وهل كانت لديهم أخلاق!؟
محاسن الحمصي
في حديث سريع أجرته قناة فرانس 24 مع محمد الغنوشي رئيس الحكومة المؤقت لتونس الثورة ردا على المكالمة التي تلقاها من حاكمه المخلوع قبل أيام أجاب ان مساعديه اخبروه ان هناك شخصية مهمه على الموبايل تريد محادثته ولم يكن يعرف انه زين العابدين بن علي وان أخلاقه لم تسمح له باغلاق الخط فاضطر للحديث معه ..! كيف لرئيس حكومة جديد واع يتسلم زمام مسؤولية بلد يغلي على صفيح ساخن، يعد بالاصلاح والحفاظ على الانقلاب التاريخي وحقن غضب الشارع
ان تهتز ركبتاه خوفا وهلعا وأخلاقه لا تسمح، في حين لم تهتز شعره من جسد الرئيس المخلوع وهو يشتم رائحة شواء جسد البوعزيزي تدخل من نوافذ وأبواب قصره العتيد احتجاجا على كرامة مهدوره وجوع كافر وظلم سافر، بل سارعت (ليلاه) الى البنك المركزي وسحبت اطنان من الذهب «سواء أكان الخبر صحيحا ام مبالغ به» وقضت على ما تبقى من مال شعب يئن تحت وطأة التجويع والتركيع..وزيارة مجاملة لشاب يحتضر احتراقا للوطن وحب الوطن، فهل كانت لدى ذلك التمثال المكسور أخلاق حين امتص دم شعبه لعقدين من الزمن؟
مادام الغنوشي «رغم اعتراف الجميع بنزاهته، حنكته، ثقافته، حبه لتونس، وسعيه للتوفيق
بين الاحزاب والكتل، وخلق تونس جديد» يحمل تلك المولاة والرهبة من حاكم اصبح لاجيئا سياسيا مرفوضا جملة وتفصيلا، فلا يجوز تولي مهام الحكومة وان كانت مؤقته، فالشعب الصابر لايمكنه الخروج من تحت الدلف لتحت المزراب، أو الثقة بمن يضم اذيالا من الحرس القديم في تشكيلة وزارية مشكوك بحسن نواياها، ولمَ لا يوجد بديل له لتولي المنصب، حتى يحين موعد الانتخابات!؟
احد الاصدقاء حذرني من مغبة الكتابة عن الغنوشي والحكومه المؤقته، او أحداث تونس مادمت لست وسط الحدث، ولا ارى عن قرب الحقائق والتفاصيل المبالغ بها، وان ذلك شأن تونس الداخلي، فهل حقا ثورة تونس اليوم شأن داخلي؟ ..لا تعطي درسا وعبرة؟ أين اذن المناداة بوحدة الصف العربي والتلاحم الانساني والمطالبة بحقوق الانسان، والحرية والرخاء؟ او التعبير عن راي المواطن العربي المضطهد، المشتت، والمهدد بالحروب والتقسيم والتهجيرواخماد كل انتفاضة يحاول القيام بها، والتخلص من المحتل اينما وجد. كيف لا نتدخل في الشؤون الداخلية لتونس الشقيق، والتي هزت ثورته الاموات في قبورهم فرحا واثارت الاعجاب؟!
في جرأة التصميم على استرداد الحقوق وكسر القيود وباتت هاجس دول تشكو الظلم، تنتظر العدالة، والعيش الكريم وحفظ كرامة مواطنيها؟ نحن مع اهلنا في تونس قلبا وقالبا نشاركهم الفرح بانتصار الارادة والترح في وقوع قتلى وجرحى ثمنا للحرية المنشودة. والكل يدرك ان محاولة اجهاض الثورة والالتفاف على مضمونها من اتباع وازلام الرئيس المخلوع لن يسمح بها الشعب الذي مازالت دماء مواطنيه تروي أرضه المباركة ولن تجف الا بحكومة عفيفة نظيفة، خالية من الدسائس والمندسين بين صفوفها، ارضاء لرئيس مخلوع يتابع الأحداث من منفاه وينتظر فشل الثورة، شامتا بالخلافات، راقصا على اصوات البنادق والرشاشات، مبتهجا لسقوط قتلى، مزغردا لقناص او حليف له، بعد ان تخلى عنه حلفاؤه الصهاينه، ومن شيد على أرض تونس القصور الفاخرة والهياكل والمعابد، وكتم اصوات الحرية!
البوعزيزي افتدى شبابه وكان الشعلة التي احترقت لتضيء سماء تونس، وان خالف الدين والشريعه في تحريم الانتحار باية طريقة الا انه ارتضى غضب الله، والله غفور رحيم، وهو عالم الغيب والشهادة، فكانت الانتفاضة التي اخرجت تونس من الظلمات الى النور، وكانت انتفاضة حركت الكراسي المخملية، وانذرت قلوبا غافية عن حب الشعوب، بأن هناك الاف مؤلفة من الشباب المتحفز الناقم والغاضب والمهمش المستعد لاحراق الاخضر واليابس في سبيل الكرامة قبل لقمة العيش .. البوعزيزي قال كلمته ومضى لا ليكون قدوة في انتحار او احتراق بل قدوة حرية اخافت الحكام، فهبوا جميعا من سبات عميق، وبدأت تتكشف للشعوب اللعبة في ايجاد الحلول والوعود الفورية التي ستنفذ قبل مظاهرات وتهديد واعتصامات لرياح تغيير محتملة! فجأة بدأت الوجوه المهمة تطل على الفضائيات، الشخصيات النافذة تربت على الاكتاف، وتبتسم في حنان، فجأة انخفضت الأسعار «وان كانت عالمية الارتفاع»، وأعلنت حالة تأهب قصوى في دعم ومساعدة ذوي الدخل المحدود، وفجأة اصبحت هناك ميزانيات، وجمعت المليارات «سبحان الله واين كانت قبل اسابيع؟» فرص عمل، واهتمام بشباب عاطل ممن يقف طوابير على ابواب السفارات، ومن يرتجف بردا وخوفا على مراكب غير شرعية ويموت غرقا في البحار، ومن اعتقل ودخل السجن على مدونات او كتابات! في خلال اسبوع بات الشباب العربي في الواجهه والشغل الشاغل للانظمة العربية التي صحت وانتبهت وارتعدت خوفا من جيل لن يسكت ولن يرحم وسيحاسب ويطالب وينزل الى الشارع، ليسقط حكما، ويدحرج راسا، ويكسر صنما!
البوعزيزي فتح باب جرد حسابات بطريقته، والشباب العربي ذكي، متعلم، ولديه من الوعي ما يجعله يصل الى اهدافه عن طرق بديله، حاسمه وجازمه، ويعرف ان الكلام لم يعد يجدي وان القرارات التي تتخذ لمستقبل مشرق لا تمرر من تحت الطاولات، وليست حبرا على ورق ما أن تهدأ الاوضاع حتى تذوب. لن تخدره البيانات، التصريحات، والمؤتمرات العاجلة، فالثقة بينه وبين الحكومات مفقودة وحبل الكذب بات قصيرا، والأسوار العاليه مهما علت ستهدم على اصحابها، وصوت الحق ابدا لن يغيب او يغييب، فقد طفح الكيل، والسكوت على الباطل، باطل، لن تسامح الام الثكلى حكومة، ولن ترحم ارملة سياسة، ولن يشب يتيم على ضيم رئيس مؤقت او دائم ليس من الشعب ومع الشعب يسير.
كاتبة من الأردن