صورة الإرهابي في الدراما العربية
افلام عادل امام تزعم اختراق محرمات الجنس والدين لكنها عمليا تعزف سيمفونية السلطة
احمد عمر
هل قلت العصر؟ لم يحدث لنا، عبر التاريخ والجغرافيا أن عُصِرنا كما نعصر الآن. المرحوم ناظم حكمت قال: عصري شجاع وبطل، عصري أنا عصر جبان ونذل.. عصر ‘اناكوندا’ الهويات، عصر ‘بوا’ الحصار، عصر غوانتنامو وأبو غريب وأبو زعبل.. نحن معصورون مرتين بين ظلم هنا وظلم هناك.. والعصر.. إننا لفي خسر.
يعتبر النقاد أن عادل إمام لا يزال نجم الكوميديا في مصر. لم يحدث أن تبوأ نجم كوميدي عرش الكوميديا خمسة عشر سنة متواصلة! السبب في النجاح يعود إلى أن عادل إمام اختار في السنوات الأخيرة نصوصا كتبت بإكسير النجاح الذي يحتوي على خلطة المحرمات والمكبوتات الثلاثة: الدين والجنس والسياسة. لكن لطفا، نرجو عدم تجاوز السرعة، توجد منعطفات ومطبات، فعادل إمام يخترق محرمين فقط، الجنس.. اه.. اه.. الرجل ينتقم لمكبوتاتنا الجنسية، إلى درجة أن عائلة إمام احتجت على المشاهد الجنسية المبالغ بها في أفلامه وكأنها تقول: ده مش تمثيل بقى.. ده بحق وحقيق. يعني هذه ليست بطولة.. البطولة أن تقف في وجه الوحش وتقتله أو تحاول قتله لا أن تطعمه الفراولة. أما الدين، فالرجل يعزف سيمفونية السلطة، وهذه أيضا ليست بطولة، فهو يقف مع الطرف الأقوى، أما السياسة يا سادة يا معصورين، فهو يحصل على موافقات أفلامه من السيد الرئيس محمد حسني مبارك ذات نفسه! فماذا أفعل أنا بمقالاتي، فأنا ـ يا دوب ـ يسمح لي خفير الجريدة بدخولها بعد إبراز البطاقة والتفتيش بعد الاقعاء والقرفصة وتفريغ الجوف من القلم، والقلم من الحبر، والحبر من الدسم.
نطلق صفة الإسلامي على المتدين، وهو المسلم الملتزم بنهج حياة للتفريق بينه وبين المسلم بالولادة. كانت صورة الإسلامي فاضلة في أفلام الأسود والأبيض. في احد أفلام شكري سرحان يهمّ الأخير بقتل طفل، لينال الميراث، كما أتذكر، ويتبعه إلى الجامع لكنه ما ان يسمع الآيات المبينات حتى يهتدي وينتهي الفيلم بالآية في مشهد الختام. هل يمكن للمسلم الضال في هذا العصر الاناكوندا أن يهتدي بآية؟ آيات هذا العصر هي: المال، العصا.. النساء. لكن عادل إمام في فيلم ا’لإرهابي’ تأليف لينين الرملي وإخراج نادر جلال، يهتدي من ظلام ‘الإسلامية’ إلى نور ‘الحداثة’؟ هل هذه فزورة؟ لقد قدم صناع الفيلم الصورة التي يريدونها للإسلامي، لكنهم تجنبوا أن يقدموا مشهدا واحدا للإرهابي الإسلامي وهو يصلي. المشهد ‘مشفر’ حفاظا على أخلاق الجيل، لم يفعلوا خشية أن يتعاطف المشاهد مع الإرهابي. الإرهابيون (الكفار بلغة العولمة والحداثة) قوم يؤمنون بالتفسير الحرفي للنصوص ومتشددون جدا في التمسك بالشعائر، وأعتقد أنهم يمكن أن يستبيحوا دم أعدائهم أو يحرقوا أموالهم، لكني لا اعتقد أن هذه هي صورتهم، شهادات غوانتنامو تقول عكس هذا.
يستشهد الإرهابي علي على أعتاب قصر الارستقراطي العلماني مهتديا، وقد عرف العاطفة الحقيقة والحب الحقيقي، أما الوطنية الحقة فهي في الكرة التي يلفظها المصريون: كووورة. يلفظونها هكذا حتى يقنعونا بحركة الشفاه المضمومة أنها مدورة… وتدور.
26 سنة تفصل بين فيلمي ‘الإرهابي’ وفيلم ‘أنا مش معاهم’ الكوميدي أيضا، تمثيل احمد عيد بطولة: أحمد عيد ـ بشرى إدوارد وإخراج احمد البدري.. لقد كانت نساء البلاد العربية جميعا نساء متحجبات حتى ‘فتح’ الاستعمار بلادنا ‘المتخلفة الظلامية’ بالمدافع و.. السيقان، ثم مرت وصار السفور هو الأصل والحجاب طارئا ومستوردا من بلاد الخليج ‘الأجنبية’. لكن فيلم ‘أنا مش معاهم’ يبتعد عن فيلم الإرهابي من جهة التكفير الحداثي (تكفير التكفير) ويقترب منه وطنيا بجامع الكرة. انه فيلم بطلته امرأة بريئة، متورطة في عملية إرهابية بسبب حماسها الديني، ملتزمة، يعجب بها شاب غير إسلامي ويسعى لإرضائها بالتدين الكاذب، والمفارقة الكوميدية تحدث بسبب التباين الحاصل بين الواقع الكونيالي الثقافي المستدام والدين ‘المغترب’. مهما يكن فالفيلم يقبل بصورة المتحجبة، بل ويصفق للعائلة الإسلامية لكنه يجتمع مع الإرهابي في إعلاء دين الكرة على الأديان السماوية كجامع وطني. يقول الفيلم بعظمة كلاكيته: الأديان السماوية تفرق والكرة تجمع! بل تقول: لا جامع وطني سوى الكووورة.
والمشكلة، انه على الرغم من معاهدة السلام المصري الإسرائيلي فإنّ الفريق المصري لم يلعب مباراة حتى الآن مع الفريق الإسرائيلي، لو لعب لاستطاعت الكرة أن تدور قليلا على وجه وطني ولو لساعتين، لكن الفريق المصري لا يلعب سوى مع الأشقاء، وقد سمعت تصريحات لفنانين كبار مثل يسرا وطلعت زكريا معادية للجزائريين يندى لها أخمص القدمين.
شعائر دين الكرة هي أن يجتمع أبناء الوطن الواحد المكون من أديان مختلفة في صعيد واحد هو معبد ‘الإستاد’ مدهونين بألوان الهنود الحمر في الحرب، وصيحات الهنود الحمر (في السينما الأمريكية وليس في الواقع) مناصرين وهاتفين للفريق الوطني، ومعادين اشد العداء للفريق الآخر حتى لو كان فريقا شقيقا، حتى لو كان لهم مليون شهيد، في هذه الحالة ‘الوثنية’ تغدو إسرائيل قريبة، وصديقة، وحبيبة، لأنها لا تدين سوى بدين الكرة النووية. وهذه كرة مسالمة غير عدوانية مثل كرتنا المملوءة بالهواء.
يقال ان لكل رجل من اسمه نصيبا؟ اضحك، أعتقد أن عادل غير عادل في تمثيله ‘للإرهابي’ أما الإمامة فهو إمام المضحكين العرب، لكني لن أأتم! اضحك، ولكني لا افرح، الضحك لا يعني الفرح أبدا. الفيلسوف برجسون عنى بالضحك الصحي الضحك السعيد، وليس كل ضحك سعيدا، في الهند ينظمون تمرينات ضاحكة لرجال البوليس بحجة أنها مفيدة، الضحك من غير سبب ضار بالصحة. اضحك من كوميديا عادل إمام وأتألم.. مرة ظهر على شاشة برنامج ‘الاتجاه المعاكس’ إبان حصار مكتب المرحوم ياسر عرفات وقال: تبرعت بمليون دولار؟ أنا عايز اعرف هي فلوسي راحت فين؟ فذكرني بمشهد في شاهد ما شفش حاجة يطالب فيه سرحان عبد البصير احمد سوكارنو بالربع جنيه بتاعه؟
وعرفت أمرين: ان عادل إمام رجل فيه خير لأمته، ثم عرفت أن هذا الخير ليس لوجه الله؟ فهو للتباهي وللاستعراض.. سخر الرجل من صواريخ حماس واعتبرها المسؤولة عما يحيق بشعب غزة؟ (هذه تبرئة للسفارة، وتشريع لإقامتها في العمارة..) دريد لحام لم تشفع له خبرته وتاريخه وحكمته عندما سئل عن سبب عدم رميه الإسرائيلي بحجر كما هي التقاليد عندما زار بوابة فاطمة فقال بكل ‘حكمة’: وهل ستصل حصاتي إلى الجندي الإسرائيلي.
لم تصل حصوة ادوارد سعيد إلى الجندي لكن إسرائيل أقامت الدنيا على تلك ‘الجمرة’، إسرائيل ترتعب من ‘مفرقعات’ حماس التي تحتفل بها في الأعياد المستمرة في غزة، ومن مدفع رمضان ومن سعال الشيوخ وصرخات الأطفال فكيف لا تخاف من صواريخ حماس ‘الكرتونية’.
عادل إمام في هذه الأيام ليس سوى ‘الزعيم’ وهو صديق الزعيم،
وصديق ابن الزعيم ومع التوريث.. لو قال: بشرط أن تكون للمواطنين كلهم نفس الفرصة التي لابن الزعيم. لكن… الزعماء على أشكالها تقع.
أما بالنسبة إلى مسلسل ‘وما ملكت إيمانكم’ فيعتقد ضرّابو الرمل أنّ مسلسله الجديد، سيكون : ‘غلمان مخلدون ‘وربما ‘كواعب أتراب’.. مخرجه يقول: ليس من نص ديني يمنع اقتباس نص قرآني عنوانا لعمل فني.. الرجل فقيه ما شاء الله . ويفهم في الفانتازيا التاريخية والفانتازيا الدينية واللعب بالبيضة والحجر.
تذوقت مشهدا عابرا من هذه البضاعة المغشوشة وسمعت احد بطال المسلسل يرطن باللغة السنسكريتية: يقول أبو سعيد الحدري (بالحاء) رضي الله عنه الممثل العظيم يقصد أبو سعيد الخدري (بالخاء).
متابع قال لي انّ هذه الأخطاء غيض من فيض. اعتقد أن المخرج يفهم في الدين والنصوص التي يستشهد بها، بقدر ما افهم أنا في الفانتازيات التاريخية!
قبل ايام كنت أتابع صديقين؛ وثنيا ومسلما يلعبان ‘عشرتين طاولة’ ، الوثني (يعبد رونالدينو) تشفى بالمسلم مازحا أو جادا، وقال: انتم إرهابيون ظلاميون.. دينوا بالحداثة.. اعتصموا بحبل الكرة ولا تفرقوا: انظر إلى صورتكم الدرامية.. هذا هو دم الغزال ورمى رمية دوشيش.. المسلم قال: يا أخي أنت تمسك زهر (يعني تغش في اللعب). هذه ليست صورتي.. الحقيقة. الكوميديا في فيلم الإرهابي كانت تخفف كثيرا من جرعة الايديولوجيا وهدير التعبئة وسخونة التحريض.. الأمر الذي لم يتوفر في مسلسل ‘ما ملكت أيمانكم’ الذي يصفه المعجبون ‘بالجريء’.
احسب أن صناع هذه الدراما الضرار يمسكون زهر.
أنا مش معاهم..
ناقد من سورية
القدس العربي