واذا ابتليتم بالمعاصي فانتفضوا
كامل عباس
-2-
بدأت الكتابة في العام الجديد تحت هذا العنوان – واذا ابتليتم بالمعاصي فانتفضوا – وقد انهيت أول مقال كما يلي :
(هذه ليست دعوة للانتفاض على الوضع القائم في العالم . انا من القائلين بان الثورة هدم وبناء وهي لاتناسب عصرنا أبدا , عصرنا يحتاج الى اصلاح يتم فيه يناء على البناء . انها قراءة موضوعية للواقع الحالي وتحذير من الاستمرار فيه الذي سيؤدي الى الانفجار في أماكن عديدة …)
انفجر الوضع كما هو معلوم في تونس , وقبل أن أدخل في معالجة انتفاضة شعبها الجبار أردت ان اعرض بإيجاز بعض الملاحظات التي استندت عليها في تحليلي للوضع في تونس او في الدول العربية ( المرشحة للانفجار على الطريقة التونسية ) كل منها على حدة . والتي سأتطرق لها مستقبلا
1- ان استبداد الدول العربية لم يعد خطرا على شعوبها فقط , بل أصبح عبئا على الاقتصاد العالمي .
2- ان غرور راس المال المالي بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ومحاولة خلق عالم على صورته بواسطة قنابله كما جرى في العراق أنعش الاستبداديون ومدهم بدم جديد , ولسان حالهم يقول : ان كنتم تريدون الديمقراطية على الطريقة الغربية انظروا إليها في العراق .
3- ان الإرهاب الذي يضرب العالم هو رد فعل سلبي على انقسام المجتمع الحاد بين أغنياء وفقراء, ومعالجته بالطريقة العسكرية ستزيد من أوار ناره بدلا من ان تخمده . والآن تفرز تلك المجتمعات إرهابا ايجابيا – اذا صح التعبير- يتمثل في حرق كثير من الفقراء أنفسهم احتجاجا على وضعهم المعاشي .
………………………………………………
كتب الكثيرون عن انتفاضة تونس على صفحات موقع النداء , وأنا هنا أحاول ان أضيف من دون ان اكرر, وأعتبر كتابتي استمرارا لكتابات الأصدقاء . أخص منهم بالذكر الصديق العزيز عبد الحفيظ حافظ ( أبو محمد ) فقد كان في كتابته من العمق والحرارة والصدق ما يكفي .
كل الانتفاضات التي جرت في العصر الحديث كان سببها انقسام المجتمع الحاد بين الحكام والمحكومين , حكام بيدهم السلطة والثروة , وحولهم وحواليهم أجهزة غارقة في الفساد والنهب ,لتصل الأمور بالنهاية الى ازمة اقتصادية او اجتماعبة او سياسية يليها انفجار المجتمع .
اول واهم هذه الثورات هي
1- الثورة الفرنسية
كانت فرنسا قبل عام 1789 مجتمعا إقطاعيا ارستقراطيا أساسه امتياز الولادة والثروة العقارية , وكانت طبقة النبلاء والاكليروس تتمتعان بحقوق تقليدية معروفة يؤمنها لهما الحكم الملكي القائم على نظرية الحق الإلهي . بمواجهة النبلاء والاكليروس شكّل باقي الشعب ما يعرف بالطبقة الثالثة التي كان يقع على كاهلها النظام الضريبي الجائر , ضريبة الرأي وضريبة الملح وضريبة العشر وضريبة المكوس ….الخ
لا تزال الثورة الفرنسة تلهم الأجيال ليس في اوروبا بل والعالم من اجل النضال ضد كل ما هو رجعي وفاسد ومعاد للإنسان وحقوقه وخاصة الملوك ولا تزال أقوال الكثير من ثوار فرنسا تدوي في أذان الملوك الحاليين
(الملوك في النظام المناقبي هم الوحوش في النظام الطبيعي . فالبلاطات هي مصنع الجريمة ومدبغة الفساد , وتاريخ الملوك هو تاريخ شهداء الأمم . كل ملك هو مغتصب ومستبد )
2- الثورة الروسية :
كانت روسيا أوائل القرن العشرين إمبراطورية مترامية الأطراف , ونتيجة للتفاوت الهائل بين غنى القيصر وحاشيته وأعوانه , وبين فقر باقي فئات الشعب , بدأت أحداث ثورة عام 1905 بمظاهرة عمالية في بطرسبورغ يقودها كاهن تطالب بالخبز , فاستقبلها جنود القيصر بالرصاص و وتمكنوا من سحق الثورة وشق القوى السياسية وعدم تقديم أي تنازلات للشعب في البلاد مما جعل من انتفاضة 1905 بروفا لانتفاضة 1917.
3- الثورة الايرانية :
تتشابه الثورة الإيرانية مع الثورة الروسية والفرنسية من حيث انتفاضة الشعب ودوره في فرض عملية التغيير الاجتماعي , فالجماهير الايرانية الذي واجهت أجهزة الشاه لا تقل أصالة واستعدادا للتضحية عن جماهير الثورة الروسية والثورة الفرنسية .
ولكن ماذا جرى للثورات الثلاث ؟
الثورة بالنهاية أكلت أبناءها وانتهى الأمر الى حكام جدد لا يقلون حماقة احيانا عن الحكام السابقين .
في فرنسا حكام يدعمون الملوك في كل مكان بشكل مباشر او غير مباشر .
في روسيا حكام للكثير منهم صفة عصابات المافيا .
في ايران الولي الفقيه يحكم باسم الحق الالهي .
تختلف فرنسا عن غيرها بأنها أصبحت دولة ديمقراطية كسائر دول الغرب تضمن ديمقراطيتها تداول السلطة وتحل مشاكلها عبر الانتخابات الدورية , وبالتالي لا يمكن لأي دولة ديمقراطية ان تصل فيها الأمور الى حد الثورة , في حين لم تستطع دول الشرق تجاوز بنيتها الاستبدادية مما يجعلها مرشحة لانتفاضات عديدة كما حصل في تونس .
تتميز انتفاضة تونس بأنها جاءت ضمن نظام عالمي جديد راكمت فيه حضارة الجنس البشري ثقافة عن الانسان وحقوقه بشقيها الاقتصادي والسياسي , وهذا ما يعصمها برأيي عن ان تاكل أبناءها مستقبلا , فالعالم كله يتعاطف معها , هذا لايعني أبدا ان نجاحها مضمون , والا تأكل أبناءها . كل ذلك وارد . فقد يحتاج شرقنا العربي الى اكثر من انتفاضة وأكثر من انتكاسة حتى يقطع بنيته الاستبدادية الراكدة ويلحق بركب الدول الديمقراطية . لكن ماجرى ويجري في تونس من قبل شعبها يبعث على الأمل بان تكلل ثورتها بارساء دعائم حكم على أساس المواطنة وتداول السلطة .
الأمل يكبر في عيون أبناء شعوبنا العربية عندما يستمعون الى ممثل حزب العمال الشيوعي التونسي الى جانب ممثل حركة النهضة الإسلامية وهما يتعهدان على ان تكون تونس مستقبلا دولة مدنية تعددية لانقصي أحدا من تياراتها السياسية .
– هنا مربط الفرس – أن يتعاون الدينون والعلمانيون في بلداننا من اجل التحليق بقضية الانسان كما يحلق الطائر في الجو بجناحين بدلا من ان يتراشقا بالتهم كما جرى في الماضي وبدفع من الأغنياء ومؤسساتهم ووسائلهم الأيديولوجية .
موضوع الدين الإسلامي تحديدا له حضوره في تاريخنا الشرقي ويجب الا يستبعد منه أي تيار يقبل الآخر ويرفع القاعدة الفقهية التي رُفِعتْ أيام الخليفة عمر – تغير الأحكام بتغير الأحوال – فقط يجب ان نستبعد من انتفاضاتنا كل من يقول بإقصاء الآخر ليجعل شعاره الاسلام هو الحل او الماركسية هي الحل – سيان – .
اعتقد ان هذا هو الطريق الذي يجعل الثورة في تقدم مستمر وبدون ان تأكل أبناءها مستقبلا .
– اللاذقية