جدل ساخن في فرنسا حول العذرية والزواج
باتريك سيل
في 8 تموز (يوليو) 2006 عقد رجل وامرأة مسلمان قرانهما في فرنسا. هو مهندس في مطلع الثلاثينات وهي طالبة تتخصص في مجال التمريض وتصغره بعشر سنوات. وسبق لها أن أكّدت له أنها لا تزال عذراء، وهو الشرط الذي أصرّ عليه ليقبل الزواج منها.
وعندما اكتشف في ليلة زفافهما أنها لم تكن عذراء كما ادّعت، خرج مسرعاً من غرفة النوم فيما حفلة زفافهما لا تزال قائمة، وأعاد زوجته إلى منزل أهلها. ثم توجّه إلى المحكمة حيث طلب إبطال الزواج.
وقام بهذه الخطوة مستندا إلى المادة 180 من القانون المدني الفرنسي، المعروف بقانون نابوليون، الذي يمكن بموجبه إبطال الزواج عندما يُثْبَتُ حدوث خطأ في «الصفات الأساسية» لأحد الطرفين. إلا أن القانون لا يحدّد ماهية هذه «الصفات الاساسية». وأكّد الزوج أن العذرية هي من هذه الصفات.
وما ان اعترفت الزوجة بأنها كذبت، تم فسخ الزواج في 1 نيسان (أبريل) 2008، بقرار من محكمة ليل، شمالي فرنسا. إلا أن المحكمة أصدرت القرار ليس على أسس نزاع بشأن غياب العذرية، إنما على أسس الإخلال بالعقد، إذ أن الزوجة أخلت بتعهدها. وحكمت المحكمة بأن الحياة الزوجية التي بدأت بكذبة هي «منافية للثقة المتبادلة بين الطرفين المتزوجين». ووافقت الزوجة على إبطال الزواج.
وسبق أن تم الاحتكام إلى المادة 180 من القانون المدني لفسخ زواج في عدد محدود من القضايا – في حالة بغاء الزوجة أو عجز الزوج جنسياً أو إصابته بمرض نقص المناعة المكتسبة. وبالتالي، كان الأمر سابقة جديدة ومثيرة للجدل بشكلٍ كبير.
وأيّدت وزيرة العدل الفرنسية، رشيدة داتي، وهي نفسها من أصل مغاربي، والتي فسخ زواجها منذ عشرين سنة، الحكم في بادئ الأمر، معتبرةً أنه قد يعطي الفتيات اللّواتي يجبرن على الزواج ضدّ إرادتهن وسيلة للانفصال سريعاً. واعتبرت أنها طريقة لمنح الفتيات الحماية. إلا أنها وبعد التعرّض لهجوم شديد لما كان قد اعتبر تحدّياً لتقاليد فرنسا العلمانية، تراجعت عندئذٍ وأمرت المدعي العام المحلي باستئناف الحكم. وبالتالي، لا يزال الزوجان رسميا بحكم المتزوجين إلى حين صدور نتيجة الاستئناف.
واحتجت المدافعات عن حقوق المرأة واعتبرن أن قرار المحكمة من شأنه تشجيع التجارة الطبية المنتشرة بـ «إعادة ترقيع غشاء البكارة». ومن شأنه تعزيز سلطة الرجل، في حين أنه يحرم النساء حقّ التحكّم بأجسادهن، وهو حقّ حصلن عليه خلال النضال الصّعب لتحرّر المرأة. واتهم العلمانيون والجمهوريون المتشددون الوزيرة رشيدة داتي بالاستسلام للمسلمين الأصوليين.
حاليا، تُجْبَرُ النساء من أصول مغاربية، وغالبا من جيل المهاجرين الثاني أو الثالث إلى فرنسا، واللّواتي لا شكّ أنهن تمتّعن بالحرية الجنسية التي أعلنتها ثورة أيار (مايو) من سنة 1968 في فرنسا، على العودة إلى تقاليد الأهل والجدود الرجعية، أو هكذا كانت المزاعم.
وتأتي هذه القضية في مرحلة دقيقة تنخرط فيها فرنسا، وعلى غرار العديد من الدول الأخرى، في جدل مطوّل حول الطريقة المثلى لدمج المهاجرين واستيعابهم. وسبق لضواحي المدن الفرنسية أن شهدت تكراراً لأعمال شغب ارتكبها في الغالب شبان من المهاجرين يعانون من المرارة والعزلة بسبب التمييز الذي يواجهونه، بحسب ادعائهم، في العمل والمسكن والتعليم والتقدم العام.
وتُطْرَحُ مشكلة أخرى متعلقة بهذه المسألة، والتي تعطى حاليا أولوية كبيرة في فرنسا وفي معظم دول الاتحاد الأوروبي، مفادها كيفية الحدّ من الهجرة غير الشرعية ولا سيما من شمال أفريقيا والدول الافريقية الاخرى. ويبلغ عدد سكّان فرنسا من أصول عربية – أمازيغية 6 ملايين ونصف مليون من أصل 62 مليون فرنسي، أي ما يقارب 10 في المئة من عدد سكان فرنسا.
وفي هذا الصدد، شجبت سيغولين رويال، مرشحة الحزب الاشتراكي في وجه نيكولا ساركوزي خلال الانتخابات الرئاسية السنة الماضية، قرار المحكمة بفسخ زواج الزوجين الشابين ووصفته بأنه قرار «رجعي». وهي لم تكن المحتجة الوحيدة بين سياسيي يسار الوسط.
فالكاتبة والفيلسوفة النسائية إليزابيت بادينتير، زوجة رجل القانون الشهير روبيرت بادينتير الذي كان وراء إلغاء عقوبة الإعدام في فرنسا، أعلنت أن «الحكم هو خيانة للنساء المسلمات في فرنسا»، لأنه يشجعهن على الاعتقاد بأن العذرية مهمة في نظر القانون.
وكتبت المحامية الرائدة ومناصرة الحركات النسائية جيزيل حليمي، المولودة في تونس من أم يهودية وأب مسلم، أن حكم المحكمة هو تشويه للزواج المدني، وذلك إذا ما اعتبرنا أن دين الزوج على خطأ، بحسب ما أفادت. فالحكم كان اعتداءً على القوانين العلمانية الجمهورية في فرنسا، والتي تضمن المساواة بين الجنسين واحترام حياة الفرد الخاصة.
وتأسّفت قائلةً: «لقد تم إرجاعنا قرونا إلى الوراء. وكان الأمر أبسط بالنسبة للزوجين لو تم الطلاق بالتراضي» وهو ما يسمح به قانون فرنسي يعود الى سنة 1975.
وحازت جيزيل حليمي على شهرة من خلال تأسيس مجموعة نسائية، أطلقت عليها اسم «الاختيار» أو «Choisir» سنة 1971، والتي تمكنت من خلال الحملات الشديدة أن تؤثّر بشكل كبير على تمرير قانون سنة 1974 يسمح بموجبه اعتماد وسائل منع الحمل والإجهاض.
بالنسبة الى المسلمين، كانت قضية هذين الزوجين بمثابة سيف ذي حدّين. وإن لم يُعْتَبَر الأمر انتصارا قانونيا لعادات المهاجرين وتقاليدهم، إلا أنه منح كارهي المسلمين ذخيرة وأجّج شعور «الخوف من الإسلام» المسيطر بشكل كبير في بعض جوانب المجتمع الفرنسي.
إلا أن السخرية تكمن في أن الإسلام لا يشدّد على العذرية قبل الزواج. فخديجة، زوجة النبي محمد الأولى – والتي كانت زوجته الوحيدة خلال حياتها – كانت أرملة ثرية تبلغ من العمر أربعين سنة عندما تزوّجها عن عمر خمس وعشرين سنة. ويوجد في دمشق ضريحا ابنتيهما، زينب ورقيّة، وهما يستقطبان اعداداً كبيرة من الزوار. وقد دفنت خديجة في مكّة المكرّمة.
ولقضية الزوجين ذيول سياسية. فقد تعرّضت رشيدة داتي، الشخصية الأولى من أصول مغاربية التي تتولى منصبا رفيع المستوى في الحكومة الفرنسية، لهجوم بسبب طريقة تعاملها مع هذه القضية. وتعتبر داتي من الذين يتمتعون بحماية الرئيس ساركوزي، كما أنها كانت صديقة مقربة من مطلقته سيسيليا. واعتبر ساركوزي أن رشيدة داتي رمز لتعلّقه بالمثال الفرنسي كمجتمع متعدد الثقافات والاعراق والأديان.
لكن لا شكّ في أن هذه القضية أضعفتها، ملقية بظلالها على الرئيس الذي يجاهد لاستعادة رضا الفرنسيين بعد أن أشارت الاستطلاعات إلى تراجع حاد في شعبيته. وتفيد الأقاويل في باريس أن رشيدة قد لا تبقى في حال أي تعديل حكومي من المرجح أن يتم بعد عطلة فصل الصّيف.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط
الحياة – 20/06/08