شهادات عن أعداء الثورة التونسية
مصطفى نور الدين
ثورة الشعب التونسي جسدت وعي تاريخي ناضج ومعلم وملهم على صعيد الحركة والتنظيم. وما يظل هو أن يستمر هذا الوعي ويقاوم السقوط في حبائل بقايا النظام واستراتيجيات الغرب ودول الجوار المتعاونة مع الغرب.
فلابد من الإقرار بأن ثورة الشعب التونسي العظيم تتعرض للمحاصرة من قبل أعداء بالداخل والخارج. هذا ما يعي به الشعب ورفعته الشعارات التي نادى بها في كل المظاهرات التي جابت فرنسا ودول العالم لمساندة الثورة. فهذه الشعارات كانت: حرية.. علمانية.. ديمقراطية.. محاكمة كل مجرمي النظام السابق.
وما تشهده تونس اليوم هو مناقض لروح تلك الشعارات وللتضحية التي قدمها الشعب. فكل الشخصيات السياسية التي مازلت تتولى السلطة ضليعة في كل سياسات الطاغية بن علي ولا يمكن النظر لأي واحد منها باعتباره ممثلا لمطالب الشعب في أدنى الحدود. فأكثر ما يمكن أن يقدمه بقايا النظام هو تجميل الصورة وليس إحداث تغيرات جوهرية لحياة الشعب.
وقد وجهت بعض الأسئلة إلي مثقفين تونسيين مقيمين بتونس ويلعبون دورا قياديا في الواقع ليعطوا وجهة نظرهم فيما يحدث وطالبوا عدم ذكر الأسماء لأسباب أمنية والاكتفاء بالحروف الأولى. وتضمنت رسالتي هذه السطور التي جاءني تلك الردود عليها وتعذر وصول أخرى حتى الآن بعد اتصالي هاتفيا لعدم مقدرتهم على الاتصال بانترنيت وربما تأتي الردود لاحقا. كلمات رسالتي التي
أرسلتها بذات النص للعديد من المثقفين التونسيين
“فقدت الاتصال بالعديد من الأصدقاء التونسيين منذ 24 ساعة وأشعر بالقلق عليهم وأنا بحاجة لنقل بعض ما يحدث الآن بتونس للقارئ المصري في موقع البديل.
طلبت مني الأستاذة ك. ب. (مثقفة تونسية في المهجر كانت همزة الوصل): أن أتصل بك لتمديني ببعض المعلومات. أنا شخصيا لدي خشية على مسار الثورة من بقاء بقايا الحكم.. ولكن هناك مجموعة من الأسئلة.
ما رأي الشعب في أحزاب المعارضة وما قدرتها على تكوين مجتمع ديمقراطي جديد ؟
ما مخاطر تعاونها مع من بقى من النظام السابق ؟
ما هي الأحزاب التي تتمتع فعلا بثقة الناس وهل هناك برامج ممكن تطبيق على الأقل بعض بنودها؟
هل يمكن للنظام الحالي قبول المعارضة في داخله وبأي مقدار؟
ويمكن إضافة كل التفاصيل التي يمكن أن تفيد في إعطاء صورة صحيحة للمستقبل. طبعا لو وافقت فيمكن أن أذكر أسمك كمرجع أو إن فضلت الحروف الأولى فقط إذا كان هناك مخاطر في اللحظة الراهنة.خالص الشكر والمودة. وإلى الأمام.”
وتلك شهادة الأستاذ ح. ب.
“صديقي العزيز أشكرك على السؤال وأطمئنك على أحوال أغلب المناضلين الذين اعرفهم.
الأخبار تتواتر تباعا من الجهات لتؤكد وجود عصابات بقايا الفاشية الدستورية وهي تحاول إرهاب المواطنين وثنيهم عن التمسك بحقهم في التغيير. هنالك بعض المشاكل بدأت تظهر بعلاقة بالتموين وبالمحروقات والأدوية.
من الناحية السياسية هنالك فعلا مؤامرة ضد الانتفاضة من قبل بقايا نظام الحكم والعديد من الأحزاب الليبرالية بقبولها المشاركة في الحكومة الانتقالية المزمع إنشاؤها في القريب ومن الممكن الإعلان عنها يوم الاثنين القادم وحيث أن الحركة الشعبية رفضت بوضوح كل مقترحات رموز النظام البائد وها أن الأحزاب الليبرالية مثل الحزب الديمقراطي التقدمي وحركة التجديد ومنتدى العمل والحريات تمد أيديها إلى الدكتاتورية وتقبل بإنقاذها دون شروط جدية.
أما بالنسبة للجماهير فالبادي إلى حد الآن استعدادها للدفاع عن مكاسبها المحققة وهي أساسا رفضها لعودة الدكتاتورية ومقاومة رموز الفاشية بل حتى ملاحقتهم بدأت الآن مشاورات داخل صفوف اليسار من اجل تشكيل قطب موحد للتصدي لعملية التخريب الجارية الآن هذه المشاورات تجري
بين عديد الأطراف اليسارية أساسا حزب العمال الشيوعي التونسي والوطنيون الديمقراطيون وبعض الفرق اليسارية الأخرى وهذا رهاني الشخصي. مع التسليم بمحدوديته طبعا نظام الحكم قدم بعض التنازلات الضرورية للتمكن من ترميم صفوفه واستعادة أنفاسه وهنالك حديث عن تسليمه لحقائب وزارات سيادية للمعارضة ليضمن قبولها بالمشاركة في الحكومة الانتقالية .
المعطى السياسي الذي سيقلب المعادلة هو الدور الذي سيلعبه الاتحاد العام التونسي للشغل في هذه الترتيبات الجارية وهو يتكتم على موقفه إلى حد الآن. بالنسبة لذكر اسمي أرجو عدم ذكره إلا من خلال الأحرف الأولى فالوضع الأمني خطير جدا هذه الأيام. تحياتي صديق مصطفى”
أما شهادة المناضلة ع. أ.
” كل من ينخرط في مشروع تسويق رموز النظام البائد على أنهم مكونات “وحدة وطنية” يتناسى أنهم ببساطة وقفوا مثل القناصة و طيلة شهر يغتالون إعلامي و سياسي شعبنا فهم مع الطاغية الهارب. كما لا يمكن أن ننسى أنهم كانوا مساحيقه لتجميل وجه نظامه المتعفن. الحكومة التي سيعلن عنها الغنوشي غدا هي حكومة اغتيال ثمرة انتفاضة الحرية. شعبنا الذي قدم الشهيد تلو الشهيد و الذي أفشل مع الجيش مشروع الخراب يستحق حكومة تمثله و ليس نسخة رديئة من الماضي.
يا أستاذ مصطفي، هذا انقلاب على ثورة الكرامة في تونس
المعارضة الراديكالية أقصاها الدكتاتور و همشها و سجنها و الآن يعاد نفس السيناريو أو يعاد إنتاج نفس الوضع مع إقحام معارضة لا وزن لها على مستوى الواقع لولا تحالفاتها المشبوهة مع الرجعية الظلامية في شخص الغنوشي و منصف المرزوقي و تواطئها مع نظام 7 من نوفمبر لإفراز هذه التشكيلة على مستوى الواقع.
كل المناضلين الديمقراطيين و الوطنيين كانوا من يؤطر كل هذه التحركات و ما سبق و المسيرة التي تحولت لاعتصام انطلقت من ساحة محمد على لتكسر الطوق الأمني الرهيب لكن مناضلي الاتحاد و كل الوطنيين و كل الأحرار طبعا و الشبيبة و هم يطلقون عليها عفوية لكن عمليات التاطير تقام عبر النيت و المواقع الاجتماعية على الفيس بوك.
الاتحاد العام التونسي للشغل بقواعده المناضلة هو القادر الوحيد على تاطير تحركات الشعب لأنه يجمع كل الأطياف السياسية و خاصة اليسارية منها و التي رغم تشتتها تبقى المدافعة الوحيدة على مصالح الشعب رغم قياداتها البيروقراطية في بناء تونس وطنية و ديمقراطية.
و لنا الشوارع و الصدور العارية لندافع عن ثورتنا و لنفي بما عاهدنا به شهدائنا لكي لا نترك مؤامراتهم في سرقة ثورتنا تمر و ينعرج بها نحو ما قبل 14 جانفي (يناير).
النظام الحالي هو النظام السابق مع بعض المعارضة الضعيفة و البعيدة عن الساحة و لكن المعارضة الحقيقية وقع إقصائها ووقع الإبقاء على الدستور الذي حرفه بن على ليكون على مقاسه. سنواصل احتجاجاتنا حتى لا يقع الركوب على ثورة الكرامة و الحرية لا حل لنا إلا الشارع و صدورنا العارية. لا حرية إلا برحيل التجمع الدستوري الديمقراطي.” (أي الحزب الحاكم).”
تلك الشهادات السريعة تؤكد على الإحساس الذي نعتقد به وهو أنه من الصعب أن يتنازل النظام السابق الذي يتجاوز شخصية بن علي عن المصالح التي تمتع بها طوال عقود طويلة. وأنه سوف يعمل بكل الطرق لتفتيت الجماع الوطني باستخدام بعض الأحزاب ضد قوى المعارضة الجماهيرية.
ويضاف لذلك أن الدول الغربية وخاصة الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة لا تقبل إلا بتقديم القليل الذي يوهم بأن تغيرا جذريا قد حدث. فالروابط والمصالح التي تربط فرنسا مثلا بتونس كادت تؤدي إلى تقديمها مساعدة لحفظ الأمن الداخلي وذلك على لسان وزيرة الداخلية الفرنسية “اليو ماري” وأثار زوبعة داخلية من قبل الإعلام الفرنسي. وليس بمستبعد أن تقدم الدول الغربية مساعداتها للنظام التونسي بثوبه شبه الجديد لكيلا تتحول الثورة الشعبية إلى تهديد لمصالح الغرب وإستراتيجيته في المنطقة وخاصة لحصر الخسائر في بلد واحد وعدم امتداد الثورة إلى البلدان التي تسمى بالمعتدلة والمتحالفة مع الغرب في حروبه وتفتيته للبلاد العربية. فهذه البلدان العربية ويمكن أن نمدها أيضا إلى البلدان الإفريقية تشارك الشعب التونسي حالة البؤس بكل صوره وحكم الطغاة. وانتقال الثورة إليهم ليست بالمستحيلة فالتاريخ لا يعرف الحدود.