المعلم دبلوماسي، محنك، مسوف، طريف
د . أديب طالب
أولا : التسويف والاطلاع
قال وزير الخارجية السورية السيد وليد المعلم في المؤتمر الصحفي حول لقاء الرئيس اللبناني ميشال سليمان بالرئيس السوري بشار الأسد قال : << سيتم اطلاع اللبنانيين على تطور المفاوضات مع إسرائيل >> 0
السين وسوف للتسويف 0 وهذا ما تريده الدبلوماسية السورية 0
المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة والسرية ؛ بدأت منذ سنتين بين < لئيل الإسرائيلي > و < إبراهيم سليمان السوري > 0 وعندما كان لبنان يحترق في حرب تموز وبالتحديد ما بين السادس والثامن من شهر الحريق ؛ كان الإسرائيلي و السوري يتفاوضان مباشرة ويتسامران 0 ذكر المراقبون إن أكثر من عشرين جلسة تفاوضية سرية حصلت وتوجت بشرب الأنخاب …….. والنظام السوري ينفي وينفي وينفي 0 عندما قبلت الجارة الحبيبة الطلب الملح جدا بالقيام بدور الوساطة . أجرى السوري والإسرائيلي خمس جولات في شهرين 0 إذن سنتان من التفاوض السري المباشر وشهران من التفاوض العلني غير المباشر بعد كل هذا الزمن الطويل المكتظ بآلاف الصفحات ودفاتر المحاضر ؛ جاء السيد المعلم ليقول : << سيتم اطلاع اللبنانيين …… >> ؛ لاحظوا كلمة < اللبنانيين > ؛ لم يقل الحكومة اللبنانية لأنه راض عن نصفها فقط ، ولم يقل المجلس النيابي اللبناني لأنه غاضب على ثلثيه ولم يقل الرئيس رغم أن شرعية انتخاب فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان شرعية تامة دستوريا وعربيا وإقليميا ودوليا 0 لاحظوا ثانية كلمة < اطلاع > . في أدب تبادل الكتب بين الدوائر الرسمية تستعمل الجهات الأعلى مع الجهات الأدنى جملا من نوع : للاطلاع ، لأخذ العلم ، أي أن إبداء الرأي غير مطلوب إطلاقا من الجهات الدنيا ، ولن تغيب عن القارئ ء أن اللام في الجملتين المثالين هي لام الأمر
المعلم جزاه الله خيرا عن اللبنانيين جميعا ؛ فهو سيطلعهم 0 كم هي فاضحة روائح الكبر والتكبر والفوقية والتسلط والكره المطلق لجملة محددة أصر عليها السنيورة الصابر كأيوب وهي : < علاقات ندية > ؛ هذه الجملة _ ركن السيادة اللبنانية – سحقها المعلم بجملة هي الأقل دبلوماسية : ” سيتم اطلاع للبنانيين …..”
ثانيا السفارة والتسويف : يعرف المعلم أكثر من غيره ، أن قامة سفارة سورية في لبنان ، وفي ظل الحنان الاسرائيلي الفائض لنابع من مسار المفاوضات ، وفي ظل العناق الأسدي مع ساركوزي ، وفي ظل التأييد الأمريكي المتحفظ وشبه المشكك … يعرف المعلم ويعمل جيدا لتكون تلك السفارة العتيدة أداة شرعية علنية فاعلة للتدخل في لبنان أمنيا وسياسيا واقتصاديا وفنيا وبالذات في مجال ” السوبر ستار” .
اشترط ساركوزي على النظام السوري لفتح أحضان أوربا له ، أن البداية في إقامة سفارة سورية في لبنان … حسنا … ونحن ” النظام ” نفذنا الشرط .
الواقع انه كلام لا يضر ولا ينفع، فترة التسويف في إقامة السفارة. ويضر أكثر مما ينفع فترة وجودها الفعلي . سيقول المعلم للسفير السوري ” مبروك أنت المندوب السامي السوري في لبنان ، كن على قدر المهمة المسؤولية ” .
يعرف المعلم بحكم خبرته وتجربته وضلوعه الأعلى في العلم لدبلوماسي والقانون الدولي أن اتفاق فيينا الدولي 1961 حول إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول بنص حرفيا على مايلي : ” إذاعة بيانيين رسميين من كل من الحكومتين ، وفي كل من العاصمتين ، وفي وقت واحد . هذان البيانان يعلنان إقامة العلاقات الديبلوماسية وإنشاء السفارات” . ما فعله لمعلم أنه أوكل إلى المدير لعام للمجلس السوري اللبناني أن يذيع البيان الختامي للقاء الأسد – سليمان وفيه إشارة إلى إقامة السفارة ، كما وأشار المعلم على السيد صلوخ وزير خارجية لبنان وبهدوء وخفر أن يقول : في يوم الخميس المقبل سيقر ويذاع من بيروت نبأ إقامة العلاقات الدبلوماسية – الخارقة – بين سورية ولبنان .
خليط عجيب غريب من الحراك الدبلوماسي الباهت ، حراك وظيفته الرئيسة تثبيت ” س ” المعلم التسويفية و” سوفاه ” على أرض العلاقات السورية اللبنانية .
ثالثا: الحنكة والطرافة والحب:
الوزير المعلم خفيف الظل وككل الدبلوماسيين الظرفاء ، وعند اللزوم وعندما تجود القريحة يطلق تعليقا طريفا أو نكتة مدوية …. عندما سألت الصحافة المعلم عن رأيه في كلام رايس أن أمريكا كانت دائما مع إقامة علاقات دبلوماسية بين سوريا ولبنان ، انتصب في ساحة مشاعره سيف السيادة والاستقلال لوطني قال الرجل : مسألة إقامة علاقات دبلوماسية بين سورية ولبنان شأن يخص البلدين المعنيين . نسي المعلم أن الضغط الفرنسي المباشر كان السبب الرئيس لإقامة السفارة المنشودة وان الأمر قد خص الفرنسي ساركوزي شخصيا ، تابع زعيم الدبلوماسية السورية : ” والله يهدي من يشاء ” .هنا بيت القصيد في طرفة لمعلم والتي أضحكت عددا من الصحفيين السوريين واللبنانيين الأمنيين . جاء في الآية لكريمة والتي خاطب بها لله نبيه محمد ليخفف عنه رفض بني عمومته الاستجابة لدعوته قال تعالى : ” انك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ” ….و يفهم الصحفي المتوسط الذكاء أن المعلم محب لأمريكا ويعمل لهديها ورضاها لأن الأمر برمته بيد الله سبحانه وتعالى .
هل انتهت السنوات الستون الفاشلة في العداء لأمريكا والامبريالية ؟ والتي قادها العسكر وجحافل من دبلوماسيهم ؟ هل انتهت سنوات الصمود و الممانعة عند صد الحبيب وخفره ؟ واكتشف العسكر من الضروري لبقائهم وتسيدهم أن يرجو هذا الحبيب الأمريكي لعله يمسك بزمام المفاوضات السورية الإسرائيلية كراع أصيل بدل الراعي التركي الوكيل ، وعليهم أن يذكروه بحرارة الغزل المتبادل بينهم وبين نصف الاسرائيلين .
رابعا: القول الفصل:
المعلم دبلوماسي طريف أحيانا ، ومسوف في كل الأحيان ، والسفارة والسيادة والحرية وعمار لبنان ، كلها ستبقى تحت خطر الإزالة طالما أن عودة السيطرة السورية عودة كاملة ، قريبة ، نحن نرى ونتمنى ونكون مخطئين ، أن ذلك حاصل جزئيا وسيحصل كليا طالما أن اللبنانيين يردوون أن قوة لبنان في ضعفه .
رحم الله سيدنا المتنبي :
ووضع الندى في موضع السيف في العلا مضر كوضع السيف في موضع الندى
وفي الخاتمة اسمحوا أن نقلد الحكماء: وإذا لطموك بالسيف على خدك الأيمن فلا تدر لهم خدك الأيسر، وابحث عن سيفك قبل ن يأكله الصدأ، وويل لمن لا سيف له، أو صدأ سيفه.
معارض سوري
خاص – صفحات سورية –