صفحات أخرى

كيف منح الجمهور جائزته لـ’أبو جانتي’… ومن أوقظ الحنين إلى زمن هند أبي اللمع والمجذوب؟!

محمد منصور
قدم برنامج (زووم) على قناة (الدنيا) شبه الخاصة، تغطية مكثفة لجوائز (أدونيا) السورية في دورتها السادسة، التي لا نعرف حتى اليوم أي أثر ملموس لها على صعيد تشجيع الفن السوري، سوى حديث الفنانين الدائم عن (أهميتها) من دون تحديد معايير هذه الأهمية، إذ لا أعتقد أن صناع الأعمال الجيدة أو الرديئة يفكرون وهم في غمرة إنجاز أعمالهم بأنه سيكون لهم نصيب من جوائز (أدونيا) أم لا… ولا أعتقد أن أي عمل سوري يسوق للعرض مجددا في أي محطة من المحطات العربية… سيُذكر في سياق تقديمه للمشاهدين بأنه حائز جائزة (أدونيا) كي يشعر الناس بأنه عمل (موثوق) يستحق المشاهدة!
فالجائزة ما تزال شأنا محليا سوريا، يُسر منه من يُسر، ويمتعض منه من يمتعض في ليلة توزيع الجوائز، ثم ينقضي كل شيء بلا أي أثر يذكر سوى بعض المتابعات الإعلامية الموسمية… وشخصياً لا أعتقد أن هذه الجائزة ستغير شيئاً في المشهد الدرامي السوري، خارج مجاملات الفنانين ونفاقهم غير المستغرب في أي أمر يسألون عنه أمام الكاميرات… وبالطبع لن أستغرب أن تكون هناك جائزة في العالم لا تجتمع فيها لجنة التحكيم على الإطلاق كما يحدث في (أدونيا) حصراً، وكما صرح المخرج خلدون المالح أحد أعضاء لجنة التحكيم السبع والعشرين على شاشة قناة الدنيا هذا العام… لأنني سبق أن استغربت ذلك العام الماضي، واعتبرته نوعاً من ترك المجال لسهولة تزوير آراء المحكمين إذا اقتضى الأمر، ما دام كل واحد في بيته لا يعرف من صوت لمن… وهل كان رأيه مطابقاً لآراء الأغلبية أم العكس، لكن ما أستغربه حقاً هو أن يحدثنا منظمو (أدونيا) عن جائزة العمل الأكثر جماهيرية، التي حصدها هذا العام المسلسل السوقي الفظ والمشين (أبو جانتي ملك التاكسي)!
سألت كثيراً عن آلية إشراك الجمهور في التصويت للأعمال، فقيل إن هناك رقم موبايل يمكن التصويت عليه. حسناً كيف سيعرف السوريون ذلك إذا لم تصلهم رسائل تدعوهم للتصويت؟ وعلى حد علمي لم تصل أي رسالة من هذا النوع لأحد ممن سألتهم… إلا إذا كان التصويت حكرا على أهالي وأقارب وأصدقاء منظمي أدونيا والفنانين الذين شاركت أعمالهم فيها، وأرجو ألا يكون رقم الموبايل المذكور قد نشر في جريدة ‘بلدنا’ التي تصدرها المجموعة التي تنظم الجائزة… لأن جمهور السيد أبو جانتي من سائقي التاكسي وشوفيرية المكاري وزعران التلطيش ومتعهدي السائحين الخليجيين الذين حولوا أغنية (سوري يا نيالي) إلى أغنية للتغني باقتناص الريال في المسلسل… لا يقرأون صحفاً، وهم إن وقع في أيديهم عدد من جريدة نسيها راكب لديهم، غير مستعدين لصرف ليرة واحدة في رسالة التصويت لمسلسل لم يدعوا لحفل توزيع جوائزه، وهو لا يتنافس مع عمل عربي آخر كي نقول إن الروح الوطنية دبت فيهم فصوتوا لعمل سوري!
وهكذا لا توجد أي آلية واضحة ومقنعة ونزيهة لمعرفة كيف أبدى الجمهور رأيه في هذا العمل أو ذاك… فلماذا الكذب باسم الجمهور… ولماذا إشراك الجمهور في جائزة هي شأن خاص لمنظميها وفنانيها ولحساباتهم وغاياتهم، بل سيرمى بأي واحد من هذا (الجمهور الحبيب) في عرض الشارع، لو فكر في الاقتراب من قاعة الحفل.. أو حلم بدخولها!
إن مشكلة (أدونيا) باختصار أنها ليست جائزة بقدر ما هي استعراض سنوي يحاول أن يحاكي حفلات الجوائز العالمية في أمور شكلية فقط، كالحديث عن تشكيل لجنة تحكيم، ونشر ترشيحات، وفرض ارتداء البزة الرسمية على الضيوف… وظهور الكثيرين منهم وهم يزينون أعناقهم بالبابيونات ويطلقون تصريحاتهم المتكلفة قبل دخول القاعة… والمشكلة الأكبر أن طيبة الذكر (أدونيا) لا تقدم للمتابع أو الجمهور أي بيان عن القواعد التي تحكم تناقضاتها الفاضحة، سوى أن خير قاعدة أن تدوس كل الأعراف والقواعد!

