ميشيل كيلو

رسالة إلى أعزاء


            ميشيل كيلو

الأخوة أعضاء المؤتمر القومي العربي في الولايات المتحدة الأمريكية الأكارم.

 

كم كنت أتمنى لو أنه لم تراودكم الشكوك في إعلان دمشق وموقعيه، ولو أنكم لم تصلوا إلى ما وصلتم إليه من استنتاجات بشأنه، أنتم الذين تعرفون البئر وغطاءه، وتعرفون كل واحد من الذين صنعوه، وتعلمون أنه لم يحرك أحدا منهم أحد من الخارج في الماضي، من بغداد أو من باريس، كي يحركهم اليوم، من العاصمة الأوروبية القريبة أو من عاصمة أمريكا البعيدة.

 

وكم كنت أتمنى لو أنكم تذكرتم أن بعض ما حذرتم منه مأخوذ بنصه الحرفي من كتابات ومقالات صدرت عن بعض موقعي الإعلان، وخاصة ما أوردتموه حول خطر الفوضى الداخلية والاحتلال الخارجي. وكم كنت أتمنى لو وقفتم دون أفكار مسبقة أمام العلاقة بين الإعلان واللحظة التاريخية الراهنة، أنتم الذين تتابعون ما يجري في المنطقة ويدور من حولها، وتشاهدون المأزق الذي تغرق فيه بلادنا، وتلمسون، كما نلمس، عجز النظام عن وقف تدهور الداخل وصد أخطار الخارج، وتعانون، كما تقولون، بسبب رفضه إجراء أي تغيير في طبيعته الأمنية – القمعية ونهجه الإقصائي، واستمراره في الخطأ وتأكيده أنه لم يغلط في أية خطوة قام بها: من التمديد للحود إلى التعامل مع جريمة قتل الحريري، إلى المناورة على لجنة ميليس، إلى مواجهة احتلال العراق، إلى نشر جيوش أحمد جبريل لمنع أمريكا من تحويل لبنان إلى قاعدة لها – كلمات مندوب جبريل في لبنان السيد أبو رجا -.

 

كنت أتوقع أن تقولوا، بما لكم من علم ومعرفة: لماذا لا تتحرك قوى سوريا الديمقراطية والوطنية لوقف سقوط البلد، وكيف تسمح لنفسها بالصمت تجاه ما يحدث، ولا تفعل كل ما بوسعها قبل فوات الأوان، فإذا بكم تصرخون بنا: حاذروا أن تتحركوا، أو لماذا تتحركون؟، كأن الوطنية تكمن في ترك سوريا لمصير مظلم نراه بأم أعيننا نتلمسه لمس اليد، بينما تكمن الخيانة في التصدي للأخطار الخارجية المهلكة، ولو كان من يتصدى لها قوى وطنية وقومية وديمقراطية ألزمت نفسها ولا تزال بسياسة المصالحة الوطنية – أسميناها مرات كثيرة: سياسة القلب المفتوح واليد الممدودة – مع نظام قرر ذات يوم إبادتها ثم طاردها يوميا طيلة نيف وثلاثين عاما ؛ تتمتع بتاريخ وطني مشرف، علما بأن خلافها مع السلطة بدأ بسبب موقف الأخيرة من أمريكا، وقبولها القرار 242 عام ،1972 الذي قلنا في حينه إن مجرد قبوله لن يحرر الجولان، وإن تطبيقه لن يتم حقا بغير ميزان قوى يستطيع استعادته بالقوة، إذا ما رفض العدو الأمريكي – “الإسرائيلي” إعادته بالتفاوض – وأكدنا أنه سيرفض -، وأن كل شيء يتوقف على إقامة موازين قوة لمصلحة سوريا والعرب سبيلنا إليها دمقرطة السياسة ودولة القانون والمواطنة، التي لا تنسى العدالة الاجتماعية وتعمل من أجل حل قومي لمشكلات الأقطار العربية، بينما اعتقد النظام أنه يستطيع استعادة الأرض عبر خدمات يقدمها لأمريكا هنا وهناك – لبنان ثم حفر الباطن – وتهدئة يمارسها تجاه الاحتلال، وضبط الداخل بمعونة الخارج – العربي والدولي -.

 

ومع أننا حذرنا آنذاك من خطورة سياسة هذه أسسها ومراميها، وقلنا – كتابة – إن التدخل العسكري في لبنان سيقوض موقع سوريا التفاوضي مع العدو وقدرتها على ردعه، لأنه سيمتص عافية جيشها وشعبها، وسيقلب صفحة الصراع العربي – “الإسرائيلي” ويحل محله صراعات عربية – عربية ستخرب الوطن العربي إلى زمن طويل، فإن النظام واجه تحذيراتنا بالقمع والتخوين، وقال: إننا نساعد العدو لأننا نضعفه – كم يذكّر هذا بمنطق بعض من يناقشون إعلان دمشق!. واليوم، وقد تحقق، لأسفنا الشديد، ما كنا نخشاه، وبلغت بلادنا حالا غير مسبوقة من العجز والضعف في الداخل والخارج، وصار جليا أن السلطة – أية سلطة مهما كانت طبيعتها – لا تستطيع مواجهة الأخطار المحدقة والمتعاظمة بمفردها، وجدت القوى الديمقراطية عينها أن من واجبها توحيد صفوفها وجهودها لإقامة أوضاع تكفل حماية البلد، في حال حدث عدوان خارجي أو انهيار داخلي مباغت، دون أن تتخلى عن سياسة القلب المفتوح واليد الممدودة إلى النظام. فبأي حق، إذاً، تعتقدون أن الإعلان يتجاهل المخاطر أو يمكن أن يسهم في إضعاف موقف سوريا كوطن؟. وهل إصرار السلطة على تكديس الأخطاء وعزل بلادنا دوليا وعربيا، وإلغاء قدرات الشعب السياسية، وربط مصير البلد بسلوك ومصير بضعة مسؤولين، هو السياسة الوطنية الصائبة، التي تريدون لنا تأييدها؟. ألم يعلمنا سقوط بغداد أن النظم القمعية لا تحمي وطنا، لأنها ترى في شعبها عدوا داخليا أخطر من عدو الخارج؟. لقد عرضنا مصالحة وطنية على أخوتنا في السلطة، وقلنا لهم إن البلد لن تخرج من حالها الراهن دون إسهامهم الرئيسي، وفي مجالات معينة، بغير مبادرتهم وقيادتهم، وأيدنا طيلة أعوام خمسة أية خطوة إيجابية قاموا بها، ووافقنا على الإصلاح الجزئي والمحدود، الذي اقترحوه، ولم نفعل شيئا لإفشاله – وقد أفشلوه هم كما تعلمون -، وما زلنا على استعداد لقطع خطوتين مقابل كل نصف خطوة يقومون بها على طريق الانفراج والمصالحة، وأعلنا بعد تولي الدكتور بشار الأسد الرئاسة – بالطريقة التي تم بها – أننا لم نعد نعطي الأولوية لإسقاط النظام بل لحل مشكلات البلاد، وأبدينا استعدادنا لتعاون مفتوح وشامل معه في كافة المجالات، لأننا نريد أن يواجه وطننا الأخطار متحدا، ولا نريد أن نتصارع ونختلف بينما العدو يدق أبوابنا، ولأن القوة الوحيدة القادرة على حماية وطننا هي مواطننا الحر والمشارك في الشأن العام والمسؤولية. فهل هذه التوجهات خاطئة، وهل هي إيحاء باريسي كما أشرتم بأسف أكثر من مرة، وهل يمكن أن تكون من وحي خارج يريد إسقاط بلادنا؟.

 

أخيرا، كم كنت أتمنى أن توجهوا، أيها الأعزاء، رسالة إلى من يتحملون مسؤولية جدية عن تمكين الخارج الطامع والعدواني من البلد، عنيت أصحاب الأمر والنهي، تطالبونهم فيها بوقف استئثارهم بالسلطة والقرار، وبالانفتاح على شعبهم، الذي يصرون على إبقائه محروما من حقوقه السياسية ومن المشاركة في أبسط شؤونه، بينما يواجه أعظم خطر عرفه منذ نيف وأربعين عاما، ويتمسكون بطريقة في حكمه عفا عليها الزمن، في زمن لا يترك غير أحد بديلين أمام أهل الحكم: مصالحة حقيقية مع الداخل أو صفقة تقوم على التواطؤ المكشوف مع الخارج. دعوني أخبركم أن رسالتكم إليهم ستكون على قدر عظيم من الأهمية، إن أقنعت أهل السلطة بأن زمن الصفقات مع أمريكا ولى، وأن المصالحة، التي نقترحها عليهم بصدق وإخلاص، هي فرصتهم الوحيدة، وفرصة البلد، وفرصتنا نحن أيضا، إن كانوا يريدون للبلد أن ينجو.

 

الأخوة الأعزاء:

 

ماذا كنتم ستفعلون، وهل كنتم ستفعلون غير ما فعلناه عبر إعلان دمشق وما سبقه من سياسات مفعمة بروح المسؤولية، لو كنتم مكاننا؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى