‘السعودية وبدعة التاريخ البديل’: كتاب جديد يقدم قراءة نقدية لخماسية عبدالرحمن منيف
دمشق ـ ‘القدس العربي’: صدر أخيراًعن دار ‘المدى’ للنشر في دمشق كتاب جديد بعنوان ‘السعودية وبدعة التاريخ البديل قراءة نقدية لخماسية عبدالرحمن منيف’ لمؤلفه الكاتب والصحافي الفلسطيني المقيم في لندن إلياس نصرالله، مع مقدمة بقلم البروفيسور محمد صِدّيق، أستاذ الأدب العربي والأدب المقارن في جامعة بيركلي الأمريكية.
في هذا الكتاب قدم نصرالله قراءة جديدة لخماسية مدن الملح الروائية جاءت مغايرة لقراءات النقاد الذين تناولوا هذا العمل الأدبي على مدى أكثر من عقدين، واعتبر أنها حَمِلتْ دعوة واضحة وصريحة لتمجيد الأصولية والفكر الأصولي وحاولت ترسيخ فكرة أن التيار السلفي هو الوحيد القادر على إسقاط آل هديب، الذين يرمزون لآل سعود، وأنه لا سبيل آخر للتخلص من حكمهم إلا عن طريق العنف.
ويسلط نصرالله الضوء على مسألة في غاية الأهمية تتعلق بدور الأدب في الحياة السياسية وتداخلهما تداخلاً عضوياً. ويرى نصرالله أن منيف جعل من الخماسية ‘عملاً سياسياً بلباس أدبي’، فبالإضافة إلى تمجيده الأصولية وإبراز التيار السلفي، بدا أنه فاقد الأمل بحركات المعارضة الوطنية الأخرى في السلطنة الهديبية التي ترمز إلى المملكة العربية السعودية، فسخّفها وشوّه صورتها، مثلما فعل مع الحركة العمالية التي قادها المعارض ناصر السعيد، واستهتر في شكل عام بنضالات المعارضة وتضحياتها، مثلما فعل مع عبدالعزيز المعمر وآخرين. في المقابل مجّد التيار السلفي وأثنى على رموزه وأظهرهم كالأبطال.
وقال المؤلف إن منيف تعمّد إجراء قتل شخصية لحركات المعارضة الوطنية السعودية، خاصة ما يسمى منها بالإصلاحية وتلك التي تطالب بوضع دستور جديد للمملكة العربية السعودية. وركز بشدة على مطلب الدستور، الذي رفعته وما زالت هذه الحركات بمختلف أطيافها، ما عدا التيار السلفي، واعتبره مضيعة للوقت، لأن الهدف الأساس برأيه هو التخلص من العائلة المالكة وأفرادها الذين تظل ‘ظلمة القبور أخير لهم’، وفقاً لما أورده على لسان شخصيات الرواية.
وقال نصرالله إن منيف أخطأ في ‘مدن الملح’ بمعاداة العمال العرب الوافدين إلى السعودية وتعمَّد الإساءة إليهم، معتبراً إياهم أدوات في يد النظام الملكي. وأوضح أنه، رغم أن مدن الملح جاءت تعج بالشخصيات وبالأخص من العمال الوافدين العرب في مختلف المراحل التي تناولها النص الروائي، لم يُقدِّم منيف في الأجزاء الخمسة شخصية عربية واحدة في شكل إيجابي. فصوّرهم جميعاً على أنهم ‘انتهازيون أشبه بالطفيليات أو مصاصي الدماء يجمعهم الاحتقار للسكان الأصليين أو البدو في السلطنة والاستهزاء بهم’، بل صوّر الوافدين الأجانب على نحو أفضل من الوافدين العرب.
في مقدمته للإصدار الجديد وصف البروفيسور صِدّيق كتاب نصرالله بأنه يُقدِّم ‘قراءة مغايرة، منهجية وتأسيسية في آن، لعمل منيف الضخم الذي ما زال يُعتبر، وربما بحق، مَعْلَماً رئيساً وفارقاً في مسار الرواية العربية، خاصة ما يتعلق منها بالجزيرة العربية’. وقال ‘قد لا يجد المتخصص في النقد الأدبي هنا ما اعتاد عليه من تنظير أو تطبيق لنظريات، سواء ما كان منها محلي الصنع أو مستورداً، ولكنه سيجد في هذه القراءة التحليلية المنهجية نموذجاً شفافاً لما سمّاه إدوارد سعيد شغف الهاوي، حين جعل القراءة الهاوية للنصوص الأدبية أرقى تجليات الاحتراف في النقد الأدبي’.
ووفقاً لنصرالله، استوحى منيف ‘مدن الملح’ من مجموعة أحداث أبرزها حركة العصيان التي قادها جهيمان العتيبي عام 1979 وهجومه المسلح على الحرم المكي الشريف، والنبوءات التي أطلقها جهيمان في حينه والتي تتردد أصداؤها بوضوح في أجزاء الخماسية. وقال إن النفط لم يكن الموضوع الرئيس في الخماسية مثلما اعتقد بعض النقاد. وأكد أن الخماسية هي رواية للتاريخ الحديث للمملكة العربية السعودية منذ مطلع القرن العشرين، ابتداءً من اقتحام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، الملقب بابن سعود، لقلعة المصمك في الرياض عام 1902 وانتزاعه إياها من يد آل الرشيد وحتى اغتيال نجله الملك فيصل بن عبدالعزيز في الرياض عام 1975.
وجعل منيف من قصة الصراع بين آل سعود وحركة الإخوان أولاً، ثم التيار السلفي لاحقاً الذي اعتبره منيف استمراراً للإخوان، العمود الفقري أو الهيكل الأساسي لمدن الملح. فمنيف عارض ما ذهب إليه المؤرخون، من أن الملك عبدالعزيز قضى على حركة الإخوان وصفاها في عام 1929، ورغب في خماسيته بتقديم رواية جديدة لتاريخ المملكة العربية السعودية الحديث، مفادها أن ابن سعود لم يقض على الإخوان، فهم ما زالوا موجودين ولا أحد غيرهم يقدر على إسقاط حكم آل سعود.
يقول المؤلف إن منيف تصور نفسه في مدن الملح كأنه يقوم بدور شبيه بالدور الذي قام به الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري الذي ساهمت قصائده في التمهيد لإسقاط النظام الملكي الهاشمي في العراق عام 1958. بل استخدم منيف في الخماسية واحدة من أبرز قصائد الجواهري تلك التي يقول فيها ‘أنا حتفهم، ألج البيوت عليهم وأغري الوليد بشتمهم والحاجبا’، وأضاف منيف عليها من عنده ‘ولألعن والد والديهم’.
ومع أن المؤلف أنصف منيف بتوقفه عند الحساب العسير الذي أجراه في الخماسية لآل سعود وحكمهم، إلا أنه لام النقاد والمتخصصين بدراسة الأدب، العرب منهم والأجانب، الذين أغفلوا خطورة الأفكار التي طرحها منيف وروّج لها في هذا العمل الأدبي الفريد من نوعه. واعتبر الخماسية،التي ترجمت إلى عدد كبير من اللغات الرئيسية في العالم، بأنها رواية تاريخية بامتياز، ولم يكتف المؤلف بما أتى به النقاد والباحثون من أدلة على ذلك أو الإشارات الواضحة التي أوردها منيف إلى التاريخ الدقيق الذي وقعت فيه بعض أحداث الرواية، فخصص بدوره فصلاً كاملاً لذلك، بيّن فيه كيف حاول منيف تقديم قراءة خاصة به للتاريخ الحديث للمملكة العربية السعودية انحاز فيها إلى جانب طرف ضد الأطراف الأخرى.
يقع الكتاب في 344 صفحة من الحجم العادي، وبالإضافة إلى مقدمة البروفيسور صدّيق ومقدمة أخرى بقلم المؤلف والخاتمة، يتألف الكتاب من ثمانية فصول، الأول: مدن الملح والتاريخ، والثاني: الخماسية بين التوثيق والتلفيق، والثالث: معارضة سياسية على أسس دينية، والرابع: المؤسسة الدينية تحت المجهر، والخامس: العمالة العربية بين التاريخ والتجريح، والسادس: مدن الملح والمعارضة الوطنية السعودية، والسابع: مدن الملح بين الدين والعنف، والثامن: دفاعاً عن الشعب السعودي. علاوة على قائمتين بالمراجع العربية والأجنبية التي استند عليها المؤلف.
صمم الغلاف الفنان العراقي المعروف والمقيم في دمشق رياض نعمة.
القدس العربي