الحنين إلى الصورة المستعارة!
استفاق الحنين إلى أيام المسلسلات الرومانسية اللبنانية في برنامج (سيرة وانفتحت) مع زافين قومجيان على قناة (المستقبل) فخصص حلقة هذا الأسبوع لاستعادة ذكرى الثنائي عبد المجيد مجذوب وهند أبي اللمع في الذكرى العشرين لرحيل هذه الأخيرة التي تصادف هذه الأيام.
في الأستوديو كان عبد المجيد مجذوب الذي فعل الزمن فعله في تقاطيع وجهه، حاضراً للحديث والاستذكار وتلقي الاتصالات… وكان محور الحلقة كلها بالنسبة لزافين: (شو السر؟!) ما هو سر سحر هذا الثنائي… وما هو سر بقائه في الذاكرة؟ وما هو سر عبوره من جيل إلى جيل… على اعتبار أن بعض الإعادات لهذه المسلسلات التي أنتجت في سبعينات القرن العشرين، جعل لها جمهوراً حتى بين الجيل الشاب اليوم!
بعض المتصلات من داخل لبنان طبعاً، تحدثن عن أن تلك المسلسلات كانت تمثل الرومانسية في الحب، بخلاف المسلسلات اللبنانية اليوم، التي تقوم على عرض الأجساد والممثلات اللواتي يكشفن من أجسادهن أكثر ما يخفين، وتحدثت متصلة أخرى مع عبد المجيد مجذوب قائلة (انتو علمتونا الأدب بالحب).
إذاً جانب من جوانب (السر) يكمن ـ كما يبدو- في أن الكثير من اللبنانيين سئموا من الإباحية المتمادية في الإعلام والدراما اللبنانيين، وباتوا يحنون إلى أيام الرومانسية المؤدبة التي كان يمثلها هذا الثنائي، في أعمال كان بعضها يتحدث العربية الفصحى… ويعتمد الحركة المرسومة، والانفعال التعبيري بإيقاع خاص… لكنني ومع احترامي لذكرى الممثلة هند أبي اللمع، ومع تقديري للنشوة التي كان يتحدث بها عبد المجيد مجذوب عن أمجاد زمنه الذي عاشه… إلا أنني لا أستطيع أن أرى في الحنين إلى تلك الأعمال، سوى حنين إلى صور مستعارة… فهذه الدراما التي لا تعكس واقعاً اجتماعياً، ولا تعبر عن بيئة بلد المنشأ، ولم تلمس الأزمات الحقيقية التي كان يعيشها المواطن اللبناني في السبعينيات والبلد على أبواب حرب لبنانية طاحنة… هي دراما لا تملك اليوم أي قيمة على صعيد معاينة الواقع الاجتماعي الذي كان… وقيمتها النوستالوجية تكمن فقط في محاكاة تلك الرومانسية التي تنسج مواقفها في قصص مسرفة تقوم على تركيبة عجيبة من الأحداث المفبركة، التي نرى فيها العجائز يرتدين الشالات الصوف صيفاً وشتاء، ولا يغيب عنها كرسي العجلات أو الشخص المريض الذي يطلب الطبيب بين الحين والآخر لأنه يخفي وراءه سراً، فيما انفعالات الحب محكومة بثنائية التمرد والاستلام وبنشوة الابتسامة السرية الظافرة!
طبعاً ليست المشكلة في رومانسية القصص، بل في تلك المعالجات المنشاة التي لا تعبر عن أي واقع اجتماعي محدد الملامح… لقد كان فيلم (ذهب مع الريح) رومانسياً، لكن في ظلال تلك الرومانسية اللاهبة، عكس واقعاً معاشاً وقدم رؤية عن أجواء الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب… وإذا اقتربنا جغرافياً أكثر، وجدنا أن الدراما السورية كانت غارقة في السبعينيات في تشريح الواقع الاجتماعي بجرأة، والتعبير عنه بواقعية ملهمة… وبينما تطورت الدراما السورية مع تطور آليات التعبير والإنتاج لاحقاً بسبب صدق خطابها الاجتماعي الذي أسست بداياتها عليه، وصلت الدراما التلفزيونية اللبنانية إلى حائط مسدود… هو بالتأكيد ثمرة تلك القوالب النمطية التي كرستها مسلسلات نجحت جماهيرياً بفضل تناغم إطلالة عبد المجيد مجذوب وهند أبي اللمع، لكنها فشلت في أن تفتح أفقاً جديداً لرؤية الحياة!
واليوم ما زالت الدراما اللبنانية تعاني من حالة التكلف السمجة في معاينة الواقع الاجتماعي، ومن التخلف المريع في مدرسة التمثيل التلفزيوني اللبنانية التي لم ينج منها سوى قلة من الممثلين يعدون على أصابع اليد الواحدة… وهو ما يجعل الكثير من المسلسلات اللبنانية التي أنتجت في السنوات الأخيرة غير صالحة سوى للاستهلاك المحلي لا أكثر… كل هذا يجعل الحنين إلى زمن مسلسلات (حول غرفتي) و(ألو حياتي) و(عازف الليل) حنيناً إلى زمن كانت الدراما اللبنانية مقبولة عربياً رغم تكلفها الفني… وحنينا إلى زمن كان رغم رومانسيته المفرطة، أرقى بكثير من الإباحية الفجة لزمن جديد يكاد يختصر الكثير من الحضور الفني اللبناني الصاخب في إعلام يسهم بعض اللبنانيين بطبعه بطباعهم الفريدة!
ناقد فني من سورية
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى