ثورة تونس

هل “تتتونس” المنطقة العربية؟

سعد محيو
هل “تتتونس” (من تونس) المنطقة العربية؟ وهل نشتم رائحة الزنبق والرياحين بعد الياسمين التونسي في بلدان المغرب والمشرق؟
ليس من الحكمة ولا العقلانية القفز إلى استنتاجات متسرّعة . وهذا لسببين: الأول، تباين الظروف الموضوعية (الاقتصادية  الاجتماعية والتعليمية  الديموغرافية) التي تعيشها كل دولة عربية على حدة . والثاني، اختلاف ظروف المعايير والقوانين التي تُقاس بها مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية في هذه الدول .
بالنسبة إلى السبب الأول نجد، على سبيل المثال، بوناً شاسعاً بين أوضاع دول عربية يتمتع بعضها بدرجة من المقبولية الشعبية ومستوى مرتفع من التقديمات الاجتماعية، وبين دول أخرى التي يفتقد معظمها إلى هذين العاملين معاً .
كذلك، ثمة فروقات في طبيعة الحكم السياسي في الدول العربية، على رغم أنه كله سلطوي . فالجزائر لا يحكمها رئيس فرد كما كان الأمر في تونس، بل شبكة من الجنرالات التي تُحرّك اللعبة من وراء الستار . والحكم في بعض الدول أمني وليس شخصياً، هذا في حين أنه قَبَلي في اليمن، وطائفي في لبنان، وعشائري في الأردن .
وعلى صعيد معايير وقواعد الانتقال إلى الديمقراطية، قد يكون مفيداً هنا استحضار روح صموئيل هانتينغتون، ليس بالطبع في كتابه “صدام الحضارات” بل في مؤلفه الأكاديمي الأول “الموجة الثالثة: الدمقرطة في أواخر القرن العشرين” . ففي هذا الكتاب الأخير يضع هانتينغتون المعايير التالية للانتقال الناجح إلى الديمقراطية: مستوى تعليم مرتفع، وتمدين (من مدن) كبير، واندماج في العولمة، وفوق كل ذلك ارتفاع الدخل الفردي إلى أكثر من 2000 دولار سنوياً .
حين ندقق في هذه المعايير، نجد أن دول أوروبا الشرقية التي ركبت هذه الموجة الثالثة في الستعينات، امتلكت كل هذه المعطيات أو معظمها . وهكذا فعلت تونس أيضاً التي تجاوز فيها دخل الفرد الأربعة آلاف دولار، وحظيت بمعدلات تعليم بلغت 80 في المئة، فيما ثلثا إنتاجها المحلي الإجمالي ذهب إلى أسواق العولمة في أوروبا . في المقابل، لا تصل كل الدول العربية، ما عدا دول الخليج ولبنان، إلى نصف هذه المعايير، ولا تزال تعاني إما من تدهور أوضاع الطبقة الوسطى فيها أو من ارتفاع معدلات الفقر .
ظروف الدول العربية، إذاً، غاية في التباين . ومع ذلك، ثمة عامل آخر قد يدخل على الخط ليشكّل معياراً قائماً بذاته ولذاته: “ثقافة المواطنة”، التي ستكون القاسم المشترك الجديد بين تونس وبقية السرب العربي .
ماذا يعنيه هذا التعبير؟
إنه يعني أن الشعوب العربية وبعد ردح طويل من الضياع في غياهب الصراعات الإيديولوجية العقيمة، وبعد عقود من “تأجير” حرية المجتمع المدني إلى الحكومات السلطوية مقابل “تحرير” الأمة وتوحيدها، قررت استعادة هذه الحرية ومعها حقوق الإنسان والأمن الإنساني والديمقراطية .
ثقافة المواطنة هذه هي الرسالة الكبرى التي أطلقتها ثورة الياسمين، والتي سرعان ما تردد صداها في كل المنطقة العربية . هذا لايعني أن معايير هانتينغتون سقطت، فهي تبقى أدوات مفيدة لدراسة كيفية تطور عملية الدمقرطة، بيد أن هذه المعايير لم تعد كافية وحدها لتفسير ما جرى في تونس وما سيجري في بقية البلدان العربية .
قد لا نشتم قريباً أوسريعاً رائحة الزنبق والورود في البلدان العربية، لكن عدوى ثقافة المواطنة تفرض علينا أن نُعدَ أصيص الزهور، ومن الآن .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى