حوار مع كبير الباحثين في مؤسسة كارنيجي عمرو حمزاوي: الإطاحة بالرئيس التونسي بن علي درس لبقية الأنظمة العربية
تونس…ولادة ثورة، لإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي يمثل درسا هاما لبقية الأنظمة العربية السلطوية، التي ترفض إجراء إصلاحات ديمقراطية وإقتصادية. تتلاحق الأحداث في تونس والانتفاضة الجماهيرية تتواصل…ما هي الذروة التي يمكن أن تصل إليها الانتفاضة الجماهيرية في تونس؟
من الواضح أن الاحتجاجات التي بدأت في تونس منذ أسابيع، وتطورت بصورة تصاعدية خلال الأيام القليلة
الماضية، مستمرة، رغم تنازلات كبيرة في السياق التونسي من قبل الرئيس بن علي، الذي اضطر أخيرا إلى التنازل عن السلطة، خاصة بعد أن أصبح لهذه الاحتجاجات ديناميكية خاصة، بمعنى أن هناك مطلب واضح للتغيير. كما ساد شعور واسع بأن الرئيس والنظام متورطون في الفساد وبالتالي كان من الصعب استبعاد توقف هذه الاحتجاجات قبل الإطاحة بالرئيس لن على. وهناك أيضا قضية الدماء الكثيرة التي سالت في الشوارع التونسية والتي بلغت حدا يجعل من الصعب علي كمراقب أن أتوقع عودة الأمور كما كانت عليه من قبل فقط بمجموعة من الوعود الرئاسية. أعتقد أن ما سال من دماء كثير وتراجيدي للغاية.
هيمنت الاضطرابات التي تشهدها المنطقة العربية هذه الأيام على منتدى المستقبل في الدوحة، حيث حذرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون القادة العرب من أن الشعوب “سئمت الفساد”.. لأي مدى تجد هذه التصريحات متسقة مع السياسيات الأمريكية الفعلية في المنطقة ؟
الحديث الرسمي الأمريكي عن سأم الشعوب من الفساد، وأهمية التغيير والإصلاح لا يرتبط في واقع الأمر كثيرا بالسياسيات الأمريكية الفعلية على الأرض لأنها لها منظومة كبيرة من الأولويات والمصالح، واحدة منها وربما في مرتبة متأخرة هي التحول الديمقراطي في العالم العربي. هذه المصالح أيضا تراجعت خلال الفترة الماضية، لأن الإدارة الأمريكية الحالية لا تمتلك رؤية واضحة لكل أزمات المنطقة. هو إذا حديث رسمي متوقع ولكن غير ذي فائدة كبيرة على الأرض.
الولايات المتحدة تدعم تلك الأنظمة التي تصفها بـ “المعتدلة” والتي سئمت منها الشعوب.. ما تعليقك على ذلك؟
هنا مربط الفرس، لأن واشنطن تربطها علاقات تعاون وتحالف إستراتيجي مع عدد من النظم العربية الحاكمة، الموصوفة، فيما يخص سياساتها الإقليمية والدولية بالاعتدال، لكنها داخل بلدانها وتجاه شعوبها، تتعامل بمنطق أوتوقراطي وسلطوي، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ الجزائر وتونس ومصر والأردن والسعودية. القضية الكبرى هنا أن الولايات المتحدة لا توظف أوراقها بفاعلية للضغط على هؤلاء لدفع التغيير إلى الأمام، ناهيك عن أنه في نهاية الأمر، وكما تثبت التجربة التونسية، فإن التغيير لا يتأتى سوى بنشاط وحراك داخلي.
وهل تعتقد بإمكانية “انتقال العدوى” بالدرجة نفسها من تونس إلى الجزائر والمغرب ؟
هي ليست عدوى، بل هو أمر طبيعي جدا، هؤلاء مواطنون يتظاهرون للمطالبة بحقوقهم الأصيلة، حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية ومحاربة للفساد وحريات مدنية. فيما يخص بإمكانية تكرار هذه الاحتجاجات في دول عربية أخرى، نعم بكل تأكيد. الظروف الموضوعية هي نفسها، ذات النسب الخاصة بمعدلات الفقر والبطالة والفوارق بين الأغنياء والفقراء، تجديها في الجزائر والمغرب ومصر والأردن، وفي عموم العالم العربي، ربما مع ظروف سياسية أقسى، كما هو الحال في سوريا والسعودية، على سبيل المثال. أما الاستثناء الوحيد فهي دول الخليج الصغيرة، لأن لديها من أموال الوفرة النفطية ما يمكنها من رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي لغالبية مواطنيها.
Bild vergrössern لو عدت بالذاكرة إلى تونس قبل شهرين، لم يكن لأحد أن يتوقع لهذا أن يحدث بالطبع كنت أقصد بالعدوى عدوى إيجابية وليست سلبية.. لكني كنت أسأل عن انتقال الأمر من مطالب اجتماعية إلى سياسية وبالدرجة نفسها التي تحدث في تونس.. هذا هو السؤال.
بكل تأكيد يمكن لأي احتجاجات اجتماعية أن تتحول إلى مطلب سياسي، هذا يمكن أن يحدث في الجزائر أو المغرب، لأن الظروف الموضوعية والسياسية قائمة من ناحية غياب الديمقراطية والحريات بمعناهم الحقيقي. لكن هناك درجة من الخصوصية في الحالة التونسية، لأن الدولة البوليسية التونسية ليست متكررة. هناك درجة من القمع وبوليسية الدولة تكاد تكون متفردة في شمال أفريقيا. لا تجدين ذلك في مصر ولا الجزائر ولا المغرب. هذه النظم أكثر رحمة بشعوبها عن الحالة التونسية. وأضع هذا بين علامتي تنصيص.
بالحديث عن مصر.. والتي تشهد اضطرابات من كل لون.. طائفية.. سياسية.. حزبية.. اجتماعية.. كيف ترى إمكانية تجاوب النظام الحاكم الآن مع المستجدات الطارئة من حوله ؟
مصر تشهد منذ سنوات، على نطاق أكثر محدودية من الحالة التونسية، احتجاجات اجتماعية منذ بداية الألفية الجديدة. كما تشهد انتخابات سياسية متصاعدة، قبل وبعد الانتخابات. لكن عدد المشاركين في هذه الاحتجاجات والقوى التي تقف وراءها محدود للغاية إذا ما قورن بالحالة التونسية. مصر تشهد أيضا أعمال عنف طائفي متصاعدة، الحوادث تتكرر، بما يهدد التماسك المجتمعي. فأنت أمام مجموعتين من التحديات، سياسية واجتماعية، من ناحية، وهناك قضايا طائفية من ناحية أخرى
أعتقد أن الشعوب في سائر الدول العربية ستنظر بإعجاب للتجربة تونسية هل ستشهد مصر مثيلا لما تشهده تونس الآن ؟
أعتقد أن هذا أمر من الصعب على أي باحث في العلوم السياسية أن يتوقعه قبل حدوثه. لو عدت بالذاكرة إلى تونس قبل شهرين، لم يكن لأحد أن يتوقع لهذا أن يحدث. هذه مفاجآت تخرج بها الشعوب ليفاجئوا بها النظم السلطوية. قد يحدث ذلك في مصر لأن الظروف الموضوعية متوافرة، وقد تستمر مصر على حالة الاستقرار الحالية، وهو استقرار هش، تكتشفي مدى ضعفه في اللحظات الحرجة، لحظة وقوع تفجير ما، لحظة وقوع مواجهات مباشرة بين الدولة وقطاع من المواطنين.
أخيرا.. هل ترى أن اللحظة الحالية مواتية لانتفاضة عربية كبرى؟ وهل بالضرورة يمكن أن يصاحب تلك الانتفاضة الإصلاح المرجو ؟
أنا ضد أن نصف الأمر بانتفاضة عربية. الأمر ليس متكررا إلى اللحظة الحالية. أنت أمام انتفاضة تونسية لها خلفياتها في المقام
الأول. هناك شيء من هذه الاحتجاجات يحدث على نطاق أضيق في الجزائر ومصر والأردن، لكننا لسنا أمام انتفاضة عربية. وإذا نجح المواطنون في تونس بالفعل في صناعة التغيير في دولة كان نظامها البوليسي شديد القمع، أعتقد أن الشعوب في سائر الدول العربية سيتنظر بإعجاب للتجربة تونسية، وستحاول اقتفاء أثرها. الجميل فيما يحدث في تونس، أن الانتفاضة لا ترفع لافتات سياسية كبرى. لست أمام شعار “الإسلام هو الحل”، لست أمام “زعيم واحد”، ولست أمام دعوات للتحرير أو مقاومة الغرب، نحن أمام يافطات شديدة الإنسانية : “حقوق المواطن” وهذه مسألة رائعة أتمنى أن نتعلم منها جميعا في العالم العربي.
أجرت الحوار – أميرة محمد
مراجعة: لؤي المدهون
هل هناك بدائل لنظام زيد العابدين بن علي؟
“اضطرابات تونس.. غليان لن يفضي إلى تغيير”
رغم الغليان الذي تشهده الساحة التونسية، يستبعد المراقبون إمكانية الحديث عن وجود بدائل حالية لرأس النظام القائم، مؤكدين أن الاحتجاجات يحركها الشارع، ولا ضلوع للمعارضة فيها، ببساطة لأن كل المقاليد في يد النظام الحاكم. أميرة محمد استطلعت آراء بعض المحللين حول المستقبل السياسي للنظام التونسي.
حوار مع الحقوقية التونسية سهام بن سدرين حول الاحتجاجات في تونس:
التشغيل استحقاق يا عصابة السراق
تشهد تونس منذ السابع عشر من ديسمبر الماضي موجة احتجاجات اجتماعية، انطلقت شرارتها الأولى في مناطق مهمشة من البلاد قبل أن تتسع رقعتها لتشمل كامل التراب التونسي. النظام التونسي، ورغم فداحة الوضع، فضل الهروب إلى الأمام.
حوار مع السجين السياسي السابق في تونس المحامي محمد عبو:
لا يُمكن بناء ديمقراطيّة في تونس في ظلّ الرئاسة مدى الحياة
في أوّل مقابلة صحفيّة مكتوبة يُجريها بعد خروجه من السجن في أواخر يوليو/تموز 2007، تحدّث محمد عبّو عن ذكرياته في السجن وعن موقفه من تدخّل وزارة الخارجية الأمريكية والرئيس الفرنسي للإفراج عنه وعن رأيه في الدعوة للتمديد للرئيس التونسي ل5 سنوات إضافيّة في الحُكم