ثورة تونس

يوم حرر المدونون تونس

حالة من الفرح والفخر يشعر بها المدونون العرب، بعد فرار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي من بلاده، والزخم الكبير الذي ناله التدوين العربي إبان أحداث تونس، وتصدر هذا النشاط الإلكتروني واجهة الإعلام في الشرق الأوسط والعالم.
كان الصوت خفيضا في تونس، البلد الذي أغلق المنافذ على المعلومة، ومارس حجبا إلكترونيا، وتجسسا على بيانات المستخدمين للشبكة العنكبوتية. الأمر الذي جعل اختراق جدار التعتيم هذا مهمة شاقة، ومحفوفة بالمخاطر في آن معا.
المدونون التوانسة في بلادهم وفي المهجر، كان لهم دورهم في التعريف بما يحدث في وطنهم، من عمليات انتهاك لحقوق الإنسان، ولحرية تداول المعلومة. ويشار هنا إلى مدونين أمثال: سامي بن غربية، سليم عمامو، لينا بن مهني، سفيان الشورابي، ياسين العياري، وسواهم. دون أن يغفل دور موقع متقدم مهنيا مثل “نواة“، عمل بشكل إحترافي قبل الأحداث الأخيرة، وأثناءها، وواكب مجريات العهد الجديد. وجميعها جهود تعاضدت مع أنشطة شبابية على يوتيوب، وتويتر، والفيسبوك، حيث أنشئت حسابات ومجموعات، تواكب المستجد لحظة بلحظة، ومنها مجموعتي “شعب تونس يحرق في روحو يا سيادة الرئيس“، و”وكالة أنباء تحركات الشارع التونسي“، وسواهما من المجموعات الأخرى، وإن كانتا الأبرز بين قريناتهما، لمصداقية الأخبار المنشورة، وسرعة التغطية، واعتمادهما على مصادر ميدانية، ونقابية، وحقوقية متنوعة.
Nawawt.org
الجهد التونسي عاضده نشاط لمدونين عربا آخرين، كتبوا بعدة لغات: العربية، الفرنسية، الإنجليزية، والعبرية. فضلا عن تضامن من مدونين أجانب، كتبوا بلغات العالم الحية، ما جعل الصوت التونسي “المقموع”، يصل لشريحة كبيرة جدا حول العالم، رغم تجاهل سياسي وإعلامي له، في بدايات تحركاته.

مجموعة “أنونيموس” كان لدخولها هي الأخرى في “السباق الإلكتروني” بين الحكومة التونسية ومناوئيها، كان له أثر في لفت أنظار وسائل الإعلام العالمية، بعد أن قامت المجموعة باختراق مواقع حكومية، وضعت بها رسائل تضامن مع الشعب “المنتفض” ضد حكومته.
المنافسة كانت على أشدها أيضا بين الإعلامين الجديد والتقليدي، حيث اضطرت الفضائيات والصحف الورقية، وحتى الإلكترونية منها، إلى أن تستعين بمواد “المواطنين الصحافيين”، الذين ضخوا كمية معلومات هائلة، في فترة زمنية وجيزة.
شخصيا، كنت أتابع هذه الحركة من داخلها، وكنت أقوم بالكتابة كمدون، وصحافي في آن معا، عبر تغطية خاصة على صفحتي بموقع “تويتر“، من خلال نشر المعلومات، والصور، ومقاطع الفيديو. في مواكبة متواصلة استمرت أياما، أستطيع القول من خلالها، إن المدونين سبقوا وكالات الأنباء العالمية، والفضائيات العربية، في كثير من الأخبار.
كل ما سبق جهود صبت في صالح حركة الشعب التونسي، وساعدت في إيصال صوته إلى العالم، وفي تشكيل رأي عام مساند لمطالب التونسيين الحقة، كما كسرت حاجز الخوف، وعودت الناس على قول رأيهم بشجاعة وبأساليب متعددة، دون تردد.
لكن الأمر المهم، الذي يجب أن يعيه المدونون، أن ما جعل النظام يتغير في تونس، هم الشعب، والمتظاهرون الذين نزلوا إلى الشوارع في المحافظات والمدن والقرى، والشباب الذين استشهدوا وأصيبو، والآخرين الذين انتحروا، مقدمين أجسادهم قربانا، وجسر عبور لحرية ذويهم.
هذه المعنى فهمه بشكل صحيح المدون ياسين العياري، حين قال “اللي جابو لنا حريتنا الشعب“!، وهو ما أكده أيضا في أكثر من مداخلة المدون الموريتاني ناصر ودادي.

إن محاولة “تبجح” بعض المدونين وكأنهم هم من أزاح بن علي عن كرسي الرئاسة، لهو أمر “مضحك”، وهو سلوك دفع المذيع بقناة “الجزيرة” علي الظفيري، لأن ينتقد هذا السلوك، قائلا “حدثت مبالغات في تعظيم شأن وسائل الاتصال الحديثة مثل الشبكات الاجتماعية في ما حدث في تونس، ورغم أهميتها، يظل الشارع هو رافعة التغيير الحقيقية”.
إن التدوين لو كان هو الرافعة الرئيسة للتغيير، لحدث تغيير منذ سنوات في مصر -على سبيل المثال- حيث أكثر دولة عربية يتواجد بها مدونون، يتحلى كثير منهم بالجرأة والشجاعة. إلا أن الكتابة في تويتر، والمدونات، والفيسبوك، ورفع الصور على “فلكر”، ونشر الفيديو عبر “يوتيوب”، ليس أمرا كافيا لوحده، ما لم تعاضده حركة شعبية حية، ونشاط نقابي ومدني سلمي، وحراك سياسي يتوسم القانون، ملتزما به، وداعيا بقوة إلى تطبيقه.
التونسيون لديهم منذ فترة طويلة آلاف الهواتف النقالة، وكاميرات التصوير الرقمية، والحواسيب المحمولة، إلا أن الذي تغير، هو وجه الشارع الذي تبدلت ملامحه، لذا أصبحت اللقطة المصورة تحمل معنى مختلفا ومغايرا. وإلا فالعدسة هي ذاتها، وجهاز التسجيل هو ذاته، ما قبل “الثورة” وما بعدها.
إن الناس في تونس حملت هواتفها النقالة ونزلت إلى الشارع، وتظاهرت واعتصمت، وفي ذات الوقت دونت، وارسلت تغريداتها من أرض الحدث، وبذلك استطاعت أن تصنع الفرق، وأن تبدل قواعد اللعبة.
http://hasantalk.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى