باولو كويلو: أملك إعجابا أصيلا بالثقافة العربية وتأثرت كثيرا بجبران وألف ليلة وليلة
عمان ـ ‘القدس العربي’: يشكل كويلو ظاهرة في عالم الأدب باقتحامه عقول الملايين حول العالم عبر كتاباته البسيطة والتي تشكل خيوطا من التواصل والفهم المتبادل بينه وبين قرائه لشدة بساطتها وتلقائيتها..، وفي زماننا هذا المحكوم بالمادة والمردودات المادية الملموسة ..يبدو اننا نسينا الجمال الكامن في العالم غير المرئي ..هذا العالم الذي شكل بعضا من معتقداتنا وافكارنا عن الأمل والسعادة والعدل في حياتنا التي نعيشها بحثا عن راحة البال والحب الحقيقي بكافة أشكاله. في لقائنا هذا نسبر أغوار الروائي البرازيلي باولو كويلو الذي اعطى حكما لا تقدر بثمن على صفحات كتبه والذي تسبب في تغيير حياة الكثيرين من قرائه بحسب ما يقول العديدون منهم. كويلو ابتعد عن التعقيد إيمانا منه بأن ما يصعب على القارئ فهمه هو ليس إبداعا بل هو ابعد ما يكون عن الإبداع، وان الإبداع الحقيقي ينبع من هذه البساطة التي تجعل القارئ يشعر وكأن شخصيات الروايات هم أشخاص مشابهون له من ناحية الأحاسيس والحب والخوف والنظرة إلى الحياة والمحاولة المستمرة لفهمها.
عمل كويلو المولود في العام 1947 كمخرج مسرحي وممثل وصحافي كما اختص في كتابة كلمات أغان لمغنين معروفين في البرازيل قبل ان يتجه الى تأليف الروايات.
لم يستسلم كويلو عندما اصدر أول كتبه والذي لاقى فشلا ذريعا في العام 1982، بل استمر في المحاولة حتى بعد فشل كتابه الثاني،مصرا على النجاح والتحدي الذي لم يبرح مكانه في قلب هذا الكاتب المتمرد.وأخيرا وصل الى مبتغاه عندما اصدر رواية “الخيميائي” وهو على مشارف الأربعين من عمره،والتي حققت مبيعات خيالية، وصلت إلى 30 مليون نسخة حول العالم .
بالنسبة لأعماله بشكل عام فقد ترجمت الى 67 لغة ومن أشهرها: بريدا (1990) على نهر بيدرا جلست وبكيت (1994) الجبل الخامس (1996) فيرونيكا تقرر ان تموت (1998) احدى عشرة دقيقة (2003) الزهير(2005) ساحرة بورتوبيلو(2006) هنا حوار مع الروائي الكبير أجريته عبر شبكة الانترنت إضافة إلى الاتصالات الهاتفية المباشرة : بما انك تعد من أكثر المؤلفين “الأجانب” المقروءة كتبهم في الشرق الأوسط ..السؤال الأول الذي عادة ما يسأله قراؤك..هو: لماذا انت متأثر بدرجة كبيرة بأجواء الشرق عموما، وبالإرث العربي خصوصا..فمثلا احداث “الخيميائي” كانت في بلدان عربية وكذلك في “ساحرة بورتوبيلو” حيث ان “اثينا” بطلة الرواية كانت متبناة من قبل عائلة لبنانية.
اضافة الى العديد من الأقوال والحكم التي تستخدمها والمستوحاة من اصول شرقية ..ومقدمة نسخ رواياتك العربية والتي تتحدث عن الشيخ الصوفي “حسن”؟ أنا دائما املك إعجابا متأصلا وكبيرا بالثقافة العربية، كطفل ..أبهرتني قصص ألف ليلة وليلة كما كان لها تأثير قوي جدا علي. لاحقا في حياتي تأثرت بأعمال جبران خليل جبران كما انني تبنيت احد كتبه “رسائل حب من نبي”. ولا أزال لليوم اعتبر كتاب “النبي” لجبران من أهم الكتب التي اثرت في حياتي وفي أعمالي.
حاليا، أنا اكتب أعمدة أسبوعية في عدد من الصحف والمجلات والدوريات حول العالم وأحاول من خلالهم ان اطرح قصصا من ثقافات مختلفة .وليس من الصعب ابدا إيجاد قصص من الثقافة العربية بما أنكم رواة قصص رائعون.. تقدمون فيها قيمكم وآراءكم ..والمستوحاة اغلبها من أعمالكم الأدبية والشعرية.
“عندما تريد شيئا حقا..فان العالم بأسره سيتآمر لتحقيقه”.. و”إمش وراء حلمك”..”كل منا له اسطورة شخصية ويجب ان يجدها“..
مثل هذه الأقوال الشهيرة لك تولد لدي الفضول لأعرف ما اذا كنت انت نفسك قد وجدت اسطورتك الشخصية او وجدت حلمك. هل تؤمن ان اي شخص سيجد حلمه يوما ما، ويقول”اخيرا حققت ما أريد والآن سأعيش بسعادة بقية عمري؟”.هل هذا ممكن في العالم السريع الذي نعيشه وفي خضم نمط حياة كالذي نعيشه؟ من المهم انك طرحت هذه الأسئلة.. لأنني كتبت مقالا مؤخرا عما احسست به بعد نشر كتابي الأخير “ساحرة بورتوبيلو” ..فقد كنت في (ليزبون) قبل ساعات قليلة من طرح الكتاب في البرتغال وامريكا اللاتينية،وفيما كنت امشي في شوارع هذه المدينة الرائعة، كنت افكر باللحظة التي سيلمس فيها اول قارئ الكتاب على رفوف المكتبات.
كنت متشوقا وأدركت أنني ما زلت قادرا – بعد نشري لكتب كثيرة- على الشعور بذات الشعور الذي أحسست به عند إصدار كتابي الأول “الحاج “.
بالطبع مع توفر النجاح، الأبعاد تغيرت.. لكن الشعور الداخلي المتمحور حول مشاركة روحي مع الاخرين، يبقى موجودا.انا اعيش الحلم الذي حلمته في شبابي ولكني لا ارى هذا الحلم كشيء له نهاية .ما دمت قادرا على ان احيا واحب وافكر، فان البريق سيبقى.
أنت تلهم الناس ان يكونوا سعداء وان يمتلكوا أرواحا وعقولا حرة أيضا،بعيدا عن اية معتقدات في ذات الوقت تعلم قراءك ان يؤمنوا بالإشارات الغيبية،لأنك تركز على هذه النقطة في كتاباتك وتقول ان الإشارات الغيبية كانت دليلك في معرفة الطريق الصحيح..أنا اجد في هذا بعض التناقض،كيف تفسر ذلك؟ لا أرى تناقضا،فلنعد لجملة “عندما تريد شيئا فان العالم بأسره سيتآمر لتحقيقه” يجب أن تبقي في بالك ان بعض الناس لا يريدون شيئا حقا او يريدون أشياء لن تساعدهم. الكون ما هو إلا صدى لرغباتنا التي قد تكون بناءة او هدامة.
يجب ان يبقي المرء في باله ايضا، الفرق بين الحلم والهوس. وهو ذات الفرق الذي يكمن بين الأسطورة الشخصية وبين الزهير،عندما تلاحق أسطورتك الشخصية تمشي في طريقك وتتعلم منه لا يعميك الهدف عن الطريق الذي تمشيه من الناحية الأخرى فان الهوس هو ما يمنعك من الإعجاب بما تعلمك إياه الحياة.. انه كمحاولة الوصول لهدفك دون المرور بالتحديات.
أدركت انه بالرغم من الخوف وجروح الحياة يجب ان يبقى الإنسان يحارب من اجل حلمه كما يقول بورج في كتاباته “لا جرأة أكثر من أن تكون شجاعا” ويجب ان يفهم المرء ان الشجاعة ليست هي غياب الخوف ولكنها القوة في الاستمرار برغم الخوف.
هل تنظم أفكارك وتدونها قبل البداية في كتابة رواية ؟ انا اعني تسلسل الأحداث والشخصيات وترابطها ببعضها البعض، كما ان النهاية دائما قوية ومذهلة في بعض الأحيان. لديك غزارة كثيفة في الأفكار ووحدة مذهلة بين جميع سطور الرواية وبين المقولات والشخصيات..هذا يحير القارئ ويجعله يتساءل كيف استطعت ان تأخذه في كل مرة يقرأ رواية لك عبر هذه الرحلة السحرية؟ أدبي هو نتاج لـ”التناقض” اكثر مما هو نتاج للمنطق،التناقض هو التوتر الذي يسكن روحي تماما كما يحدث عندما تستعمل القوس لترمي سهما….فهذا التناقض يكون شبيها بوتر القوس اما ان يكون مشدودا او مرتخيا.
اعلم انه من المهم ان يمتلك الإنسان قيما في الحياة ولكني كنت دائما منقادا للغموض وعدم الوضوح…لأن الحياة ليست ارقاما وإحصائيات بل هي مثل موج البحر في مده وجزره تماما.
انا اسمح لنفسي بالكتابة كل عامين فقط، لأنني اشعر أنني جمعت طاقة كافية من المشاعر والأحاسيس لأخرج برواية.
كلما كتبت قصة جديدة أجرب واختبر مشاعر وأحاسيس الموت والولادة من جديد، عندما اكتب.. أكون امرأة حبلى من الحياة.. ولا اعرف كيف سيكون شكل وليدي.
دورة الحمل هذه هي التي تأخذ عامين، فخلال هذا الوقت لا آخذ ملاحظات ولا اخطط، كل ما اعرفه ان الحياة وضعت بداخلي بذرة ستنمو عندما يحين الأوان ثم عندما يأتي الوقت المناسب اجلس واكتب ..كل حركة مبدعة تتطلب احتراما للغموض وانا احترم الغموض دون ان احاول فهمه.
هل تروي رواية الزهير قصة باولو كويلو الشخصية ومشوار حياته مع زوجته، فهناك تشابه واضح بين أحداث الرواية وشخصية البطل وبينك؟ ليس لدي معادلة جاهزة عندما أهم بكتابة رواية جديدة ولكن هناك دائما العديد من العناصر التي تتحكم في ذلك ومنها الانضباط والتعاطف والرغبة المخلصة والحقيقية في أن افهم نفسي.
عندما ابدأ برواية جديدة أحاول الاقتراب من نفسي من زاوية مختلفة ففي “الخيميائي” مثلا حاولت أن أوضح لنفسي ماذا تعني الكتابة بالنسبة لي والطريقة التي وجدتها كانت عبر “الوصف والتشبيه“.
في رواية “احدى عشرة دقيقة ” بدأت بسؤال (لماذا يعتبر الجنس من القضايا الرئيسية في الحياة؟) ولكن كانت لدي شكوك لهذا يتساءل بطل الرواية :هل صحيح أن العالم قد يتمحور حول احدى عشرة دقيقة؟ تحدثت كثيرا في الكتاب عن العلاقات الجنسية ولكن في النهاية اشك في ان العالم يتمحور حقا حول الجنس.
في كتابي الأخير “ساحرة بورتوبيلو” اردت اكتشاف الجانب الأنثوي من الالوهية أردت استكشاف والغوص في قلب الأم (الأرض) .
من جانب آخر وفي رواية “الزهير” هناك نوع من اللقطات السريعة المأخوذة من حاضري الان ككاتب مشهور..الرواية تفيض بالتعليقات عن ماذا يعني ان تكون غنيا ومشهورا وعن طبيعة الزواج والمسؤولية الملقاة على الكاتب .ولكنها لا تمت بأية صلة لزواجي فأنا أعيش حياة زوجية رائعة مع زوجتي نفسها منذ 28 عاما وأتمنى ان أبقى معها حتى أموت.
كتابك الأخير “ساحرة بورتوبيلو” نشر على الانترنت وباستطاعة اي كان ان يقرأه كاملا.ما هدفك من نشره بهذه الطريقة؟ الا تظن ان نشره بالمجان على الشبكة العنكبوتية سيؤثر على مبيعات نسخ الكتاب المطبوعة؟ أنا متأكد ان الانترنت له تأثير ايجابي على نسبة مبيعات الكتاب لأن القارئ يستطيع بالمجان ان يجد نص الكتاب كاملا وهذا برأيي يساهم في زيادة التشويق المحيط بأعمالي.
تأثير الانترنت مذهل في هذا المجال فهو يفسح للناس المجال لمعرفة معلومات وثقافات لا متناهية. وهذا بالمقابل يغذي فضول القراء ويدفعهم للذهاب للمكتبة وشراء الكتاب او اي كتاب اخر.
لا اظن ان القرصنة هي تهديد حقيقي للكتب كما هي الحال في الموسيقى مثلا. الناس يحبون الحصول على الشيء بأيديهم وكذلك نشرت في موقعي الالكتروني عنواناً وجدته يحوي كل كتبي بنوع من الغزارة. hp://piratecoelho.wordpre.com/ نعود مرة اخرى لرواية “ساحرة بورتوبيلو” ..والتي من المنتظر ان نشاهدها كفيلم..هذه هي المرة الأولى التي توافق فيها على ان تتحول إحدى رواياتك الى فيلم ..ما الذي غير رأيك؟ قررت العام الفائت ان انشر ثلث هذه الرواية بعدة لغات بحيث يتسنى للقراء من حول العالم قراءة اول عشرة فصول كما يستطيعون اضافة تعليقاتهم الخاصة.
كانت تجربة رائعة في مجال التفاعل بيني وبين قرائي..لذا قررت هذا العام ان اوسع مساحة التواصل مع قرائي عبر دعوتهم لنقل الرواية الى الشاشة الكبيرة.
فأي قارئ كان يستطيع ان يقدم تصوره لمشاهد الفيلم او موسيقاه ضمن موعد نهائي انتهى قبل ايام.
باولو كويلو هو السفير الأوروبي للحوار الثقافي بين الشعوب للعام 2008 ..ماذا يضيف هذا المنصب لمهمتك في الحياة؟ وكيف تنوي ان تترك اثرا في قضية الحوار بين ثقافات العالم المختلفة؟ أنا تشرفت بمنحي هذه الفرصة .كل سفير هو فنان بحد ذاته .وفي كل ما نفعله يجب ان نركز على ان الطريقة الوحيدة لخلق بيئة تنعم بالسلام هو عبر الفن.كما ان الاتحاد الأوروبي لديه خطط محددة لتطوير عملنا معا.
ماذا تحب ان تقول لقرائك ومحبيك الذين يسعون بكل جهد متاح للوصول الى السعادة..كما هو حال كل البشر..هل تقدم لهم”وصفة سرية”حول كيفية ايجاد السعادة وراحة البال؟ انا لست من المعجبين بالرسائل ولكن هناك شيئاً خطر ببالي حول سؤالك..
هؤلاء الذين يؤمنون بأن الوصول الى فهم العالم يتطلب منهم ان يكونوا خارج هذا العالم،يقعون في فخ! لأنك اذا أردت ان تعيش وتخبر الحياة يجب ان تكون في مركز توتراتها وأحداثها.
بالنسبة لي فإن الإنسان الحي هو الذي يكون ملتزما ومرتبطا بمشروع او فكرة معينة او حلم.في حالتي انا كان هذا الحلم هو اختياري لأن أكون كاتبا في بلد كانت الكتابة به مستحيلة (نذكر هنا أن البرازيل هي مسقط رأسي الكاتب) أن أداوم على كتابة الأمور التي تعنيني وليست التي تعني النقاد! أن اسأل نفسي كل يوم وان أقابل المزيد من البشر..وان أكون منفتحا على العالم.
اعتقد انها المواجهة مع الروح هي التي تجعل حياة الإنسان مشوقة وممتعة. أريد ان أفاجئ نفسي وان ابقي الشك موجودا لأنني أؤمن بأن هذا هو أصل الحياة!
القدس العربي
حاورته: تغريد الرشق