ثورة تونس

هل الثورة التونسية أولى ثورات تويتر؟

يرى الكاتب الأميركي إيتان زوكرمول أن الإنترنت كان له نصيب في إسقاط الحكومة التونسية، وأشار بمقال في مجلة  فورين بوليسي أن ما حدث في تونس قد تكون له تداعيات على بقية دول المنطقة التي تعاني نفس مشاكل تونس.
ويقول الكاتب، وهو أحد كبار الباحثين بمركز بيركمان للإنترنت والمجتمع والمؤلف المشارك لموقع غلوبال فويسيس “الأصوات العالمية” الذي كان يراقب الأحداث منذ اندلاعها بتونس، إن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ركب طائرته وتوجه إلى مالطا تاركا رئيس وزرائه لمواجهة الاحتجاجات والمتظاهرين الذين اكتظت بهم الشوارع مطالبين بتغيير الحكم في هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا.
وكانت الاحتجاجات اشتعلت قبل أسابيع من ذلك بمدينة سيدي بوزيد عندما أقدم محمد البوعزيزي، وهو شاب خريج جامعي وعاطل عن العمل، على الانتحار بسبب مصادرة وتدمير الشرطة للعربة التي كان يبيع عليها الخضار.
وتسبب يأس الشاب -يواصل الكاتب- في تفاقم الإحباط الذي يشعر به العديد من التونسيين الذين كانوا يشعرون بتراجع وضعف اقتصاد بلادهم, وارتفاع مستويات البطالة وعدم المساواة أو تكافؤ الفرص فضلا عن الرقابة المفروضة على الإنترنت ووسائل الإعلام، ناهيك عن الفساد الذي يضرب أطنابه.
ومع انتشار الاحتجاجات بالمدن التونسية واشتداد زخمها، عرض بن علي الذي حكم البلاد ثلاثة وعشرين عاما, تنازلات لشعبه، منها التنحي في 2014, وإجراء انتخابات جديدة خلال ستة أشهر. ولكن كل هذا فشل في تهدئة وإرضاء الجماهير التي حصلت في النهاية على ما كانت تبتغيه في وقت لاحق من ذلك اليوم وهو تخلص تونس من بن علي.
ومن جهة أخرى، يؤكد أن الثورة  التي أطاحت بدكتاتور عربي وشاهدها العالم العربي عبر قناة الجزيرة التي كانت تغطي المظاهرات عن كثب، قد تكون له تداعيات في العديد من الدول بالمنطقة التي تعاني من نفس المشاكل التي دفعت التونسيين إلى الخروج للشوارع، مثل البطالة وبطء التنمية وفساد الحكومات والدكتاتوريين الطاعنين في السن.
وأشار الكاتب في مقاله إلى المظاهرات التي وقعت في الجزائر والأردن مطالبة بالحصول على الوظائف وخفض أسعار المواد الغذائية.
اهتمام إعلامي
ولم تحظ أحداث تونس -يواصل زوكرمول في مقاله-باهتمام كبير بوسائل الإعلام خارج منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الفرنكوفونية, بمثل ما حظيت به انتخابات الرئاسة في إيران عام 2009. فعندما اندلعت مظاهرات سيدي بوزيد, كان تركيز المناطق الناطقة بالإنجليزية ينصب على عطلة عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة, وعندما اشتدت المظاهرات سخونة كانت أنظار الأميركيين منصبة على إطلاق النار الذي حصل في توكسون–إريزونا.
وحتى لو حصلت أحداث تونس خلال شهر يعاني من شح الأنباء فإنه من غير المرجح أن تكون تغطيتها حظيت باهتمام كما حصل مع أحداث إيران التي أثارت اهتماما دوليا أكبر, وكان للجالية الإيرانية المهاجرة نفوذ إعلامي بالخارج ساعد في نقل احتجاجات ومظاهرات عام 2009  إلى المشاهدين على الساحة الدولية.
ويقول الكاتب إن المهاجرين الإيرانيين كانوا   ناشطين وفعالين في الترويج للحركة الخضراء عبر الإنترنت من خلال نشر أخبارها عبر مواقع تويتر وفيسبوك وأشرطة الفيديو، علاوة على المئات من المواقع ومحركات البحث التي تم إعدادها من أجل مساعدة الإيرانيين على التخلص من الرقابة المفروضة على الإنترنت بالنسبة لمستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية.
وكانت المظاهرات في إيران حادثا عالميا لا يمكن تجاهله, على النقيض مما حصل في تونس التي لم تحظ بدعم أو اهتمام مشابه من مجتمع الإنترنت.
ولكن الكاتب الأميركي يقول إن وسائل الإعلام الاجتماعية لعبت دورا مهما في أحداث تونس الشهر الماضي, مشيرا إلى أن حكومة بن علي كانت تحكم قبضتها على كافة أشكال وسائل الإعلام وعلى الاتصالات الإلكترونية وغيرها, ومنعت المراسلين من السفر إلى سيدي بوزيد لتغطية الأحداث بينما وصفت وسائل الإعلام الرسمية الأحداث إما بالإرهاب أو بأعمال تخريب.
وحصل التونسيون على صور من مصدر بديل هو فيسبوك الذي لم يخضع للرقابة أثناء المظاهرات، وتمكنوا من إرسال ونشر الأحداث إلى بقية أنحاء  العالم عبر إرسال أشرطة الفيديو إلى يوتيوب وديليموشن, ومع انتشار القلاقل انطلاقا من سيدي بوزيد إلى صفاقس ومن الحمامات إلى العاصمة أقدم التونسيون على توثيق الأحداث على فيسبوك.
ويرى أن نشر أخبار الاحتجاجات في مناطق أخرى من البلاد على الإنترنت, قد ساعد في إقناع بقية التونسيين بأن الوقت قد حان للخروج إلى الشوارع, كما أن أشرطة الفيديو والنشر عبر مواقع وسائل الإعلام الاجتماعية وفرت صورة جديدة ومستمرة عما يجري في تونس إلى مختلف أنحاء العالم.
وتكمن أهمية وسائل الإعلام الاجتماعية في تونس -وفق الكاتب- في محاولات الحكومة للسيطرة عليها وإسكاتها, وكان هذا البلد يفرض رقابة مشددة على الإنترنت منذ 2005, ولم يغلق المواقع السياسية فقط وإنما وسائل التواصل الاجتماعي أيضا مثل خدمة ديلي موشن وأشرطة الفيديو التلفزيونية.
وأشار الكاتب إلى أن الناشطين التونسيين كانوا على درجة عالية من الخبرة بالتقنية، وقاموا بنشر أشرطة فيديو استفزازية على الإنترنت من ضمنها  شريط يوثق رحلات السيدة الأولى العديدة للتسوق بأوروبا مستخدمة الطائرة الرئاسية.
ولم تكتف السلطات التونسية بمراقبة المضمون والمحتويات فقط, بل إنها بدأت الصيف الماضي بشن هجمات على حسابات فيسبوك وغيميل عن طريق إدخال رمز حاسوب خبيث على صفحة الدخول لتلك الخدمات من خلال مزود خدمة الإنترنت الذي تسيطر عليه الحكومة، وحاولت عيون بن علي الحصول على الرقم السري لتلك الحسابات الإلكترونية وتمكنت من مراقبة الناشطين والحصول على قوائم البريد الإلكتروني للناشطين المفترضين.
دروس
ويرى الكاتب أنه حينما تزايدت حدة أعمال الشغب الأسبوع الماضي, بدأت الحكومة في اعتقال نشطاء الإنترنت البارزين ومن بينهم زميلي في غلوبال فويسيس “الأصوات العالمية” سليم عمامو الذي تمكن من كشف كلمة السر الحكومية “أطلق سراح عمامو ليل الخميس دون أن يصاب بأذى”.
ويتساءل الكاتب الأميركي قائلا: إذا كان الإنترنت خطرا على الحكومة فلماذا لم يغلق النظام التونسي موقع فيسبوك أو حجب خدمة الإنترنت بالكامل؟ فمن الأهمية بمكان إدراك أن بن علي كان أولا وأخيرا رجلا براغماتيا, وكان يبحث في وقت متأخر من يوم فراره عن حل يبقيه بالسلطة, وعرض تقديم تنازلات على أمل أن تهدئ المحتجين ويرضيهم.
ويقول “من المرجح أن يبدأ المفكرون بالاحتفال بثورة تويتر في تونس حتى لو أخفقوا في مشاهدة انطلاقها, فقد أعاد أندرو سيلفان من أتلانتك إطلاق العبارة الرهيبة يوم الخميس, في الوقت الذي كان الآخرون يبحثون عن صلة بين ما حصل من أحداث في تونس وبين برقية ويكيليكس التي عبر فيها دبلوماسي أميركي عن إحباطه ويأسه من بن علي، وكذلك إنكار القيام بهجمات على مجموعة من ناشطي الإنترنت من قبل مجموعة مجهولة الهوية كانت تهاجم الجهات التي تحاول وقف نشر برقيات ويكيليكس مثل الحكومة التونسية.
وخلص الكاتب إلى أنه لا يمكن حصر التغيير السياسي في عامل أو عنصر وحيد, سواء كان تقنيا أو اقتصاديا أو غيره, فالتونسيون خرجوا إلى الشوارع بعد عقود من الإحباط واليأس, وليس كردة فعل على برقيات ويكيليكس أو إنكار الهجمات لحرمانهم من الخدمات أو ما ينشر في فيسبوك.
ويواصل الكاتب في مقاله “لكننا تعلمنا كثيرا من أحداث الأسابيع القليلة الماضية, وسنكتشف أن وسائل الإعلام الإلكترونية لعبت دورا في مساعدة التونسيين في التعرف على ما كان يقوم به زملاؤهم من المواطنين، وفي صنع القرار لتحريكهم، وأما مدى قوة وأهمية ذلك التأثير فهو أمر سيمضي الأكاديميون سنوات قادمة في دراسته ومناقشته.
ويضيف “ليس الباحثون وحدهم هم من يريدون أن يعلموا أن كانت وسائل التواصل أو الإعلام الاجتماعي لعبت دورا في التعجيل بنهاية نظام بن علي, وربما ستكون تلك نقطة ساخنة رئيسية للنقاش في عمان والجزائر والقاهرة، في الوقت الذي يتساءل فيه الزعماء الاستبداديون الآخرون إن كان لهيب أتون البطالة المتزايدة ومظاهرات الشوارع ووسائل الإعلام الإلكترونية يمكن أن يجعل منهم وقودها القادم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى