صفحات أخرىمحمد زكريا السقال

خمسون عاما على الوحدة العربية

null
محمد زكريا السقال

الوحدة العربية: هذه الثكلى، الذليلة، المهانة في منطقتنا العربية والمصابة بالجرب وزكام المثقفين. دعاة الوحدة هذه الأيام منفرين، غير مرغوب فيهم في زحمة المهام وتعقيدات الحياة، بينما الواقع يقول عكس ذلك. فالواقع يدلل على أن هَمَ الوحدة والحنين إليها سمة عربية أصيلة لدى الجماهير العربية، وشمٌ للعزِة والكرامةِ. إن يذكر شموخ العربي وأنفته فلا بد من أن تذكر وحدته ولمُّ شمله الذي مزقه الطغاة والعسكر.

الخارج قسمنا نعم، لكن السلاطين والزعماء والقادة حفروا أخاديد وأقاموا سدودا وسجونا كي لا نتوحد .

اليوم تداهمنا الذكرى الخمسون للوحدة العربية الأولى بعد خنجر سايكس بيكو، خمسون عاما نفقت تحت أحذية الذل وتجرع حزيران الذي يأتي ويذهب دون أن يصفعه أحد، حزيران الذي أُبـِّد كهزيمة وثقافة .

إن أهم النتائج التي جاء بها حزيران هي أنه ثبت أنظمة الهزيمة، وكرس سلطة الطغاة كوظيفة تلغي توحد الشعب العربي، ووضع يده على ثروته الطبيعية التي وكلت للخارج. و وُكّل الخارج سلطة القمع والاستفراد بالشعب. منذ الخامس من حزيران ووعي الوحدة، وثقافة الوحدة مطاردة وخارجة على قانون السلطات، ومطلوبة باسم إثارة الفتن وتعريض الشعور القومي للوهن والضعف. إلا أن الجماهير العربية لا تزال تتهجى الميدان وتندفع إليه، متحدية عسف الطغاة وتخاذلهم، لتتضامن مع أشقائها في الجرح والهم. فهناك في العراق وفلسطين لا تزال الروح العربية تتأجج من اجل استرجاع كرامتها وشرفها الملطخ. ولهذا فإنها تنحني أمام نصر حزب الله، وتعظم سيادة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. ألا يشكل هذا الموقف للجماهير العربية مفارقة ونقطة مميزة من أجل السير على طريق تحررنا واستعادة كرامتنا؟

لقد وضعت الجماهير العربية الإيديولوجيات والتعصب والمذهبية والعقيدة المتحجرة جانباً من أجل النصر واستعادة الكرامة. فقد حقق جمال عبد الناصر موقعا في قلوب الجماهير العربية لم يحققه أي زعيم على مدى القرن المنصرم. ولا يزال ذكره يوحي بالعزة، كما أنه كان الزعيم الوحيد الذي أعادته الجماهير ليقودها بعد حزيران. لقد تحشدت الجماهير في الشارع العربي لتنصب عبد الناصر زعيما للأمة العربية قاطبة. وهذه أيضاً من مفارقات عبد الناصر الذي أسر الشارع العربي متحدياً كل التيارات الدينية واليسارية بمشروع الوحدة العربية.

إن كل الأحداث وتطورات المنطقة تبين أن الوحدة العربية حالة وجدانية، وأن رفع شعارها لا يزال ممكنا. إلا أنه وتجنباً لإخفاقها تنبغي دراسة عوامل إخفاقها ومن هو صاحب المصلحة الأساسية في ذلك، وطمأنة شركائنا في الأرض والوطن بأنها لهم ولمصلحتهم بقدر ما هي لنا ولمصلحتنا. و بقدر ما تجمع الوحدة شمل هذه الأمة ينبغي بالقدر نفسه أن تراعى خطوات تحقيقها، وأن تختار أشكال خطواتها الرامية إلى التنسيق والتكامل. إذ لا يجوز أن تمر ذكرى الوحدة هذه التي مضى نصف قرن على قرعها أبوابنا دون أن نستجيب لنبضها وإعادة الاعتبار لشرفها و ألقها.

إن الحدث الذي فجره الفلسطينيون المبدعون بخرقهم الحصار يمثل نقطة مضيئة. لكن تجاوب الجماهير العربية كان – وللأسف – ضعيفا. فلم يلتقطها الشارع المصري الذي نفخر بمبادراته دائما، ولم يشكل قدوة لنا، مما سمح لبعض المثقفين وأبواق النظام بالترويج لمقولة خرق للسيادة

الأرض المصرية المضحكة المبكية! تصوّروا خرق سيادة الأرض المصرية! عن أي سيادة يتكلمون؟ وهل هناك سيادة والأرض العربية وشرفها مستباحان ؟

قد يتقول المثقفون ما يريدون ، و قد ينظّر الكثيرون.

إلا أن ما من أحد يمكنه أن يزايد على وجدان الأمة وإحساسها الذي تجلى دائما باندفاعها إلى جانب لحمة ونصرة أوطانها وأرضها.

إنه سؤال برهن حركة التحرر العربية، عساها تدرك أهمية موقف عربي موحد، إنما خارج سطوة الأنظمة والسلطات الراهنة .

برلين / 18 / 2 / 08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى