صفحات سورية

إيران – تركيا – العراق – سوريا: محور مُتسرِّع !

null
سركيس نعوم
اظهر التردي الواسع الاخير في العلاقة بين سوريا بشار الاسد وعراق ما بعد صدام حسين، بعد مدة قصيرة من اتفاقهما على إقامة مجلس للتعاون الاستراتيجي في اثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الأخيرة لدمشق، ان فكرة التعاون المنتظم وربما المؤطّر بين سوريا والعراق وتركيا والجمهورية الاسلامية الايرانية والتي رماها السوريون في سوق التداول السياسي والإعلامي، لا تزال غير ناضجة وتالياً غير قابلة للتنفيذ. فالعلاقة اساساً بين بغداد ودمشق لم تكن يوماً جيدة او بالأحرى مهيأة لتتطور وتتحول تحالفاً وتعاوناً مشتركاً على الأقل منذ نيف وثلاثة عقود، وتحديداً منذ استيلاء حزب البعث على السلطة في البلدين الشقيقين العراق وسوريا. وقد بلغ العداء او على الأقل الخصام بينهما حداً كبيراً في اثناء الحرب التي شنها الرئيس العراقي صدام حسين على ايران الاسلامية في مطلع الثمانينات من القرن الماضي والتي عارضها الرئيس السوري حافظ الاسد ثم اتخذ منها موقفاً مؤيداً لايران. وبعد احتلال اميركا وقوات التحالف الدولي العراق واسقاط نظام البعث الحاكم فيه، انخرطت سوريا وجهات اقليمية عدة في الحروب الداخلية المتنوعة التي شهدتها الساحة العراقية، ولا تزال تتحارب كلها بواسطة طوائف العراق ومذاهبه الامر الذي ادى، اضافة الى الاحتلال الاميركي، او كاد ان يؤدي الى تفتيت هذه الدولة العربية. ويبدو ان الانخراط السوري المباشر او غير المباشر في تغذية العنف والعمليات الارهابية في العراق لا يزال قائماً الامر الذي ابطل مفاعيل كل محاولات تطبيع العلاقة بين دمشق وبغداد. بل الذي دفع العلاقة بينهما الى حد تبادل الاتهامات العلنية وتهديد المسؤولين العراقيين بالطلب الى مجلس الامن انشاء محكمة دولية لمحاكمة وتالياً لمعاقبة المتورطين في الاعتداء على امن بلادهم من سوريين وغير سوريين.
الى ذلك اشارت المعلومات الديبلوماسية الغربية والعربية ومن زمان الى ان تقارب سوريا والعراق الى درجة الوحدة او على الاقل الى درجة التنسيق فالتكامل، امر لا يلقى الاستحسان لدى عدد من دول المنطقة في مقدمها اسرائيل ولدى معظم الدول الكبرى في العالم وفي مقدمها اميركا لأن من شأن ذلك تهديد الكيان الاسرائيلي وفتح الطريق امام وحدة عربية او اتحاد او كونفيديرالية لا بد ان تؤثر على مصالح الغرب والدول الكبرى (من شرقية وغربية) وخصوصاً اذا نجح العرب في امتلاك مصيرهم وثرواتهم الطبيعية والتحكم بها. اما حديثاً فان المعطيات والمعلومات المتوافرة تشير في وضوح الى ان رفض الدور السوري الواسع في العراق وخصوصاً السياسي لا يقتصر على الغرب او على الدول العربية والاسلامية المناهضة لسوريا وحلفها مع ايران الاسلامية بل يشمل ايضاً ايران هذه. ذلك ان استراتيجيتها تقضي باحتواء عراق ما بعد صدام حسين او بالتحول صاحبة نفوذ اول او وحيد فيه، تماماً مثلما كانت سوريا في لبنان وربما مثلما ستبقى اذا بقي اللبنانيون على تشرذمهم وولاءاتهم المذهبية والطائفية والخارجية. ولا يعني ذلك احتلالاً بل القضاء على اي خطر يمكن ان يرتبه العراق مستقبلاً على ايران، وهي لم تنس بعد مئات آلاف الضحايا التي اوقعتها مغامرة صدام حسين عام 1980. كما يعني السيطرة على نفطه. علماً ان الاستراتيجيا نفسها تقضي بتحول ايران دولة اعظم في المنطقة وبفرض وضعها هذا على دول العالم وفي مقدمها اميركا ليس بالحرب المباشرة طبعاً بل بالحروب التي تخوضها عنها بالواسطة “شعوب” المنطقة مع اميركا ولاحقاً بالتفاوض المؤدي الى تفاهم مع واشنطن.
