أن »الأمن في لبنان أساس الملك« ولأنه التأشيرة لبلوغ علاقات نديّة قمة دمشق تجتاز ملف التعيينات إلى ملف »الأصوليات والسلاح«
جورج علم
كاد مشهد الاعتصام الذي نفّذه أهالي الموقوفين من التنظيمات الأصوليّة قبل أيام أن يصبح جزءا من المشاهد المألوفة في اليوميات السياسيّة اللبنانية، لو لم يعد تظهيره من جديد من قبل بعثات تمثّل دولا مهتمة بمجريات الامور خصوصا في مرحلة ما بعد اتفاق الدوحة، وربطه بالملف الأمني الذي سيفتح اليوم وبصراحة متناهية بين الرئيسين العماد ميشال سليمان والدكتور بشّار الأسد، الى جانب ملفات اخرى لا تقل خطورة وإرباكا.
ولا ينظر الى مشهد الاعتصام هذا من حيث بعده العدلي ـ القضائي ـ الانساني، وما إذا كان هناك من ظلم او غبن او إجحاف او إهمال، بقدر ما ينظر اليه من بعده الامني ـ السياسي قياسا الى الحساسيات البليغة الاثر التي ولدها اجتياح الاشرفية في الخامس من شباط ،٢٠٠٦ ثم أحداث مخيم نهر البارد ١٩ أيار ،٢٠٠٧ وقبل هذا وتلك ، أحداث الضنيّة عشيّة رأس السنة ١٩٩٩- .٢٠٠٠
ويأتي الاعتصام موفّقا من حيث التوقيت كونه كان ناجحا وفي لحظة سياسيّة مفصليّة، حيث ترك المزيد من الاستفسارات والاجتهادات حول الجهة التي يريد مخاطبتها، هل السلطة القضائيّة؟، أم وزارة الداخليّة؟،، أم الحكومة التي كانت لا تزال ماثلة أمام المجلس النيابي طالبة ثقته؟، أم الهدف تسليط الضوء أكثر على موضوع السلاح، من خلال توجيه المزيد من الرسائل باتجاه أفرقاء في الداخل والخارج، وعلى قاعدة »السلاح مقابل السلاح«، و»كما تراني أراك يا جميل؟!«، علما بأن بند السلاح قد احتلّ حيزا في اتفاق الدوحة، واحتل حيّزا أكبر في مناقشات النواب للبيان الوزاري، وجوبه بسلاح الموقف الذي تنوّع بتنوع الارتباطات والتحالفات الانتخابيّة ـ السياسيّة للنواب .
هذا جانب، أم الجانب الآخر من الأسئلة: من هي الجهة المحرّضة على الاعتصام؟، ومن يقف وراء هذه الظاهرة؟، ولماذا الآن، وفي هذا التوقيت؟، وهل لخدمة الحملة التي تستهدف السلاح الآخر، وعلى قاعدة ليس »حزب الله« وحده من يملك السلاح، بل هناك ايضا من يملكه ويتباهى به على قاعدة »أن السلاح زينة الرجال؟!«.
وهناك من يسترسل، فيسأل: هل العودة الى إثارة موضوع السلاح والمسلحين مقصودة لا بل »مفتعلة« لإدراج الموضوع كبند رئيسي ملح على جدول أعمال المحادثات اللبنانية ـ السورية في أول قمة تعقد بين الرئيسين سليمان والأسد لفتح ملف إعادة تطبيع العلاقات الثنائيّة ومن الباب العريض؟!.
ويقدّم بعض الدبلوماسيين المتابعين مقاربته للوضع اللبناني الداخلي من الزاوية الأمنيّة، منطلقا من شعاره الخاص بأن »الأمن أساس الملك«، في بلد كلبنان، بعدما أثبتت التجارب بأنه المفاعل المولّد للاستقرار، وحيث الاستقرار هناك الاستثمار والازدهار، ولأن هدف الرئيس التوافقي هو الوصول الى هذه النتيجة في بدايات عهده، فإن الملف الامني سيكون من بين الأولويات المطروحة على طاولة البحث خلال زيارة »الاخوة والتعاون والتنسيق« الى دمشق.
وفي رأيه أن إحاطة الملف الامني يمكن ان تنطلق من عناوين أربعة:
أولا: التنسيق المطلوب لوضع سائر مندرجات اتفاق الدوحة موضع التنفيذ في ما يتعلّق ببند السلاح، والتنسيق المطلوب أكثر على المستوى الامني لضبط الحدود والمعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة، والتعاون المثمر لكي يكون السلاح الشرعي فوق كلّ الأسلحة اللاشرعيّة، وأقواها، وتنزيه هذا الملف من كل تشكيك سياسي او مزايدات، والإبقاء على جوهره الامني الصافي.
ثانيّا: إن أي بحث في التعاون الامني، وهو قائم حتما وحكما قبل القمة، وكان في أدق الظروف، وعندما كان يخوض الجيش اللبناني أشرس المعارك في مخيم نهر البارد ضدّ تنظيم فتح الإسلام، وفي أصعب المراحل حتى في عزّ الحملة السياسيّة المحليّة على سوريا، وضدها؟!… إن أي بحث في التعاون الامني سيقود حكما الى الشفافية في التعاطي مع ملف التعيينات في الأجهزة الأمنيّة، من قيادة الجيش، الى مديريّة المخابرات، الى المديريّة العامة لقوى الامن الداخلي، الى المديريّة العامة للأمن العام، وربما أخذ هذا الملف طريقه الى مجلس الوزراء في اول جلسة يعقدها لإصدار المراسيم، وتجاوز عقبة كأداء على هذا الصعيد.
ثالثا: إن موضوع السلاح كما ورد في اتفاق الدوحة ينطوي على شموليّة بدءا بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وتنظيمه داخل المخيمات كما ورد في البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنيّة، الى سلاح »حزب الله« الذي ارتدّ في السابع من أيار الى الداخل اللبناني، الى السلاح الميليشيوي.
وفي هذا الإطار ثمة مقاربة مختلفة، إذ أن إيجابيّة ارتداد سلاح »الحزب« الى الداخل، قد كشفت كلّ السلاح الميليشيوي في لبنان سواء عند تيارات وأحزاب الموالاة او عند تيارات وأحزاب المعارضة على السواء، لقد فضح هذا السلاح كلّ السلاح اللاشرعي الآخر، ومن دون استثناء؟!.
أضف الى ذلك أن السلاح الفلسطيني كان بندا رئيسيّا على طاولة الحوار الوطني في المجلس النيابي، يومها توافق الجميع على كيفيّة معالجته، ويومها فشل الجميع في اجتراح المعجزة بعدما اقتنع أرباب الحوار بأن العنوان يعني لبنان وإنما الحل ليس في لبنان، ولا ملك اللبنانيين، بل هو عند سوريا اولا كونها القادرة على التأثير في منطقة الناعمة، وفي مناطق حلوى وقوسايا على سلسلة الجبال الشرقيّة، وهو أيضا عند القادة الفلسطينيين، وأيضا عند كلّ الدول المعنيّة بملف القضية الفلسطينيّة… ومع ذلك بإمكان سوريا من خلال الحوار، وعن طريق فتح الصفحة الجديدة ان تساعد في مؤازرة السلاح الشرعي لكي يكون أقوى وأمضى الأسلحة على الساحة اللبنانية سواء خارج المخيمات او في داخلها.
رابعا: إن مقولة لا انتخابات في ظلّ السلاح، والمقصود هنا سلاح »حزب الله«، هي جديّة عند أطياف الموالاة، وهناك من يسعى جديّا إما الى إيجاد مخرج سريع، او السعي الى تعطيل الانتخابات، بحجة ان الانقلاب الذي جرى في السابع من أيار قد نجح، وبدأت مفاعيله مع اتفاق الدوحة وانتخاب الرئيس التوافقي بإجماع النواب، وليس بالنصف زائدا واحدا، وبضمان الثلث المعطّل او الضامن في مجلس الوزراء ، وبقيام الحكومة التي تؤمن المشاركة في القرار السياسي والوطني، وإقرار قانون الانتخاب وفقا لتوجهات المعارضة، وهذا النمط إذا ما استمر يعني أن المعارضة سوف تكتسح غالبية المقاعد في المجلس النيابي الجديد، وفي هذه الحال، فإن »حزب الله« سيتسلم دفة الحكم إما مباشرة، او من وراء الستارة في الحكومة المقبلة، وهذا ما يشكل استفزازا لقوى محليّة وعربيّة وإسلاميّة لا يمكن القبول به، ولا بدّ من مخرج توافقي تتوافر فيه مقومات اتفاق الدوحة التوافقي، وأمنيات رئيس الجمهوريّة التوافقي.
إن هذه المقاربة قد تثير الكثير من الحساسيات، لكن أليس »الأمن في لبنان هو أساس الملك؟!«، ثم أليس تأشيرة الدخول الى علاقات نديّة مع سوريا تبدأ بالأمن في »هذه الخاصرة الرخوة؟!«.
السفير