوقية في العالم. يجب أن يشكل هذا اشارة انذار قوية لقادة الغرب. ولا سيما الرئيس بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس اللذين جعلا من تصدير الديموقراطية جزءاً محورياً في السياسة الخارجية الأميركية.
ربما نبالغ اذا ما وصفنا العام الحالي بعام الأوتوقراطيين، لكن بحسب الاستطلاع، يبدو أن الجزء الأكبر من العالم اليوم يثق بالقادة غير الديموقراطيين أكثر من ثقته بالقادة الديموقراطيين. ربما لم تنته حرب الأفكار، وتشير قراءة متأنية للاستطلاع إلى أنه لا يزال هناك، مجال لقلب الأمور رأساً على عقب. لكن في هذه المرحلة، من الواضح أن الغرب لا يفوز في المعركة على النفوذ، والحرية لا تسود، خلافاً لما يقوله الرئيس بوش.
سأل استطلاع World Public Opinion.org الذي اداره برنامج انماط السلوك الدولية حول السياسات التابعة لجامعة مريلاند، 19751 شخصاً في 20 بلداً عن درجة الثقة التي يقدمونها لكل من سبعة قادة اساسيين “للقيام بالصواب في ما يتعلق بالشؤون العالمية”. في المعدل، اعرب 23 بالمائة فقط من المجيبين الأجانب عن “الكثير من” أو “بعض” الثقة ببوش، وهو بذلك يحتل المرتبة قبل الأخيرة مباشرة قبل الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد (22 بالمائة). وحصل بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة علي 35 بالمائة (لكن بما انه ليس قائداً وطنياً، فهو ينتمي الى فئة مختلفة). ثم يأتي بوتين بـ 32 بالمائة، وبراون بـ 30 بالمائة، وهوو جينتاو بـ 28بالمائة والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بـ 26 بالمائة، ولا تختلف النتائج كثيراً اذا تم احصاؤها في كل بلد على حدة: في بلدين فقط (نيجيريا والهند)، اعربت غالبية الأشخاص، عن بعض الثقة على الأقل ببوش. يتقدم كل من بوتين وجينتاو في خمس دول فقط وبراون في ست دول فقط.
ما الذي يفسر هذا التصويت العالمي بحجب الثقة؟ الجواب المختصر هو فورة خطيرة في التشاؤم العالمي: يبدو معظم الأشخاص الذين شمهلم الاستطلاع مستائين جداً من الوضع في العالم. يعتبر ايفو دالدر، وهو موظف سابق في مجلس الأمن القومي يعمل الآن في مؤسسة بروكينغز، انه بقدر ما تقيس الارقام الثقة بمسؤولين أفراد، فانها ايضاً انعكاس اكثر عممومية “لشعور الناس بشأن ظروفهم”. يقول ريتشارد هولبروك، السفير الأميركي لدى الامم المتحدة في عهد الرئيس بيل كلينتون، ان الاستطلاع يظهر “عدم رضا الناس عن الطريقة التي تعالج فيها القيادات العالمية مجموعة المشاكل الحالية”.
وفي الاجمال صدرت الاجابات الأكثر تململاً عن العرب ـ الفلسطينيين والاردنيين والمصريين ـ الذين يعيشون جميعهم في اقتصادات محتضرة في ظل حكومات فاسدة وغير فعالة تحمل الخارج مسؤولية وضعها.
وبين الأقل سلبية نجد مواطني القوتين اللتين تصعدان بالسرعة الأكبر في العالم: الصين والهند، حتى بوش حصل على نسبة 41 بالمائة من الثقة في المملكة الوسطى في حين حصل بوتين على نسبة عالية جداً بلغت 75 بالمائة وهوو جينتاو على 93 بالمائة.
لكن من اللافت رؤية معدلات الثقة بالشخصيات العالمية الأساسية تضيق وتتراجع. يسلّط هذا الأمر الضوء على صحة الفكرة المبتذلة التي تقول إن كل المشاكل هي الآن عالمية، وعلى أنه في معظم الأحيان ليس بوقع الحكومات فعل شيء حيالها. فالنزاعات المتأججة في العراق وأفغانستان والسودان والكونغو، والنقص الحاد في المواد الغذائية والنفط، وارتفاع درجة حرارة الأرض هي مادة للعناوين الرئيسة المخيفة في كل مكان، مما يسبب ما يمكن اعتباره أزمة ثقة عالمية. فقد كتبت آن ماري سلوتر، عميدة كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية في جامعة برنستون، في رسالة بالبريد الإلكتروني: “يشعر الناس حول العالم أنهم في قبضة قوى أكبر من قدرة أي قائد على السيطرة عليها”. من يستطيع أن يلومهم؟
غير أن التشاؤم المنتشر على نطاق واسع لا يفسر الأرقام المرتفعة نسبياً التي حصل عليها الأوتوقراطيون. ليس مفاجئاً أنهم سجلوا نسباً عالية جداً في أوطانهم. فكما يقول دالدر: “يبلي السلطويون جيداً في بلدانهم لأنهم مضطرون الى ذلك”. تحكم الحكومة سيطرتها على وسائل الإعلام في كل من روسيا والصين، ويستطيع بوتين وجينتاو استعمال الآلية الكاملة للدولة من أجل تلميع صورتهما بعناية. إضافة الى ذلك، ربما لا يستطع المجيبون في هاتين الدولتين التحدث علناً ـ وبطريقة قاسية ـ عن قادتهم الأقوياء. لكن هناك ما يدعو للاعتقاد أنه حتى لو كانوا قادرين على ذلك، فإنهم كانوا سيمنحون نسباً عالية لقادتهم. فالاقتصاد في كل من البلدين يشهد طفرة، والقومية تنمو، ويشعر المواطنون بالامتنان لقادتهم الوطنيين لأنهم أعادوا إليهم اعتزازهم ومكانتهم في العالم.
ما يصعب فهمه أكثر هو لماذا حقق جينتاو وبوتين أرقاماً جيدة نسبياً ـ أفضل من أي ديموقراطي ما عدا براون ـ في بلدان أخرى. يقول كول، مدير World Public Opinion.org، إنه يجب عدم اعتبار نتائج الاستطلاع بمنزلة تأييد عالمي للسلطويين؛ على الرغم من أن بوتين وجينتاو سجلا نسباً أعلى بقليل من بوش وساركوزي، فإن هامش الفارق ضئيل (أقل من عشر نقاط مئوية). ومن المهم أيضاً أن نتذكر أن حجم البلد لم يؤخذ في الاعتبار في الاستطلاع.
المستقبل