صفحات العالم

نـذيـر سـوء

ساطع نور الدين
تأخرت صحيفة »نيويورك تايمز« الاميركية أو لعلها ترددت بعض الشيء قبل ان تعلن امس عن دعمها للمرشح الديموقراطي للرئاسة باراك اوباما، وتتوج حملة تأييد واسعة من الاعلام الاميركي لاول رجل اسود يقترب بخطى حثيثة من البيت الابيض… ويثير انقساما سياسيا واجتماعيا وعرقيا يزداد حدة يوما بعد يوم بين الاميركيين.
وهو تقليد قديم في الصحافة الاميركية ان تعبر كل صحيفة بصراحة ووضوح وبلا أي تحفظ عن موقفها المؤيد لمرشح ما، وان تفاخر بهذا الموقف الذي يبدو في بعض البلدان المتقدمة خروجا عن الحياد والموضوعية، وتدخلا سافرا في سلوكه السياسي، ونوعا من الارشاد والتوجيه المذموم في الاعلام. وقد سبقت لعشرات من كبريات الصحف الاميركية التي تميل في الغالب الى الديموقراطيين، وتعكس نزعتهم الليبرالية، ان اعلنت تأييدها لاوباما الذي رأت في ترشيحه ثم في وصوله الى البيت الابيض ذروة التعبير عن حاجة اميركا الى تغيير جدول اعمالها اليميني المحافظ، والى التصالح في ماضيها العنصري، والانكفاء الى همومها الداخلية، والتواضع في طموحاتها الخارجية.
لم تشذ صحيفة »نيويورك تايمز« المرموقة والمؤثرة، عن هذه القاعدة. لكن ترددها حتى الايام الاخيرة من الحملة الانتخابية، لم يكن فقط دليلا على عمق ذلك الخلاف داخل اسرة التحرير التي انضم اليها مؤخرا عدد من الكتاب المحافظين، وابرزهم والأسوأ فيهم طبعا وليام كريستول الذي لم يعد يخفي عنصريته تجاه »العامة«، بل كان ايضا مؤشرا على ذلك الانقسام العميق داخل المجتمع الاميركي الذي يعتبر ان البقاء مع الجمهوريين ومرشحهم الكهل جون ماكين مخاطرة كبرى، ويعتقد ان الذهاب مع اوباما مجازفة اكبر.
لكن »نيويورك تايمز« التي سبق ان دعمت هيلاري كلينتون، غامرت في تأييدها أوباما بإبداء رأي مثير ومخالف لبقية الصحف الكبرى. قالت ان المرشح الاسود نجح منذ مدة في اختبار الجدارة، وبات مؤهلا للقيادة ولتشكيل »إجماع وطني« ضروري لحل مشكلات الامة الاميركية… وهي عبارة غير مألوفة في السياسة او الصحافة الاميركية، التي لم يسبق لها ان واجهت مثل هذا التحدي، اي تحدي الاجماع الذي تنشده في العادة دول متصارعة سياسيا ومفككة اجتماعيا، او ربما مهددة بحروب اهلية، والذي كانت اميركا ولا تزال تبذل جهودا حثيثة لاخفائه او احتوائه.
أكثر من ثلثي الاعلام الاميركي المكتوب والمرئي والمسموع بات يدعم اوباما. وهي نسبة توازي الاجماع في معايير الدول الديموقراطية… وتعادل الكشف عن ازمة خطيرة داخل المجتمع الاميركي الذي لم يسلّم تماما بفكرة وصول مرشح من الاقليات الى الرئاسة الاولى، ويعتبرها تحديا من جهة، او تدهورا من جهة اخرى، لكنها لا تحظى بالاجماع الذي تتحدث عنه الصحافة الاميركية، وتعتبره عنوانا رئيسيا على جدول الاعمال الاميركي المقبل.
ليس من باب الطرافة ابدا القول ان هذا الجنوح الاعلامي نحو دعم اوباما يثير الخشية من امكان هزيمته، لأن اكثر من ثلثي المرشحين الذين ايدتهم الصحف الاميركية الكبرى سقطوا في الانتخابات. وسجل »نيويورك تايمز« بالتحديد حافل في دعم اسماء عديدة، آخرها جون كيري وآل غور وكثيرون غيرهم ممن لم يطأوا عتبة البيت الابيض!
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى