استثنـاء
عباس بيضون
ربما لكي لا نكرر السذاجة نفسها نتمهّل قبل أن نمحض انتفاضة تونس كل عاطفتنا، لا ننسى اننا نحن أيضاً في مأزق ولا نعرف ماذا ستأتينا به الأيام القليلة المقبلة. لم نصل بالهيّن إلى موهبة «التأني» التي نمارسها بصعوبة مثل أكل خبز قديم. لقد مرت هنا انتفاضة منذ سنوات وأنظر إلى ما نحن فيه الآن. لكننا مع ذلك في غيظ من أنفسنا لأننا نحترس ونعاند بتعمد اندفاعنا الغريزي. هناك فقط رقم القتلى الذي يبدو لنا جلياً ومفحماً، حين يملك نظام كل هذه الجسارة على القتل لا نتأسف لرحيله بل نشعر بأن في ذلك انتقاماً عادلاً. حين يندفع الناس رغم كل هذا الخطر، فلا بد أن هناك ما يستحق. نعرف أن نظام بن علي نظام أمني لكن الناس عندنا نحن العرب لا تثور من أجل الحريات. طالما قلنا ان الديموقراطية بلا قوى حتى في البلد الديموقراطي شبه الوحيد. البلد شبه الديموقراطي الوحيد في العالم العربي. بدأ الأمر بمسألة البطالة وهي ذاتها تقريباً في كل البلدان العربية لكن وعداً بمئتي ألف وظيفة في سنتين. وعداً بوظيفة أكيدة بعد بطالة سنتين لكل خريج لم ينجح في تهدئة الوضع. بقي المندفعون مندفعين، لقد لاحت مسألة أبعد مدى، مسألة الحريات. هل هذا هو الاستثناء العربي أم أن الوضع العربي كله بدأ يدخل في الاستثناء، هل باتت الشعوب تحاسب حقاً على الفساد والقمع. ماذا نفعل، إذاً بالستار البوليسي الذي يحيط العالم العربي، هل نتوقع إذاً انتفاضات في كل مكان، هل يعني ذلك ان الأنظمة ترتجف وان أول تحرك بعد الانتفاضة التونسية سيخنق بالحديد والدم. هل بدأ الحراك العربي أم اننا سنبقى دهراً آخر الديكتاتوريات الأخيرة في العالم. الديكتاتورية زائد الجهل زائد الانقسام الأهلي. ليست تونس الأكثر فقراً ولا الأقل تعليماً ولا الأكثر انقساماً، تونس قد تكون عكس ذلك كله، الطبقة الوسطى ليست ضعيفة فيها، والانتفاضة بدأت بالخريجين الجامعيين. هل يعني ذلك ان الطبقات الوسطى ستتكفل بالتغيير، هل يبدأ المد في تونس أم انها ستبقى، إلى أمد بعيد، استثناء. ثم ماذا بعد الانتفاضة، هل البديل العسكري أم البديل الديني جاهزان. لكن قبل أن ندخل في جحيم الأسئلة. انتصرت الانتفاضة التونسية، هرب الديكتاتور. هـذا يكفـينا إلى الآن.
السفير