ثورة تونس

مفجّر الثورة… يحميها

أمين قمورية
غالبية دول المنطقة يقودها ديكتاتور وحزب حاكم ينفرد بالسلطة… لكنها لم تنتفض. مصر تعاني من قمع ومن جوع ومن فساد ولديها احزاب ونقابات وسبقت الجميع في توظيف الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في التحركات المطلبية… لكن شوارعها لم تعرف الثورة من زمان. ايران جربت الثورة الخضراء على الثورة الاسلامية اكثر من مرة من دون ان تحدث التغيير . ليبيا تعاني اكثر بكثير من جارتها الغربية، لكنها هامدة كصحرائها الكبرى. المغرب وموريتانيا وسوريا معظم سكانها من الشباب الذي يواجه البطالة المزرية وضيق نفس الحرية، لكنها ايضا لم تتحرك. إذن لماذا في تونس؟ الدولة التي نالت افضل علامات التقدير في الغرب، واقتصادها حر ومنفتح وسياحتها نشطة، وحياتها الثقافية مزدهرة، وحقوق المرأة فيها مصانة وكثيرة ومعدل النساء في برلمانها ومجالسها التمثيلية يقارب مثيله في فرنسا وبريطانيا، بالذات هي التي خرجت الى الشوارع، بالذات هي التي تنتفض وتنتصر انتفاضتها؟
ما حدث في البلد الاخضر ليس انتفاضة من داخل النظام على رأسه، ذلك ان اركان هذا المحفل الحاكم مجرد موظفين برتبة وزراء او مسؤولين ولا يتقنون سوى القدرة على مدح ولي نعمتهم فخامة الرئيس ولا طاقة لهم حتى على التفكير بالارتداد على سيدهم، ولا هو انقلاب عسكري وان كان الجيش التحق متأخرا بالمنتفضين حتى لا ينقسم على نفسه ويهمش، ولا هو من فعل احزاب المعارضة فهذه شظايا احزاب، وكانت في مواقع جد ضعيفة لا بل كانت منشغلة بالصراعات في داخلها وفي ما بينها. وحتما ليست ثورة دينية قادها رجال الدين وأئمة المساجد كما حدث في الثورة الايرانية او كما حاول البعض فعله في الجزائر. تونس احدثت قبل اي شيء ثورة في الفهم وسننتظر وقتا طويلا حتى نفهم ما حصل وكيف تمكن البلد الصغير من تحطيم التقاليد وارساء واقع جديد.
ليست الحكومة التي اعلنها امس رئيس الوزراء القديم الجديد هي الحل ولا هي التي قادت التغيير ولن تكون المستقبل الموعود، فالثورة لم تكن فقط ضد زين العابدين بل ضد محمد الغنوشي ايضا وضد الوزراء الذين اعادوا تكليف انفسهم متناسين انهم كانوا ظلا لزعيمهم المخلوع. وما تلطيف وجه الحكومة باضافة اسماء انصاف معارضين الى تشكيلتها سوى تلطيف لمشروع ثورة مضادة لثورة الياسمين.
الجيل التونسي الجديد بما فجره من طاقات نضالية هائلة وما اظهره من استعداد لا حدود له للتضحية هو وحده صاحب الحق في الادعاء بأنه مفجّر ثورة الياسمين، ومعه في ذلك الاتحادات المهنية والمنظمات العامة غير الحكومية التي استيقظت وايقظت الحياة العامة في الدولة بعد السبات العميق للسياسة والحركة المطلبية فيها. هؤلاء أعادوا الأمل ليس لتونس وحدها انما لنا جميعا بعدما ترسخ الانكسار فينا وماتت الروح، والاهم انهم اعادوا الاعتبار لقيمة الانسان. هم كانوا التنظيم الحقيقي والماء الذي سقى الياسمين حتى يفتح ويزهر، ومن حقهم اذاً ان تكون لهم الكلمة الفصل في شكل الدولة المقبلة والا تذهب تضحياتهم هباء او تترك لدهاقنة السياسة وانتهازييها ركوب موجتها للمتاجرة بها على عتبات المناصب والحصص.
وحتى لا ترتد ثورة الياسمين على اصحابها مثلما حدث في ثورات الورود الاخرى، وحتى تكون مثالا صالحا يحتذيه الاخرون الذين لا يزالون يعانون مثلما عانى التونسيين واكثر، يتعين الحفاظ على زخمها وصولا الى ارساء حكم ديموقراطي يليق بطموحات المنتفضين وبما بذلوه، ذلك ان اطاحة نظام قمعي لا تضمن بالضرورة الاستقرار او الحريات او الحكم الافضل بل تشكل فرصة يتعين تطويرها للوصول الى الاحسن.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى