حوار مع حسن عبد العظيم الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في سورية
س1- كيف تقيمون وضع ونشاط المعارضة السورية خلال عام 2010 وهناك من يقول بأنه كان العام الأسوأ بالنسبة لحراك قوى وأحزاب والمعارضة حيث اقتصر نشاطها على إصدار البيانات فقط؟
ج/ ان وضع المعارضة الوطنية في سورية خلال عام 2010 على غير ما يرام فهو ضعيف ومأزوم وقليل الفاعلية والتأثير إذا استمرت أوضاع قوى المعارضة السياسية وفعالياتها الثقافية على ما هي عليه ، ولم تبادر إلى عملية مراجعة ونقد ذاتي لأخطائها وممارساتها ومواقفها تمهيدا لتصحيح مسارها وتجديد بناء قواها وتحالفاتها وأنشطتها وتفاعلها مع الجماهير العريضة صاحبة المصلحة في التغيير الديمقراطي ، وفي المشاركة السياسية التي تمكنها من اختيار ممثليها الحقيقيين للتعبير عن مصالحها والدفاع عن مطالبها وقضاياها الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والثقافية ، ومن الواضح ان صلة قوى وأحزاب المعارضة بتياراتها وجمهورها ضعيفة وشبه غائبة و معزولة عن عمقها الجماهيري الذي يشكل في الأساس الحضن الطبيعي والحامل الاجتماعي لهذه القوى ويمدها بالحيوية والدماء الجديدة وإمكانيات النمو والتطور ، هذه الحالةمن الحيوية والتطور كانت متوفرة وموجودة في تيار المعارضة وقواها وفعالياتها منذ أواخر عقد التسعينيات في القرن الماضي حتى أواسط العقد الحالي فقد تصاعد حراك المعارضة ونشاطها السياسي والثقافي والاجتماعي بوسائل عديدة منها بيان الــ 99 وبيان الألف ، وتأسيس لجان إحياء المجتمع المدني لتأطير عدد واسع من المثقفين ، والمؤتمر الصحفي الذي عقدته قيادة التجمع الوطني الديمقراطي في دمشق وأعلنت فيه البرنامج السياسي والنظام الأساسي للتجمع وتأسيس العديد من المنتديات بما فيها منتدى جمال الاتاسي وإعداد مئات المحاضرات الهامة في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وشؤون الجامعات والتربية والتعليم والشباب والمرأة وقانون الطوارئ وحالة الطوارئ وتأثيرها الخطير على الحريات الأساسية وحقوق الإنسان ، وحول الدعوة لمؤتمر وطني وتأسيس جمعية حقوق الإنسان في سورية بمبادرة من التجمع الوطني الديمقراطي الى جانب لجان الدفاع عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان التي قامت من قبل ، وكذلك المنظمة العربية لحقوق الإنسان والمنظمة الوطنية لحقوق الإنسان والمنظمة السورية لحقوق الإنسان وترافق ذلك مع فعاليات الاعتصام الأسبوعية على مدى هذه السنوات كل هذه الأنشطة والفعاليات حققها تيار المعارضة العريض في أجواء ايجابية من التشاور والتفاعل والتنسيق والتكامل ثم أدى ذلك إلى تأسيس لجنة التنسيق الوطني الديمقراطي في عام 2004 التي ضمت جميع أطياف المعارضة الوطنية في سورية على قاعدة التغيير الديمقراطي السلمي والتحول الديمقراطي التدريجي والآمن الذي يتيح لجميع القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والثقافية في المعارضة والسلطة المشاركة السياسية الفاعلة في بناء الوطن والدولة الوطنية الحديثة المعبرة عن مصالح الاكثرية الشعبية والمؤهلة لممارسة دورها القومي والدولي ومحاصرة الكيان الصهيوني وتمكين الشعب الفلسطيني من تحرير الأرض وبناء دولته الوطنية وعاصمتها القدس.
لقد تمكنت المعارضة في تلك المرحلة من مواجهة تحدي النهج الشمولي ، والاستبداد الداخلي وتمكنت من تطوير أنشطة وفعاليات الاعتصام التظاهر وحفلات التأبين لبعض قادة المعارضة والاحتفال بالمناسبات الوطنية والقومية بمشاركة الآلاف ، ولم يؤثر على نشاط المعارضة ودورها الفاعل حملات الاعتقال والمحاكمات والأحكام التي كانت تتم بين فترة وأخرى بل سادت أجواء التضامن مع السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي بشكل واسع وشامل واحتضان عائلاتهم والدفاع عنهم.
واستمرت هذه الحالة من الحيوية والنمو والتطور حتى عام 2006 في ظل إرادة موحدة لاطراف التجمع الوطني الديمقراطي في أتلاف اعلان دمشق الذي شكل تطورا أوسع غير أن روح التضامن والتفاعل والتنسيق غابت في السنوات الأخيرة بسبب الاختلاف في وجهات النظر السياسية من القضايا القومية كقضية فلسطين والعراق ولبنان ، ومع أن(الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية) إذا تمت إدارته بأسلوب ديمقراطي شفاف غير أن البعض لا يرى ذلك – على ما يبدو – ويظن انه يملك الحقيقة وحده ، مما أدى لتصرفات فردية ومنفردة تنطلق من التشكيك بقوى قومية او يسارية وتصفها (بالقومجية) لمجرد أن لها رأيا مخالفا لقناعات بعض الأفراد أو توجهاتهم ، وتسبب ذلك في إثارة عوامل الفرقة والخلاف بين أطراف المعارضة وخلق اجواء من عدم الثقة وإمكانيات التفاعل والتنسيق المطلوب حتى أن البعض عمل على رفض مشاركة بعض ممثلي حزب من أحزاب المعارضة من القيام بواجبه في الدفاع عن معتقلي إعلان دمشق على الرغم من استعداده للمشاركة في الدفاع هذه الممارسات من البعض من ناحية وعدم الجدية في الحوار لمناقشة هذه الأمور والتوصل إلى حلول جدية وعملية لها من ناحية ثانية واستباق الأمور من قبل البعض لتشكيل أمانة في الخارج خلافا للمبادئ التنظيمية المقررة التي تأسست على أن قيادة العمل الوطني تكون في الداخل وتنطلق منه بعيدا عن المؤثرات والتأثيرات الخارجية ، مع عدم اعغفال رأي ممثلي المعارضة في الخارج بالتنسيق مع القيادة في الداخل من ناحية ثالثة ، كل ذلك انعكس سلبا على أداء المعارضة ووحدتها ونشاطها وصارت تنحصر في إصدار بيانات متفرقة في المناسبات كما ورد في السؤال
غير أن المعارضة لا تزال موجودة بكل قواها وأطرافها ، ولا تزال الحاجة إليها ماسة وضرورية فهي البديل الديمقراطي للنهج الشمولي الذي يصر على الاستئثار واحتكار السلطة ، وتغييب دور المعارضة والمجتمع بكل الوسائل والسبل ، من استخدام حالة الطوارئ في الاعتقال والملاحقة وقمع الرأي الآخر والتعتيم الإعلامي ومنع السفر غير أن توحيد جهود المعارضة وتطوير أدائها يحتاج إلى أن نبدأ بتغيير أنفسنا ومراجعة مواقفنا وتعزيز قناعاتنا الديمقراطية لتحويلها إلى ثقافة وتحتاج إلى الوضوح في سياساتنا ومواقفنا العربية والإقليمية والدولية ولو في إطار الحد الأدنى للبعض والحد الأعلى بالنسبة للبعض الآخر فلا نضيع بين ما يسمى دول الاعتدال أو ما يسمى دول الممانعة ونختار الطريق الثالث ، طريق بناء المشروع الوطني انطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا والعمل لبناء الدولة الوطنية والتنسيق مع القوى الوطنية في الساحات العربية الأخرى وفق المصلحة القومية المشتركة لشعوب المنطقة على قواعد الوحدة الوطنية والديمقراطية في عصر التكتلات الدولية والإقليمية الكبرى.
إننا كجزء أصيل من تيار المعارضة الوطنية نريد أن تكون سورية و أي دولة عربية أخرى دول ممانعة تبني جيوشا وطنية حديثة مدربة قادرة على تحرير الأرض وحماية الحدود وصد العدوان ورفض الهيمنة الخارجية وحماية الدستور المعبر عن إرادة الشعب وحماية النظام الديمقراطي وان تكون الدولة أو دول الممانعة العربية مع مقاومة الاحتلال في فلسطين ولبنان والعراق وغيرها ، غير أن الشرط الضروري لذلك هو تمكين الشعب من ممارسة حرياته الأساسية واحترام حقوق المواطنين وكراماتهم ومساواتهم أمام القانون على تعدد انتماءاتهم القومية والدينية والطائفية والمذهبية فالمجتمع بمواطنيه الأحرار المتساويين في الحقوق والواجبات يشكل ظهيرا قويا في الدولة الوطنية غير قابل للاختراق والانكسار.
س2/ ذكرتم في تصريحاتكم الأخيرة أن المعارضة السورية ستشهد انطلاقه نوعية جديدة في عملها خلال العام الجديد 2011 ، فهل المقصود تنفيذ خطوات جادة على طريق توحيد صفوف المعارضة والدخول في مواجهة مع النظام؟
ج / لم يسبق لي أن قلت في تصريح سابق أن المعارضة السورية ستشهد انطلاقة نوعية جديدة في عملها خلال العام الجديد فذلك له ظروفه ومتطلباته في أجواء حوار وطني جاد ومراجعة دقيقة لمسيرة المعارضة الوطنية خلال العقد الحالي والاستفادة من الدروس والعبر ، ولعل المقصود بالسؤال يتعلق بالتجمع الوطني الديمقراطي ومؤتمره العام القادم والعمل المتواصل الذي تمارسه القيادة المركزية للتجمع للإعداد لمؤتمر ناجح عبر الوثائق والآليات لتحقيق نقلة نوعية في عمل التجمع كجزء فاعل من المعارضة الوطنية.
س3/ هناك شيء من الغموض يحيط بعلاقاتكم مع إعلان دمشق والتيار الوطني الديمقراطي ، كيف تردون على أصحاب هذا الرأي؟
ج / ليس هناك أي غموض في موقف حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي لأننا نحرص على الوضوح والصدق في التعامل والشفافية في التعبير عن مواقفنا ومن المعروف أننا في قيادة الحزب الممثلة بمكتبه السياسي ولجنته المركزية قد اتخذنا قرارا بتجميد نشاط الحزب في هيئات ولجان إعلان دمشق لأسباب معروفة سبق وان شرحناها مفصلا وأكدتها التطورات اللاحقة ، وقد عمل المكتب السياسي بتوجيه اللجنة المركزية في قرارها في أواخر شهر كانون الأول 2007 بأن يضع المكتب السياسي مشروع إعلان مبادئ ويدير حوارا داخل إعلان دمشق وخارجه ، أي مع الأمانة العامة للإعلان ومع قوى وفعاليات وشخصيات معارضة خارج الإعلان ، وليست منضوية في التجمع بما يعني إدارة حوار مع جميع أطراف المعارضة حول مشروع إعلان المبادئ الذي يوفر الوضوح النظري لتيار المعارضة بعد مناقشته وتعديله عبر الحوار الشامل ، وقد سلمنا نسخة إعلان المبادئ لأعضاء في الأمانة العامة لإعلان دمشق في أواخر الشهر الأول من العام 2008 ووعدوا بمناقشته وانتظرنا الجواب وبعد ذلك سلمناهم عدداً من الاقتراحات لتعديل الهيكلية التنظيمية تتعلق بآلية تمثيل الأحزاب وآلية تمثيل المستقلين ، وعلى الرغم من مرور سنوات لم يصلنا رد أو رأي بل وصلت رسالة ملتبسة مسربة تشكك بالحزب وبأنه يمارس عقلية (الفرقة الناجية) وقد اتخذت اللجنة المركزية قرارا في صيف هذا العام بوقف الحوار مع إعلان دمشق ثم أتخذت قرار بمتابعة الحوار بعد ورود رسالة إعتذار ورغم إعطاء أكثر من فرصة فالحوار لم يصل إلى أي نتيجة .
لقد اعتادت الهيئات القيادية لحزبنا في مرحلة الأمين العام السابق المرحوم جمال الاتاسي وفي المرحلة الحالية المرونة في التعامل فيما يتعلق بالعمل الوطني انطلاقا من احترام حرية الرأي وحرية الاختلاف والحرص على فعالية دور المعارضة الوطنية الديمقراطية .
أما فيما يتعلق بالتيار الوطني الديمقراطي فقد بدأ الحوار مبكرا في عام 2008 في ضوء قرار اللجنة المركزية وطرحنا مشروع وثيقة إعلان المبادئ على المتحاورين وتم التوافق على إجراء حوار معمق حول الوضع الداخلي في سورية انطلاقا من أهمية التغيير الوطني الديمقراطي وأولويته واستمر الحوار حول الوضع الداخلي وكذلك مناقشة أوضاع المعارضة وما وصلت إليه والوضع المتعلق بالأكراد والأقليات ، و تقييم النظام السياسي والموقف من نهجه الشمولي وممارساته وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والخلل الاجتماعي السائد الذي يوسع ويعمق دائرة الفقر وتم الانتقال بعد ذلك إلى مناقشة الوضع العربي ثم الوضع الإقليمي والوضع الدولي ، وتم صياغة مشروع وثيقة توافقات وطنية هامة باستثناء فقرة أخيرة يتم التداول والحوار حولها ، ويتضمن المشروع تشكيل لجنة تنسيق بين أطراف التيار ,لأنه من وجهة نظرنا في الحزب لم تكن مشاركتنا في التيار بهدف تجاوز التجمع الوطني الديمقراطي أو أي تحالف آخر كما كان يشيعه البعض وأهمية التيار الوطني الديمقراطي أنه تمكن من التوصل إلى الوضوح النظري والفكري والسياسي في العمل الوطني والقومي ، .
س 4/ما مدى صحة المعلومات التي تؤكد بأن الخلافات والانقسامات هي التي حالت دون انعقاد مؤتمري التجمع والاتحاد الاشتراكي خلال العام 2010؟
ج / هذه ليست معلومات صحيحة فلا يوجد انقسامات أو خلافات في التجمع حول عقد المؤتمر هناك وجهات نظر حول ضرورة التعجيل في انعقاد المؤتمر أو التريث لمزيد من مناقشة مشاريع الوثائق والأوراق وتوحيد وجهات النظر حتى يحقق المؤتمر نقلة نوعية في العمل الوطني وليس هناك خلاف حول أهمية المؤتمر وضرورة انعقاده ، اّما بالنسبة للمؤتمر العام العاشر المتعلق بالحزب فقد تمت تهيئة الظروف لانعقاده بعد استكمال بعض الإجراءات الضرورية .
فالتجمع هو تحالف استراتيجي نحرص جميعاّ على تطويره وتعزيزه وتفعيل دوره , وهو يضم أحزاباّ وقوى أساسية لها رصيدها التاريخي والسياسي والنضالي وإن عدداّ كبيراّ من المثقفين والمفكرين والباحثين المستقلين في تيار المعارضة الوطنية كانوا من كوادر أحزاب التجمع .
س5 / هل تتوقعون حدوث أي تغيير في الوضع داخل سوريا عام 2011 في ضوء اقتراب انعقاد المؤتمر القطري الحادي عشر لحزب البعث الحاكم وتزايد الحديث عن صدور قانون الأحزاب .
ج / لا نتوقع حدوث تغيير حقيقي في الوضع الداخلي في العام 2011 طالما أن بنية النظام السياسي على ما هي عليه وهذا القول ليس من قبيل التشاؤم أو التخمين وإنما يستند إلى تحليل موضوعي لطبيعة النظام وبنيته الشمولية وهي مستمرة منذ انفراده بالسلطة واحتكارها في صيف عام 1963 بعد أن لجأ إلى تصفية القوى التي تحالف معها قبل وبعد حركة الثامن من آذار عام 1963 وهي قوى قومية وناصرية وحدوية ويسارية ووطنية تتفق معه في الأهداف المعلنة ( حرية ، اشتراكية ، وحدة ) وإصراره على فك التحالف مع القوى أنهى أي تعددية سياسية مع الآخر المتفق ناهيك عن الآخر المختلف وجعل النظام الحاكم في عزلة عن القوى السياسية الأخرى وعن الجماهير ووضعه في صدام معها يصر على حكمه بالوسائل الأمنية وكرس مقولة الحزب القائد للدولة والمجتمع والمنظمات الشعبية التابعة ومع أن محاولات جرت للانفتاح على التيار الناصري واليساري المعارض من داخل قيادة الحزب في عام 1969 بعرض مشاركة وزيرين في الحكومة وقد رفضت قيادة الاتحاد العرض لعدم الموافقة على تمثيلهما بصفتهما الحزبية وحدث نوع من التعاون والتنسيق في إطار نقابات العمال والمعلمين والفلاحين والطلبة غير أن بنية النظام باجمعها لم تتحمل هذا الانفتاح. وجاءت حركة 16/11/1970 وحاولت الانفتاح على المعارضة وإشراكها نسبيا في مؤسسات السلطة التنفيذية والتشريعية وفي الجبهة الوطنية التقدمية وحققت بعض التقدم غير أن طبيعة وبنية النظام لم تتحمل هذا الانفتاح النسبي في حدوده الدنيا وانقلبت عليه عبر الإصرار على نص المادة 8 في الدستور التي أعادت الوضع إلى ما نص عليه الدستور المؤقت الذي انتقدته الحركة وانتقدت الانغلاق والاستئثار وعدم تحقيق الوحدة الوطنية و التعددية السياسية وبذلك انغلقت الفرصة التي جاءت بها الحركة منذ سنواتها الأولى بسبب بنية النظام ورفضه لأي تحول ديمقراطي وقد انعكس ذلك على بنية حزب البعث وبنائه على المصالح الذاتية للأعضاء الناتجة عن احتكار السلطة وغياب التنافس والبرامج فالمصالح مضمونة بحكم الولاء كما انعكس ذلك على الأحزاب التي بقيت في الجبهة رغم معارضتها الفعلية لنص المادة 8 من الدستور وتحولت بدورها إلى رفض أي انفتاح أو إصلاح تدريجي أو تغيير ديمقراطي ، ثم جاءت المحاولة الثالثة التي جاءت بعد انتقال المسؤولية في 17/7/2000 للرئيس الجديد وعبر في خطابه أمام مجلس الشعب عن رؤية جديدة للآخر والرأي الآخر والنقد الموضوعي ومسؤولية المجتمع ودوره غير أنها ما لبثت أن اصطدمت ببنية النظام والحزب والجبهة المعادية للديمقراطية والانفتاح والإصلاح والتدريجي الذي يؤدي عبر التراكم للتغيير الديمقراطي على كل المستويات هذه البنية المغلقة للنظام وقواه السياسية أدت إلى تراجع الرئيس عما طرحه من نوايا على هذا الأساس لا نتوقع من المؤتمر القطري الحادي عشر للحزب أي اختراق لبنية النظام السياسي وتكوينه لان بنية الحزب هي تعبير عن بنية النظام وليس العكس وقد صدق توقعنا بالنسبة للمؤتمر العاشر للحزب قبل حوالي خمس سنوات قبل انعقاد المؤتمر وبعده وسيبقى مشروع قانون الأحزاب حبيسا في الأدراج لا يرى النور, وغيره من المشاريع الأخرى ، إن أي نظام شمولي يتمتع بالسلطة المطلقة لا يمكن أن يتغير من تلقاء نفسه ما لم تبرز قيادة من داخله لديها قناعات ديمقراطية يلتف حولها تيار إصلاحي تتوفر لديه قناعة وثقافة التحول الديمقراطي أو ان يقوم في مواجهته تيار للمعارضة موحد القوى والإرادة يلتف حوله تيار شعبي عريض ومتماسك يضغط على السلطة السياسية بالوسائل السلمية لدفعها إلى التحول الديمقراطي كما حدث في بلدان آسيوية وافريقية في العقود الماضية بعد أن تأكد من تجارب الشعوب بما في ذلك سوريا خلال أزمة الثمانينات ان العنف لا يجدي كوسيلة للتغيير وكان التجمع الوطني الديمقراطي منذ تأسيسه عام 1979 سباقا في هذه الرؤية .
س6 / ما هو برنامجكم الجديد للمرحلة القادمة ؟
ج / إن المؤتمر العام للتجمع هو المخول بمناقشة وإقرار برنامج المرحلة القادمة بعد أن تابعت قيادة التجمع تنفيذ البرنامج السياسي لعام 2001 في السنوات الماضية في ظل تغيرات شديدة التعقيد والخطورة في الأوضاع العربية والإقليمية والدولية ، بعد احتلال العراق في ربيع عام 2003 وإعادة احتلال الضفة الغربية من قبل العدو الإسرائيلي وضرب اتفاقية أوسلو وملحقاتها والعمل المتواصل في إجراءات الاستيطان والتهويد لتحويل معظم فلسطين إلى كيان يهودي تمهيداّ لغرض تسوية نهائية للقضية الفلسطينية بالإضافة لشن حرب عدوانية على لبنان في صيف عام 2006 وحرب عدوانية على قطاع غزة فيما بعد يضاف إلى ذلك انسداد الأفق الديمقراطي على المستوى الداخلي في سورية والهروب إلى الأمام من شعار أولوية الإصلاح الاقتصادي والإداري على الإصلاح السياسي وأخيراً أولوية الأمن على كل جوانب الإصلاح الأخرى بحجة الحصار والعزلة ومع أن هذه الظروف قد تغيرت غير أنها لم تنعكس إيجابا على الوضع الداخلي وسياسات التشدد هذه المتغيرات العربية والإقليمية والدولية المترافقة مع انسداد آفاق التغيير والتحول الديمقراطي ولدت أفكاراّ أو قناعات جديدة أحدثت خلافات في الرؤى لم تحل بسبب غياب إرادة الحوار الديمقراطي وإرادة التوافق الوطني الذي صار ضروريا في هذه المرحلة ، إلا أننا استطعنا في قيادة التجمع الاتفاق على رؤية مشتركة بالنسبة للتطورات في لبنان وفلسطين والعراق تنسجم مع الجهود العربية المبذولة للتهدئة والتسويات سواء باتفاق مكة بين رام الله وغزة الذي عطل أو اتفاق الدوحة بخصوص المسالة اللبنانية وقد أعطى ثماره أو بالنسبة للعراق كما أن برنامج حزب الاتحاد الاشتراكي للمرحلة المقبلة يضعه المؤتمر العام العاشر في الفترة القادمة .
س7 / كيف تنظرون إلى الوضع اللبناني ، وهل تتوقعون حدوث فتنة سنية – شيعية إذا ما صدر القرار الاتهامي ضد حزب الله ؟
ج / عوامل الفتنة المذهبية والطائفية موجودة وكامنة في لبنان وفي غير لبنان وبخاصة منها الفتنة السنية الشيعية ولها جذور تاريخية, وقد بدأت تطفو على السطح بعد احتلال العراق بتشجيع من تحالف دول الاحتلال وبسبب التدخل الإيراني في شؤون العراق بعد الاحتلال ثم تصاعدت عوامل الفتنة المذهبية بعد أغتيال الرئيس رفيق الحريري وتشكيل لجنة تحقيق دولية تناوب عليها عدد من المحققين الدوليين (ميليس وبراميرز وبلمار) … كما أعطيت صلاحية التحقيق في جميع جرائم الاغتيال اللاحقة التي طالت قادة سياسيين ونواباً ووزراء وصحفيين بارزين . ولم تصل إلى نتيجة واضحة حتى اليوم مع أن جميع القوى في لبنان في الموالاة والمعارضة تطالب بالوصول إلى الحقيقة وكشف المجرمين ثم جاءت اتفاقية تشكيل المحكمة الدولية للنظر في نتائج التحقيق بين حكومة الأكثرية ومجلس الأمن الذي أقرها تحت الفصل السابع بدون توافق جميع القوى في الموالاة والمعارضة مما أدى إلى خلافات عميقة في وجهات النظر بين الطرفين لا تزال قائمة وقد عمقتها التسريبات عن اتجاه التحقيق في مرحلة ديتلف ميليس نحو اتهام مسئولين في القيادة السورية حول الاغتيالات . ثم جاءت التطورات اللاحقة بعد اتفاق الدوحة وتشكيل المؤسسات اللبنانية وتتويجها بتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الشيخ سعد الحريري بجهود سعودية قطرية سورية لتطوي صفحة اتهام القيادة السورية في ظل مناخ التهدئة ثم عادت التسريبات من جديد في صحف أجنبية ألمانية وفرنسية بالإضافة إلى تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي معظمها تدور حول اتهام حزب الله وتبرئة سورية , وتسريبات لاحقة حول اتهام الحزب وسورية لتطرح شكوكا لدى قوى المعارضة في التحقيق و المحكمة الدولية واتهامها بالتسييس ولتعيد أجواء التصعيد من جديد غير أن المساعي السعودية السورية تعمل على تطويق الأمور وإيجاد مخرج للأزمة يجنب لبنان الفتنة المذهبية ويبدو أن المساعي وصلت إلى مرحلة متقدمة كما أن الدبلوماسية الفرنسية تعمل في ذات الاتجاه لاستمرار التهدئة وإيجاد المخرج الملائم أما الموقف الأمريكي كما عبر عنه فيلتمان معاون وزير الخارجية فهو يميل إلى التشدد وتأجيل الحل أو تعطيله بالضغط على السعودية أو على طرف لبناني غير أن وعي الشعب اللبناني والحريات السياسية والإعلامية التي يتمتع بها والتجربة المرة خلال الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاما خرج منها الجميع خاسرين لابد أن يستخلص منها العبرة لتجنب الفتنة والانفجار وما تخلفه من دمار لا يخدم سوى العدو الصهيوني الذي يريد تحطيم النموذج اللبناني في العيش المشترك بين الطوائف والمذاهب والأعراق ، فالفتنة المذهبية والطائفية هدف الكيان الصهيوني ومن يتحالف معه لأنها تمزق الروابط الوطنية والقومية على قاعدة (فرق تسد).
وعلى كل حال وعلى فرض صدور القرار الظني باتهام عناصر في حزب الله كما ورد في الأخبار المسربة فإن عنصر المفاجأة فقد مفعوله خلال الأشهر الماضية بعد أن تناقلت وسائل الإعلام المرئي والمقروء والأخبار المسربة وجاءت محاولات السيد حسن نصر الله للرد على الاتهامات في مؤتمرات صحفية ولقاءات جماهيرية حول الدور الإسرائيلي في اختراق الأجواء اللبنانية ومراقبة الشخصيات الهامة , وعمليات الإنزال البحري بمساعدة عملاء واختراق الخطوط الهاتفية السلكية واللاسلكية وعدم استجابة التحقيق الدولي للبحث في فرضية دور إسرائيلي في عمليات الاغتيال إلى جانب الفرضيات والاحتمالات الأخرى لأن الكيان الإسرائيلي محمي من النظام الدولي من أي تحقيق أو إدانة ، إن التسريبات المسبقة حول القرار الظني إذا جاءت مطابقة لما ورد في تحقيقات سرية يفقد القرار عنصر المفاجأة وتأتي ردود الفعل المذهبية في إطار محدود يقتصر على بعض الجماعات السنية المتعصبة ويمكن تطويقه من قبل مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية في حين أن نبأ اغتيال الرئيس الحريري المفاجئ أحدث زلزالا في الساحة اللبنانية .
س8\ هل تقيمون علاقات مع قوى المعارضة في الجوار؟
ج\هذا السؤال يتعلق بحزب الاتحاد الاشتراكي العربي ومنذ تأسيسه في 18/7/1964 كحزب وطني والتزام قومي ونحن نحرص على التنسيق مع تنظيم الاتحاد الاشتراكي والحزب الطليعي في الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر ومع الأحزاب الناصرية والوطنية في الساحات العربية ، وقد شارك الحزب في تشكيل لجنة تنسيق قومي في بداية شهر كانون الثاني 1997 مع الحزب العربي الديمقراطي في مصر والاتحاد الاشتراكي العربي في السودان والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري في اليمن وحزب الاتحاد والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري في لبنان والحزب الناصري في موريتانيا ، كما شاركنا في حركة التحرر الديمقراطية العربية مع حركة الشعب والحزب الشيوعي في لبنان وحزب الكرامة في مصر وحركات قومية في العراق وحركات وشخصيات أردنية وغيرها من الأحزاب والقوى ، غير أن الدورة الثانية للمؤتمر العام للحزب التي انعقدت في أواخر عام 2008 قررت إعادة النظر في بعض التحالفات والمؤتمر العام العاشر سيناقش هذا الموضوع بموضوعية ويقرر التوجيهات المتعلقة بالعمل القومي كما أننا نشارك من خلال الحزب والتجمع منذ عام 1993 في المؤتمر القومي العربي ثم المؤتمر القومي الإسلامي، وفي مخيم الشباب القومي وغيره من الأنشطة القومية .
وتنطلق تجربة حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي من الاهتمام أولا بالبعد الوطني والتحالف الوطني كالتجمع الوطني الديمقراطي بحيث يكون النشاط القومي مواكباً ومتمماً للعمل الوطني وليس قفزة في الفراغ .
س9/ كيف تقيمون علاقة التحالف الاستراتيجي القائمة بين سورية وإيران وهل تؤيدون الأصوات الداعية إلى فك هذا التحالف والاستعاضة عنه بتحالف عربي – عربي أولا ومن ثم عربي تركي ثانيا؟
ج/ علاقة التحالف بين سورية وإيران ليست جديدة وقد بدأ التقارب والتعاون منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران بقيادة السيد الخميني وسقوط نظام الشاه ، واستمر التعاون والتنسيق بين البلدين في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد خلال الحرب العراقية الإيرانية رغم اعتراض كثير من الدول العربية على ذلك ، ثم استمرت العلاقات في النمو والتطور في عهد الرئيس بشار الأسد وتطورت في السنوات الأخيرة إلى تحالف استراتيجي وبخاصة بعد صدور القرار 1559 وجريمة اغتيال الحريري واتهام القيادة السورية وخروج القوات السورية والأمنية من لبنان بهدف إنهاء الدور السوري الذي بدأ في أواسط السبعينيات من القرن الماضي بتفويض عربي وإقليمي ودولي ، ومن تتبع التطورات وتصريحات المسئولين في البلدين يستنتج المتابع استمرار التحالف على الرغم من وجود بعض التباينات في سياسات البلدين هنا وهناك في القضية العراقية أو التسوية مع الكيان الصهيوني وأحياناً في لبنان إن المحاولات العربية والأوربية لإضعاف تحالف سورية مع إيران أو إنهائها بما فيها الانفتاح على سورية والحوار معها لم يصل إلى نتيجة حتى أن عدو إعادة السفير الامريكي إلى دمشق رغم اتخاذ إدارة أوباما قرار تعينه من شهر شباط من عام 2010 هو من قبل الضغط لفك التحالف مع إيران وحزب الله غير أن اي بديل لم يتحقق لطمأنة النظام السياسي فأحتلال الجولان ما زال قائما والتهديدات الإسرائيلية والغارات العدوانية على موفع في دير الزور والتهديدات بحرب عدوانية ما زالت قائمة . ومحاولات القيادة السورية لاجراء تسوية فشلت والحكومة الإسرائيلية ضربت عرض الحائط بكل المحاولات الدولية والإقليمية والنظام العربي منهار ومفكك والمحاولات التي قدمها عمرو موسى في قمة عربية استثنائية في ليبيا لإقامة اتحاد بين الدول العربية وإقرار منظومة إقليمية مع دول الجوار فشلت وذهبت ادراج الرياح , فلم يعد هناك إمكانية للحديث عن إطار بين الدول العربية يتطور للتعامل مع دول الجوار وبخاصة تركيا وإيران , في تقديري ان التحالفات الإقليمية مرتبطة بخطر الكيان الصهيوني على محيطه العربي والإقليمي .
إن التحالف بين سورية وإيران تعرض لانتقادات كثيرة بسبب إشكاليات العلاقات الإيرانية مع دول الخليج وقصة الجزر الثلاث وبسبب التدخل والتداخل الخطير في العراق , والملابسات المتعلقة بالعلاقة مع الحوثيين في اليمن , وحاولت حكومة العدو الإسرائيلي توظيف هذا الموقف لإيجاد تحالف عربي إسرائيلي تدعمه الإدارة الامريكية لتوجيه ضربة ضد المنشاّّّت النووية في إيران غير ان مفعول هذه المحاولة لم تكتمل, بسبب فشل الحوار الفلسطيني الإسرائيلي من جهة , والدور الجديد الذي أطلت به القيادة التركية على المنطقة لإنهاء الخلافات الإقليمية ومساندة القضية الفلسطينية في مواجهة الطغيان الإسرائيلي من جهة ثانية .
س10/ هناك من يتوقع حروبا كبيرة وخطيرة في منطقة الشرق الأوسط خلال العام 2011 وان إسرائيل ستكون المستفيد الأول منها ، ما هو تصوركم ، وهل لديكم أي توقعات أخرى ؟
ج/معظم المحللين الاستراتيجيين والمفكرين والباحثين يرون عدم إمكانية قيام حرب جديدة في السنة القادمة رغم المناورات المكثفة التي يجريها جيش العدو الإسرائيلي والتهديدات المتواصلة لاستعادة هيبة الردع غير ان نتائج الحرب غير مضمونة والموافقة الأمريكية على قرار الحرب غير متوقعة بسبب ظروف المنطقة وتهيئة الأجواء للانسحاب من العراق وأفغانستان بالإضافة للازمة المالية الخانقة وكلفة الحرب الباهظة ومع ذلك فالعدو الإسرائيلي وراء كل الحروب العدوانية التي حصلت في المنطقة ولابد من الحذر والاستعداد الدائم.
س11/ من المقرر أن تجري انتخابات عامة لمجلس الشعب السوري في هذا العام 2011 ، هل ستشاركون كمعارضة فيها ؟ أم أنكم ستقاطعونها كما حدث في انتخابات العام 2007؟
ج/ اعتاد النظام السياسي منذ عام 1973 على إجراء انتخابات شكلية لاختيار ممثلين لمجلس الشعب لا تمت إلى الديمقراطية بصلة ، في ظل قانون الانتخابات الذي صدر عام 1973 وفي ظل قوائم انتخابية للجبهة تضعها الأجهزة الحربية والأمنية ، ثم جرت تعديلات على القانون تفرغه من مضمونه ، منها عدم الالتزام بجداول الناخبين في كل دائرة ، والسماح للمواطنين من محافظات أو مناطق أخرى بالمشاركة بالانتخاب في أي دائرة لترجيح كفة هذا المرشح أو ذاك ، يضاف إلى ذلك ما يسمى بالصناديق الجوالة ، أي صناديق البادية وعائلات العسكريين, وتشكيل اللجان الانتخابية من أحزاب الجبهة مما يجعل القوائم المشكلة مضمونة النتائج قبل إجراء الانتخابات ، الأمر الذي أدى إلى عزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات وتكون نسبة الإقبال ضعيفة في حدود 10 % وعلى الرغم من السماح للمستقلين بالترشيح بنسبة ضئيلة للاستفادة منهم في حشد الناس والأنصار لخدمة قوائم الجبهة فقد تم الالتفاف على هذا الأمر لإنجاح المتحالفين مع المسؤولين.
وفي عام 2003 قررت قيادة التجمع المشاركة في الانتخابات, على أن يتم تعديل قانون الانتخابات وإتاحة النشاط الانتخابي واللقاءات الجماهيرية غير أن السلطة أصرت على رفض تعديل القانون وتمت مقاطعة الانتخابات في ذلك الحين و في الانتخابات التالية ، إن عدم الاستجابة لتعديل القانون في عهد الرئيس السابق وفي عهد الرئيس الحالي يمثل إصرارا على شكلية الانتخابات وعلى كل حال فإن المؤتمر العام للتجمع ومؤتمرات أحزاب التجمع لابد تناقش هذا الأمر.
إن قضية الانتخابات التشريعية قضية هامة لأنها تقرر ممثلي الشعب الحقيقيين عبر التنافس بين المرشحين واختيار الأكفاء وقد لاحت الفرصة لحزب البعث في مجلس الشعب في الفترة ما بين 22 شباط 1971 و22شباط 1973 ، مع أن أعضاء المجلس تم تعيينهم لإقرار الدستور في فترة السنتين غير أن قرار التعيين لم يكن اعتباطياً فقد اختارت الأحزاب المشاركة في الحكومة والمجلس خيرة قياداتها ، وتم تمثيل حزب البعث في المجلس بأعضاء القيادة القطرية ، والأعضاء السوريين في القيادة القومية وحدث لأول مرة منذ استلام الحزب للسلطة أن وجد ممثلو الحزب أنفسهم وجهاً لوجه مع قوى أساسية مبدئية كانت في المعارضة ، وكان ممثلوها يعبرون عن رأيهم وقناعاتهم بجرأة وصراحة وموضوعية وبدأ نوع من التفاعل بين ممثلي الحزب وممثلي الأحزاب الأخرى انطلاقاً من اعتبارات وقناعات مبدئية معنية بمصالح الأكثرية الشعبية من العمال والفلاحين المنتجين وممثلي القطاع الاقتصادي والتجاري من الطبقة الوسطى ، وقد بلغ التفاعل حد خلط الأوراق بين ممثلي الأحزاب عبر التصويت المشترك في الكثير من التشريعات الاقتصادية والاجتماعية حتى أن النقاش حول المادة 8 من الدستور شكل قناعة لدى شريحة واسعة من ممثلي الحزب في مجلس الشعب أن هذا النص مخالف لميثاق الجبهة ونظامها الأساسي وعبروا عن قناعاتهم في الكواليس برغبتهم في التصويت ضدها غير أن عقلية الحرس القديم التي استاءت من هذا التفاعل قررت إلزام الأعضاء بالتصويت على المادة خلافاً لقناعاتهم التي تكونت خلال النقاش – تحت طائلة الفصل من الحزب – كما أن انتخابات الإدارة المحلية التي جرت في عام 1972 بنزاهة كانت محكاً لاختبار شعبية مرشحي الحزب وكفاءتهم وتراجع المرشحين الحزبيين الذين لا يهتمون بقضايا المجتمع والدفاع عن مصالحه .
أما تكرار الانتخابات بالطريقة الشكلية وضمان النجاح لقوائم السلطة بالتعيين المسبق فهو طريقة لا تبني حزباً ولا تحالفا جبهويا حقيقيا والتحدي الذي يواجهه النظام السياسي بهذا الصدد هو نموذج حزب العدالة والتنمية في تركيا الذي تمكن من الفوز في المرحلة الأولى في الانتخابات البلدية والمحلية وتمكن من خلال إنجازاته على هذا المستوى ، من الانتقال للفوز في الانتخابات التشريعية في ثلاث دورات ومن تشكيل حكومة تمثل الأكثرية التي حصل عليها وهو ينتقل من فوز إلى فوز بجهود أعضائه وتوسيع قاعدته الشعبية بحيث أعطاه الشعب التركي موقع القيادة بدون نص دستوري وحتى في إيران ثمة نموذجاً تتوفر فيه الملامح الديمقراطية بالتنافس بين تيار المحافظين وتيار الإصلاحيين.
إن استمرار تكرار الانتخابات بنفس الطريقة والأسلوب يوسع قاعدة العزوف لدى الناخبين طالما أن النتائج مقررة سلفاً ولا علاقة للناخبين بما يجري .
س12/ هل انتم على استعداد للدخول في حوار حقيقي ووطني مع النظام؟ وما هي شروطكم للانضمام إلى الجبهة الوطنية الحاكمة؟
ج / لقد سبق أن أجبت على هذا السؤال لصحيفتكم في حديث سابق ومع ذلك فان الحوار الوطني هو المدخل الضروري لحل القضايا والمشكلات الوطنية وبناء الوطن والتوصل إلى مشروع وطني للنهوض والبناء وانطلاقا من هذا الفهم وافقت قيادة التجمع الوطني الديمقراطي على الدعوة الموجهة لي كناطق باسم التجمع للقاء مع ممثل السيد رئيس الجمهورية في أواسط آذار 2001 كما قدمت محاضرة في منتدى جمال الاتاسي في بداية شهر أيار 2004 بعنوان (نحو مؤتمر وطني) أشرت فيها إلى ضرورة وأهمية عقد مؤتمر وطني شامل يضم ممثلين عن كل القوى والأحزاب السياسية والفعاليات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والنقابية في المعارضة والسلطة وحددت فيها الموضوعات الأساسية التي يمكن مناقشتها في المؤتمر ، وأشرت إلى أن المبادرة للدعوة إلى هذا المؤتمر بيد السيد رئيس الجمهورية واستشهدت بتجربة البحرين ، غير أن ما ورد في المحاضرة كان صرخة في واد لم تجد أذنا صاغية من المسؤولين ، بسبب بنية النظام وموقفه المناوئ للديمقراطية كطريقة وأسلوب حكم ، فالحوار الوطني يتطلب طرفين أو أطرافاً تنطلق من الاعتراف بالآخر وبالتعددية السياسية وقبول مبدأ المشاركة السياسية في حكومة وحدة وطنية في ظروف الأزمات والمخاطر أو مشاركة تيار المعارضة الوطنية في انتخابات ديمقراطية تتوفر فيها حرية الاقتراع والتصويت والنشاط الانتخابي على أساس البرامج التي تؤسس لبناء الوطن ومن ثم يشكل تحالف الأكثرية في المجلس التشريعي السلطة التنفيذية ويشارك تحالف الأقلية في السلطة التشريعية في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية ، ولابد من الإشارة إلى أن الجبهة الوطنية التقدمية بميثاقها ونظامها الأساسي الذي أقر عام 1972 وبأطرافها لم تعد قابلة للتجديد والتطوير وبخاصة في ظل المادة 8 من دستور 1973.
المصدر: المحامي حسن عبد العظيم –
الوطن القطرية