ماذا عن سوريا وتركيا في التحالف، او المحور الذي تقترحه الاولى ويضم اليهما العراق وايران؟
لا شك في ان العلاقة بين تركيا وسوريا جيدة بل وثيقة. وهي تحولت من العداء او الحذر والتحفظ والشكوك اثناء استضافة الثانية اوج آلان زعيم الانفصاليين الاكراد على اراضيها واراضي لبنان ورعاية انصاره ومقاتليه، الى ما يشبه التحالف بعدما “سلمته” سوريا نتيجة تأكدها من واشنطن بأن احجامها عن ذلك سيدفع تركيا الى اجتياح اراضيها عسكرياً. ولا شك في ان النظام السوري، ورغم مشكلاته سابقاً مع تركيا، نظر دائماً الى نظامها العسكري العلماني بتقدير واحترام. وهذا النظام كان احد عوامل تشجيع التقارب بين الدولتين. ولكن يبدو الآن ان العلاقة وثيقة بين نظام سوريا والحاكم السياسي المدني لتركيا اي حزب العدالة والتنمية الاسلامي. فهل بدّل هذا النظام رهانه على علمانيي تركيا ووضعه على اسلامييها؟ ام انه يتعامل مع السلطة القائمة وهو عارف ان السلطة الفعلية هي مع العسكر العلماني؟
لا جواب عن ذلك الآن بل لا بد من انتظار تطور الوضع الداخلي التركي وتجربة التعايش بين العلمانيين العسكريين والاسلاميين المدنيين لمعرفة موقف النظام السوري وخصوصاً بعدما بدا انه متجه الى الاسلاميين في المنطقة ليس كايديولوجيا دينية بل كقوة رفض لاميركا واسرائيل ووسيلة ضغط عليهما. علماً ان أحد دوافع اقتراب سوريا بشار الاسد من تركيا قد يكون الاستناد اليها في حال طرأ على علاقاتها بحليفها الايراني الاسلامي تطور سلبي سواء بسبب الاوضاع في لبنان الذي صار ساحة مشتركة ايرانية – سورية بعدما كان ساحة سورية فقط أو لأي سبب آخر.
الى ماذا يؤدي ذلك كله؟
يؤدي الى استنتاج مهم هو ان سوريا تسرّعت في طرح فكرة التحالف او المحور السوري – التركي – الايراني – العراقي. فهذا التحالف يتجاهل دولاً عربية اساسية مثل مصر والمملكة العربية السعودية. والاصرار على اقامته الآن، وفي ظل الخصومة بين محوري سوريا – ايران ومصر – السعودية – الاردن – اميركا، يعكس نية لاستعماله في المواجهة الدائرة بين المحورين. وهذا امر لن تسهّله اميركا، كما لن تسهله ايران كما اسلفنا، ولن يسهله العراق. اما تركيا فإن لا مصلحة لها في معاداة ايران وسوريا، ولكن ليست لها مصلحة ايضاً في معاداة اميركا.
هل تحاول سوريا بفكرتها المتسرعة تدارك خطر تسليم اميركا المنطقة العربية الى غير العرب، اي الاتراك والايرانيين والاسرائيليين والسعي لأن تكون هي العضو العربي في هذه القيادة غير العربية للعرب؟ ربما. ولكن ليس هناك دليل ثابت على ان الخطر المذكور جدي ونهائي. وربما تكون هناك ادلة على ان سياسة سوريا منذ سنوات طويلة وخصوصاً اثناء رئاسة بشار الاسد لها تزيد من الخطر المذكور.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى