صفحات الحوار

حوار مع زياد ماجد يوضح الخلافات الداخلية في حركة اليسار الديمقراطي في لبنان

null

زياد ماجد: النظام السوري جعل حياتنا صعبة عن طريق الإرهاب وحزب الله دولة مصغّرة داخل الكيان اللبناني

أجرى الحوار زهرة حنقير

شارحاً اختلاف وجهات النظر داخل حركة اليسار الديمقراطي

تناول زياد ماجد موضوع الخلافات الداخلية في حركة اليسار الديمقراطي، وآماله من مستقبل هذه الحركة، ووضع الأحزاب اليسارية في لبنان، وآراءه حول حزب الله والأزمة السياسية الحالية.

إلى جانب إنجازه حالياً أطروحة الدكتوراه في العلوم السياسية في فرنسا، كان زياد ماجد يشغل سابقاً منصب نائب رئيس حركة اليسار الديمقراطي. وقد درس الاقتصاد والآداب العربية في الجامعة الأميركية في بيروت والعلوم السياسية في معهد العلوم السياسية في باريس، ويتمتّع بخبرة واسعة النطاق. شارك ماجد في وضع أوّل تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أعقاب الحرب الأهلية في لبنان، وألّف كتاباً عن بيروت في ربيع العام 2005 وكتيباً ضمّنه اقتراح برنامج لليسار في لبنان في العام 2007. من هنا، قام موقع الإلكتروني بمحاورة هذا الشاب الأكاديمي والسياسي لمناقشة موضوع الخلاف الداخلي ومستقبل الحركة اليسارية الديمقراطية، ووضع الأحزاب اليسارية في لبنان ولمعرفة رأيه في الأزمة السياسية الراهنة.

: لقد شغلت سابقاً منصب نائب رئيس حركة اليسار الديمقراطي. فلماذا تنحّيت عن هذا المركز؟

زياد ماجد: تنحّيتُ لسببَين. الأوّل شخصي. فأنا أقيم حاليّاً خارج لبنان لسبب أكاديمي ولأسباب أخرى أيضاً. وأعتقد أنّه يتوجّب على نائب الرئيس أن يتواجد دائماً في البلاد. أمّا السبب الثاني فسياسي. فأنا، على الرغم من موافقتي على كون حركة اليسار جزءاً من تحالف 14 آذار – لجهة الدفاع عن استقلال لبنان ضد النظام السوري، وضدّ محاولات حزب الله وحلفائه فرض وجهات نظرهم وخياراتهم – أعتقد أنّ على حركة اليسار الديمقراطي تقديم بدائل لكثير من الممارسات القائمة والخطابات السائدة. ويتوجّب على هذه الحركة في بعض الأحيان اتّخاذ القرارات السياسية حتى وإن لم تكن تتماشى مع بعض مواقف 14 آذار.

ما طبيعة الإنقسام الداخلي في حركة اليسار الديمقراطي، وما سيكون أثر هذا الانقسام على التطور المستقبلي للحزب؟ وهل هناك من اختلافات واضحة بينك وبين أمين سرّ الحركة النائب الياس عطاالله؟

وجهات نظر مختلفة

ماجد: إنّ أمين سرّ الحركة، النائب الياس عطاالله، ناشط وديناميكي، وكرّس وقته وجهده خلال السنوات الماضية للعمل السياسي. ولكن هناك وجهات نظر مختلفة داخل الحركة، والعديد من الرفاق والرفيقات لا يوافقون على بعض المواقف التي يعبر عنها.

من حيث المبدأ، هذا لا ينبغي أن يؤثّر على تطوّر الحركة، لا سيّما أن ما اتّفقنا عليه جميعنا عند تأسيسها في العام 2004 هو اعتماد نموذج يسمح باختلاف وجهات النظر وبتشكيل تيارات يمكن تمثيلها في الهيئات الوطنية المُنتخبة حيث يتمّ اتخاذ القرارات.

وخلال المؤتمر الأخير للحركة في نيسان/أبريل من العام 2007، لم نتمكّن أنا وإلياس خوري – وهو عضو مؤسس وقيادي في الحركة وشخصيّة بارزة على الصعيد الثقافي اللبناني – من المشاركة، وقرّرنا عدم الترشح للانتخابات . ومع ذلك، عملنا، ولا نزال نعمل، مع عدد كبير من الأعضاء، بمن فيهم كتلة “إلزم اليسار” الشبابية التي انتُخبت في اللجنة الوطنية (وحازت على نحو %30 من أصوات الأعضاء في لبنان وعلى %58 من أصوات الأعضاء المتواجدين خارج لبنان والذين شاركوا في التصويت عن طريق الإنترنت) لإعداد الوثائق السياسية والاقتصادية حول الحالة في لبنان، ولإصدار البيانات عند الضرورة، ولتنظيم النشاطات الثقافية.

ومن أجل شرح أبرز نقاط الاختلاف مع الرفيق النائب عطالله والقيادة الحالية، أستطيع قول ما يلي:

أوّلاً، في حين يشكّل الصراع من أجل الإستقلال الأولوية القصوى اليوم، فإنّ دور حركة اليسار الديمقراطي (والذي نعتبره يساراً وسطياً في الجانب الاقتصاديٍ) يقوم برأينا على العمل أيضاً على تقديم الأفكار والاقتراحات والإصلاحات اللازمة في هذا البلد اذا ما أردنا بناء دولة حديثة وحماية استقلالنا.

ويستلزم هذا الأمر أفعالاً سياسيةً ترافق النضال الاستقلالي مثل السعي لاعتماد مشروع قانون انتخابي يقوم على، أو يضمّ، التمثيل النسبي، والضغط من أجل إقرار قانون اللامركزية الإدارية التي يمكن أن تعزّز السلطات البلدية وتضعف المحسوبية والزبائنية؛ وعرض خطط لضمان استقلالية السلطة القضائية؛ والالتفات الى السياسات الإجتماعية والاقتصادية، وإلى وضع الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية، والضمان الاجتماعي، واحترام البيئة وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، والحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين، ورفض أي شكل من أشكال الرقابة السياسية والثقافية والدينية

وهذه القضايا هي للأسف غائبة عن اهتمامات المسؤولين ونقاشاتهم.

ثانياً، ينبغي على حركة اليسار الديمقراطي أن تكون واضحة في موقفها من العلمانية، سواء في المجالات السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية. وهذا الموضوع ليس من باب الترف رغم عدم شعبيته.

صحيح أنّ المقاربة اليسارية السابقة للطائفيّة كانت – ولا تزال في مواقف بعض الأحزاب والحركات – سطحية وتبسيطية من حيث قراءة الاجتماع السياسي في لبنان. ولكن الصحيح أيضاً أنّه إذا كنّا لا نفهم أن الأزمات المستمرّة هي ناجمة جزئياً عن النظام الطائفي ولا نسعى إلى تحليل عجزه عن إيجاد بعض الحلول لها داخل مؤسسات الدولة، نكون قد فقدنا أجزاء هامة من الصورة التي تتيح لنا أن نستوعب ما نعيشه منذ العام 2006، ونقع بالتالي في نفس التبسيط (من الجانب المقابل هذه المرة) الذي يعتمده اليساريون الذين يعتبرون أنّ كل الشرور تتأتّى من الطائفية نفسها!

وأعتقد أنّ القيادة الحالية في حركة اليسار الديمقراطي وقعت في فخ التبسيط هذا. على أنني لا أؤيّد بأي شكل الدعوات إلى الخروج من 14 آذار للتخلي عن التحالف مع “القوى الطائفية” التي يطلقها بعض “اليسارويين”، ولا مشكلة لديّ في القول بأنّنا متحالفون مع هذه القوى في النضال من أجل استقلال لبنان في وجه النظام السوري وحلفائه، ولكنّ تطلّعاتنا بالنسبة لمستقبل البلد ونظامه السياسي مختلفة عن تطلّعاتها

ثالثاً، على حركة اليسار الديمقراطى اعتماد خطابٍ واضحٍ ومتماسك لا يتبدّل مع تقلّبات بعض الحلفاء. إنّ هذا لا يعني أنّ التكتيكات غير ضرورية ولا أن تغيير وجهات النظر أو تطوير الآراء أحياناً خطيّئة. ولكن هذا يعني أنّه عندما يتعلّق الأمر بقضايا أساسية، فإنّ الوضوح والانسجام في الرأي يشكّلان ضرورةً لا سيّما من قبل حركة كحركتنا “رأسمالها الرمزي” ومصداقيتها السياسية تفوق أهمية تأثيرها الحقيقي على أرض الواقع. من هذا المنطلق، نحن لسنا مضطرّين إلى تكرار نفس الكلام الذي يردّده حلفاؤنا. هم قادة لطوائف وليس فقط قادة لأحزاب، ولديهم في بعض الأحيان اهتمامات وحسابات مختلفة. ويمكنهم أيضاً الإنتقال من موقف الى آخر دون الخوف من مساءلة أنصارهم لهم (الذين يحافظون على عصبية الولاء لمواجهة عصبيات الطوائف الأخرى).

لا بدّ من اعتماد موقف متماسك، سواء لجهة كيفيّة قراءة انتخابات وتحالفات العام 2005، أو كيفيّة التعامل مع حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري والتيار العوني، أو كيفية التعامل مع الانتخابات الرئاسية، واحترام الدستور وطبيعة السلطة السياسية المدنية في لبنان

وهناك اختلافات أخرى أيضاً، ولكن حتى الآن، نعمل جميعاً على التعايش معها!

ما موقفك من حزب الله، مع الأخذ في الاعتبار وجهات نظرك حيال المقاومة وفقاً لما نُشِرَ في بيان صدر لكم عن حرب تموز؟

ماجد: أعتقد أنّ حزب الله يشكّل ظاهرةً معقّدةً جدًّا. فهو في الوقت نفسه حزب سياسي لبناني يشارك في المجالس البلدية والبرلمان وقد شارك مؤخّراً في الحكومة (إلى أن استقال وزراؤه)، وهو منظمة عسكرية مدربة ومجهزة تجهيزاً جيّداً من قبل إيران. كما أنّه شبكة مؤسسات اجتماعية وتعليمية ودينية تعمل على تكوين عقلية جيل كامل من الشيعة “وتهندس” الحيّز العام التي يشغلونه خصوصاً في ضواحي بيروت الجنوبية.

علاوة على ذلك، نجح حزب الله في السنوات الأخيرة في توسيع شعبيته شيعياً بسبب كفاءة مقاومته ضدّ اسرائيل في التسعينات، وبسبب تفاقم التوترات الطائفية في المجتمع اللبناني في السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة.

وبالإضافة إلى هذا كلّه، فإنّ حزب الله متورط في صراعات إقليميّة باعتباره حليفاً قوياً، وأحياناً اداةً قويةً، لإيران وللنظام السوري.

لهذا السبب أعتقد أنّ حزب الله يجسّد حقيقتَين مختلفتين في آنٍ واحدٍ: أوّلها حقيقة “الدولة المصغّرة” داخل الكيان اللبناني، وهي دويلة تملك مؤسّساتها وجيشها القوي وسياستها الخارجية، والثانية حقيقة الحزب السياسي الشيعي الذي يمثّل جماعته في النظام الطائفي اللبناني.

حقيقتا” حزب الله

فيما يتعلّق “بحقيقته” الأولى، أعتقد أنّ حزب الله يمثّل تهديداً حقيقياً للمجتمع اللبناني – على الأقل كما أراه كمواطن علماني – ويشكّل عقبة رئيسية (ولكنها ليست الوحيدة) أمام بناء الدولة الحديثة في البلاد.

أمّا بالنسبة لحقيقته الثانية، فإنّ الحزب يتصرّف بطريقة “مألوفة” في تاريخ لبنان الحديث، إذ يحاول زيادة تأثيره على مؤسسات الدولة الرسمية وكسب مزيد من التمثيل فيها لحماية دويلته وما يعتبره “حقوق جماعته”. وفي هذا، للأسف، عدم استخلاص من قبل قادة حزب الله للدروس المرة المستقاة من تجارب زعماء الجماعات الأخرى ماضياً. والأسوأ من ذلك/ أنّهم لا يعترفون بالضرر الذي تسببوا به في البلد جرّاء تحالفهم مع النظام السوري، عدو سيادة لبنان واستقراره.

أعتقد وبكلّ تواضع أنّ مقالاتي التي نُشِرَت في صحيفة النهار منذ سنوات، ومقابلاتي على شاشة الـ

LBC

حول حزب الله و”مسألة الشيعة” في لبنان كانت من بين أولى المداولات حول هذا الموضوع. وأنا أتمسّك بكل كلمة سبق أن قلتها.

ومع ذلك، أعتقد أن الموقف في حرب تموز/يوليو 2006 التي اندلعت في أعقاب عملية حزب الله وراء الخط الأزرق، كان ينبغي ان يتعدّل، لأن ما جرى كان خطيراً على لبنان، لا من حيث الدمار والخسائر التى نجمت، وهذا بديهي، ولكن من حيث التأثير على الوضع الداخلي، وعلى الديناميات الاجتماعية والتعاقدية بين اللبنانيين

وقد كانت قوى 14 آذار محقّةً في إدانة حزب الله لاتّخاذه قرار شنّ حرب دون استشارة اللبنانيين حولها، وفرض نتائجها على كافّة الشعب اللبناني، مما شكّل مصدر استفادة سياسيّة حصرياً للنظام السوري ولإيران. ولكن، عندما شنّ الإسرائيليون عملياتهم الهمجيّة ضد لبنان وأبنائه واقتصاده والبنية التحتية، وبعدما حصلت هذه العمليّات على تغطية شاملة (وأحياناً تشجيع) من قبل الإدارة الأميركية، كان يتوجّب على فريق 14 آذار اتّخاذ مواقف تدين الإستراتيجية الأميركية الداعمة للاعتداءات الإسرائيلية، والتركيز على مسألتين: وقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط، وتحرير الأراضي اللبنانية التي احتلّها الجيش الإسرائيلي حديثاً. كان هناك تردد في البداية في المطالبة بهاتَين المسألتَين، وشكّل الإجتماعان اللذان عُقِدا مع وزيرة الخارجيّة الأميركيّة رايس ومساعدها دايفيد ولش في خضمّ الحرب خطأً فادحاً. ولهذه الأسباب، قمتُ ورفيقي الياس الخوري بإصدار بيان عن الحرب. فنحن لم نتمكّن من البقاء صامتين، وكان رأينا أنه، وبغض النظر عن حزب الله وعن الأنظمة الاستبدادية الراعية له، فإنّ مواجهة اجتياح الأراضي اللبنانية واجب تتحمّله كافّة المؤسسات الوطنية.

للأسف، لم يفهم الجميع في ذلك الوقت ضرورة تحديد الأولويات في المواقف، ولم تساعد غطرسة حزب الله وسلوكه العدوانيّ تجاه جزء كبير من اللبنانيين في خلق وحدة وطنية وأرضية مشتركة لمواجهة الحرب والتحديات التي نشأت فيما بعدها.

خلاصة هذا الموضوع، أودّ القول أنّني ما زلت أعتقد أنّ الحل الوحيد لوقف استخدام لبنان كصندوق بريد بين إيران والنظام السوري والولايات المتحدة يأتي من خلال وضع تعريف واضح لمواقفنا في المنطقة. ولبنان لا يسعه برأيي سوى أن يكون حيادياً بالكامل تجاه المحاور الإقليمية المتصارعة (والتي لا تتصارع من أجل الحقوق الفلسطينية الشرعية كما يدّعي البعض)، وأن يدعم في الوقت عينه القضية الفلسطينية عن طريق الدبلوماسية والسياسة والإعلام والثقافة وسائر الأدوات السلمية، ليس فقط بسبب عدالة هذه القضية، وإنّما أيضاً لمصلحة لبنان نفسه.

لذا يتوجّب على مقاتلي حزب الله الذين قاتلوا بشجاعة وبكفاءة ضد الإسرائيليين، أن ينضمّوا إلى الجيش اللبناني. أمّا احتكار الأسلحة واستخدامها، فضلاً عن قرارات الحرب والسلام فينبغي أن تكون في يد الحكومة اللبنانية وحدها… لكن وبكلّ صدق، وبسبب ما أشرت إليه آنفاً حول حقيقة حزب الله المزدوجة وولاءاته الإقليمية، لا أرى إمكانيّة تحقيق هذا الأمر في وقت قريب….

أزمة اليسار في لبنان

هل يمكنك التعليق بإيجاز على وضع الحركات اليسارية في لبنان؟ هل هذا هو عصر تدهورها؟

ماجد: أعتقد أنّ هناك ثلاث توجّهات “يسارية” في لبنان:

أوّلاً: التوجّه اليساري التقليدي، المعبّر عنه في أحزاب تاريخية كالحزب الشيوعي وبعض القوى القومية، وهذا التوجه متحالف بشكل مباشر أو غير مباشر مع فريق 8 آذار تحت ذرائع إقليمية.

ثانياً: التوجّه اليساري “المستقل” المتكوّن من أفراد غير منظّمين ومن مثقفين وناشطين في منظمات غير حكومية وفي نواد طلابية يؤثرون الى الآن العمل بالوسطين الثقافي والإجتماعي. وهم ليسوا على الأرجح على استعداد (أو هم غير قادرين) لأن يصبحوا لاعباً سياسياً لأسباب مختلفة.

ثالثاً: التوجه “اليساري الديمقراطي”، الذي يتكوّن من حركتنا ومن العديد من الأفراد والمجموعات غير الرسمية بتشكلّها. ويؤمن أفرادها ببناء دولة مستقلة وديمقراطية كأولوية (استناداً الى النموذج الهيغلي الكلاسيكي إن صحّ التعبير). وقوى هذا التوجّه وشخصياته إمّا متحالفة مع 14 آذار أو قريبة من مواقفها السياسيّة (ولو ثمة انتقادات وشكوك مشروعة أحياناً).

على كل حال، فإنّ هذه الوجهات “اليسارية” الثلاث لا تملك جماهير كبيرة تقف وراءها، وليس لها تأثير حاسم على الواقع السياسي. وقلة التأثير هذه ليست مقتصرة على اليسار في لبنان وحياته السياسية المعقدة، بل هي حال التشكيلات اليسارية في معظم بلدان العالم الثالث حيث ما زالت المجتمعات دون علاقات تعاقدية ضرورية لبناء المؤسسات، والاحتكام إليها عوض العنف في حل النزاعات أو قبول تناوب السلطة، وذلك لأسباب مختلفة (بعضها يرتبط بالتركيبات المجتمعية والممارسات فيها، وبعضها بطبيعة الروابط الدينية والعلاقات الاقتصادية السائدة، وبعضها الآخر بآثار الصراعات الإقليمية والتدخلات الدولية).

والحركات اليسارية في بلداننا تعبّر الى الآن عن موقف ثقافي أكثر منه سياسي (بمعنى التأثير السياسي)، وقدرتها على العمل هي بشكل رئيسي في الأوساط الفكرية وبين الطلاّب. وبالمناسبة أنا استثني في هذا التوصيف الأحزاب التي وصلت الى السلطة في عدد من البلدان العربية (وغيرها) بانقلابات عسكرية وتحالفات ريفية طائفية. فشأنها شأن تحليلي آخر

من هنا، يقوم التحدي الحقيقي بالنسبة إلي على كيفية التوفيق بين الموقف السياسي اليساري (العملاني) من جهة والقيم المبادئ الثقافية من جهة أخرى لزيادة الحضور اليساري ومضاعفة تأثيره… لذلك، أعتقد أنّه يتوجّب على حركة اليسار الديمقراطي، من منظور موقفها الإشتراكي – الديمقراطي أن تحاول العمل بشكل مختلف، وأن تقوم بحملات ونشاطات، وأن تقدّم بديلاً للثقافة السياسية المهيمنة إذا ارادت أن يكون لها دور أكبر في يوم من الأيام، وإذا أرادت الضغط من أجل اجراء إصلاحات (ومن دون أوهام).

وأعتقد أنّ أهمّ الإنجازات التي حققناها حتى الآن، تجلّى في مشاركتنا في انتفاضة الاستقلال. ولهذه المسألة أهميتها الرمزية الكبرى، وقد كان لها أثر على الطلاب وعلى بعض الأوساط العلمانية. ولهذا السبب تمّت معاقبتنا بشدة، بحيث استهدف الاغتيال الأوّل بعد الإنسحاب العسكري السوري من لبنان الشهيد سمير قصير، وهو الصحافي والمؤرخ والصديق والرفيق الشجاع الذي أسّس معنا حركة اليسار وساهم بكتاباته ونشاطه في إطلاق الانتفاضة. وطال الاغتيال الثاني الشهيد جورج حاوي، أحد القادة اليساريّين الذي حاول أن يضمّ الحزب الشيوعي، أو على الأقلّ جزءاً منه، إلى الجهود التي بذلناها يومها

ما رأيك بالأزمة الحالية في لبنان؟

المحكمة الدولية هاجس النظام السوري الأول

ماجد: لقد نجمت الأزمة الراهنة عن محاولة النظام السوري “وقف” الحياة السياسية في لبنان من خلال الاغتيالات والفوضى والفراغ في المؤسسات من أجل التفاوض مع بعض الدول الغربية والعربية – وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية – حول مستقبل المحكمة الدولية. ولا أعتقد أنّ للنظام السوري أيّة أولويّة أخرى حالياً. فالمحكمة الدوليّة تشكّل الهاجس الأول لديه وهو يراهن على الوقت، وعلى تعب المجتمع الدولي من الأخبار اللبنانية وعلى نهاية الزخم الدولي الذي انطلق من قرار الأمم المتحدة رقم 1559 بدعم من الرئيسَين بوش وشيراك. وتحقيقاً لهذه الغاية، اتفق النظام السوري مع الإيرانيين – الذين يتحدّون الولايات المتحدة لحماية برنامجهم النووي وطموحاتهم الجيو- استراتيجية – على استخدام لبنان من خلال حلفائهما لتوجيه الرسائل وجذب العروض والمفاوضات.

لكن الأزمة نجمت أيضاً عن عجز النظام اللبناني عن إيجاد الحلول داخل مؤسساته وعن الحصار السياسي الذي يواجهه بسبب طبيعته الطائفية. فالفريقان الشيعيان اللذَان يحتكران تمثيل طائفتهما (بسبب القانون الإنتخابي القائم على التمثيل الأكثري، ومن دون إنكار مشروعية تمثيلهما) قرّرا مقاطعة المؤسسات، ممّا أدّى إلى إقفال البرلمان وشلّ الحكومة. أمّا تحالفهما مع أحد الأفرقاء المسيحيّين – الذي يغذي الأوهام والحنين بين المسيحيين، واصفاً “تهميشهم” بأنه نتيجةً للظاهرة الحريرية السنية – فقد جعلهما قادرين على منع انتخاب رئيس جديد للبلاد.

لذا، تمكّن النظام السوري، عن طريق الإرهاب والتعويل على حلفائه، ومن خلال الاستفادة من الجوانب السلبية للنظام السياسي اللبناني وطائفيته، من جعل حياتنا صعبة للغاية.

في وجه ما تقدّم، فإنّ الولايات المتحدة لا تتصرف بحزم إذ تنحصر أولويّاتها في المنطقة حالياً بالعراق، حيث أبدى كل من السوريين والإيرانيين تعاوناً كبيراً معها! وعلى أي حال، فإنّ مصداقيتها في لبنان مشكوك فيها بسبب تأييدها الدائم لإسرائيل (التي في المقابل تشير بوضوح إلى تفضيلها النظام السوري الحالي على أي تبديل يفتح الباب على المجهول، وديبلوماسيتها لا تخفي ذلك وأحياناً تنشط في سبيل توضيحه)…

من جهتها، تحاول السعودية التصدي للسوريين، ولكن نظراً للتوترات السنية – الشيعية، يتوجّب عليها التوصّل إلى تسويات دورية مع الإيرانيين. وحزمها أساساً أقل حسماً في مسار الأمور إن لم يلاقه تجاوب عربي وخليجي شامل (وأقول هذا بغض النظر عن رأيي بالنظام السياسي في المملكة السعودية وبأدوارها السابقة في المنطقة).

بهذا المعنى، أعتقد أنّنا متروكون في اللحظة الراهنة لوحدنا للدفاع عن استقلالنا، ولا يمكن للمبادرات الفرنسية أو لمبادرات الجامعة العربية أن تحلّ محلّ المفاوضات الأميركيّة مع المحور السوري – الإيراني أو محلّ المفاوضات السورية – السعودية. وقد كنتُ منذ البداية ضد الدخول في سياسة المحاور الإقليمية. ولكن، لسوء الحظ، يعتقد الكثيرون أنّنا اضطررنا إلى القيام بذلك، أو أنّ هذا الموضوع كان محتّماً. أنا لست متأكداً من الأمر

ماذا تتوقّع للبنان في المستقبل القريب؟

ماجد: نحن اليوم رهائن للوضع الإقليمي، ورهائن للنظام السياسي المشلول. وارتهاننا للوضع الإقليمي هو بالدرجة الاولى نتيجة العلاقات الوثيقة بين حزب الله والمحور السوري- الإيراني. وهو في أي حال يُظهر سذاجة من يعتقد بأنّنا نستطيع اليوم عزل أنفسنا عن المنطقة وأحلافها، فيما يدعو في الوقت عينه الولايات المتحدة للتدخل ومواجهة إيران وسوريا! فأي صدام سينعكس سلباً علينا… لهذا السبب بالتحديد أنا من دعاة الحياد، لأنّ اللبنانيين منقسمون في تأييدهم للقوى الخارجية. وأنا طبعاً لا أتحدّث هنا عن الحياد بين إسرائيل والفلسطينيين. وقد سبق أن أوضحت هذه النقطة.لكن الأمر صعب

وتظهر هذه المسألة أيضاً أنّ إصلاح النظام السياسي ليس موضوع تَرَف، كما قد يتصوّر البعض، ولكنّه تدبير حيوي لمستقبلنا إذا ما كنّا نريد حقاً بناء دولة قابلة للحياة.

لقد أتى وضعنا الراهن نتيجةً لتراكمات ولعوامل كثيرة، وأحياناً نتيجة لأخطاء. أنا لا أرى ضوءاً في المستقبل القريب. وأعتقد أنّنا دخلنا في نفق طويل. لذا علينا أن ننتظر وأن ندافع بحزم ونفس طويل عن مواقفنا ونتجنّب تصعيد العنف – سواء الجسدي أو الكلامي – ونرفض التنازلات عن حقوقنا المشروعة في العيش في دولة مستقلة ومستقرة، بانتظار التوصّل ربما إلى حلول وتدابير إقليمية من شأنها أن تقلّل من وطأة الضغوطات علينا.

أستطيع التحدث أكثر عمّا ينبغي أن نفعله في الداخل. وقد نشرت عدداً من المقالات حول هذا الموضوع. ولكن، على الصعيد الإقليمي، لا أدّعي قدرة على استشراف الأمور لأن ذلك يتطلب أن يكون المرء لاعباً إقليمياً، وهذا ليس حالنا!

وآمل أخيراً أن يتمّ استئناف الحوار الداخلي للاتّفاق على الأقلّ على رفض العنف والمواجهات بين المدنيّين، إن لم نكن قادرين حالياً على مناقشة القضايا الأخرى. وأعتقد أنّ حملة شعبية ضد الحرب الأهلية هي من الأولويات التي ينبغي على الطلاب والشباب التفكير في إطلاقها

NOWLEBANON

، الخميس 7 شباط 2008

اقرأ الحوار باللغة الانكليزية


مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى