جنازة في مسلسل باب الحارة
بدرالدين حسن قربي
من اليوم الرمضاني الأول وفي الحلقة الأولى لمسلسل باب الحارة في جزئه الثالث خرجت جنازة أحد أهم أبطال المسلسل في جزأيه الماضيين. ولعل مخرج المسلسل الشامي بطريقته المحكمة وبالعزاء الذي أقامه استطاع أن يسقي جماهير المشاهدين مقلبه ويغطي عليهم خلافاً بينه وبين أبي عصام كان سبباً رئيساً ووحيداً لعدم مشاركته في المسلسل مما دفع به خروجاً من مأزقه لتمويت الرجل وإظهار الحزن عليه ومن ثَمّ إغلاق ملفه وتغييبه من الحارة ولتمضي أمور مسلسله فيما بعد من دونه.
صحيح أن المخرج لم يعلن عن تشكيل لجنة للتحقيق في أمر أبي عصام ليعلم الناس إن كان اغتيالاً أو انتحاراً بسبب أو بدون أو هو شهادة أواستشهاد، كما لم يظهر لنا كلام الادعاء العام في هذا الشأن أو تصريحات المسؤولين ووعودهم القاطعة بالجهود المبذولة للكشف عن خفايا الجريمة ومن يقف خلفها، أو ظهور المعلقين والمشفطين والمحللين إياهم ليعقبوا ويدلّسوا على الناس، وصحيح أنه تغاضى عن تعاطف الجماهير ومحبتهم لبطل مسلسله، ولكن الأصح أيضاً أن المخرج بقصد أو بغير قصد استطاع أن يحاكي باللاوعي وبرمزية ما طريقة أسّس لها قامعون مستبدون فاسدون ومفسدون على أن الخلاف معهم والخروج عليهم لأي سبب معناه نهايتهم وخروج جنازتهم والمشي فيها والمشاهَد من تاريخهم شاهد.
بالغاء الآخر قمعاً واستبداداً ولو بإخراج جنازته نستطيع أن نفهم ونتفهم الموقف الرسمي تجاه المعارضة السورية عموماً والسيد عبدالحليم خدام خصوصاً ابتداءً من اللحظة التي قذف فيها بنفسه خارج عبارة النظام قبل أن يخرجوا جنازته معلناً انشقاقه عنه ومفارقته له وانحيازه للوطن حسب تصريحه عندما كان له أن يختار، ونستطيع أن نتفهم فيها أيضاً ماصدر مجدداً منذ أيام عن الجهات الرسمية من أحكام ضده لاتهامه بالافتراء الجنائي على القيادة السورية والإدلاء بشهادة كاذبة أمام لجنة التحقيق الدولية بشأن مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وكتابات وخطب لم تجزها الحكومة السورية كما اتهمته بالمؤامرة على اغتصاب سلطة سياسية ومدنية وصلاته غير المشروعة مع العدو الصهيوني والنيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي وأشدها دس الدسائس لدى دولة أجنبية لدفعها للعدوان على سوريا. وهي تهم يمكن بتعديلات بسيطة على عباراتها أن توجّه لأي معارضٍ سوري.
هنالك حقيقة يفترض استحضارها، وهي أن المشكلة بين السيد خدام والنظام تبدّت بعد انشقاقه وقوله لا لنظام العائلة الأسدي كما يحب أن يصفه، أما قبل ذلك فلم يظهر لنا شيء من خلاف رغم كل ماقيل من كلام واتهامات على طريقة (فرد الملاية) والردح في جلسة مشهودة كانت في حينها لمجلس الشعب على قناة التلفزيون السوري المحلية والفضائية سببها موقفه الجديد. ورغم أن كل ماقالوه عن الرجل كان عن تاريخ سابق لسنين وسنين من جلستهم فإن عضواً واحداً منهم لم يسأل نفسه أين كان كل هالأعضاء في ماضي هالسنيين مما تكلموا فيه إلا أن يكون اكتشافه لما كان جاء ليلة سماعه خبر انشقاق السيد خدام عن النظام ولاعلم له فيه من قبل.
غضبَ المجلس في حينه، وقامت قيامة الرفاق ووطنيتهم قومةً واحدة على مايبدو لأن الملاحقة تطال من ترك سفينة النظام فقط، أما من كان داخلها أو بقي فيها فهو من الحبايب ولا تثريب عليه وستره مطلوب ولو كان من أكبر النهابين والفاسدين، وهو كلام ينسجم تماماً مع ماقاله السيد خدام في حينه من أن جماعة المجلس وغيرهم لم يقولوا ماقالوا إلا بسبب موقفه السياسي المستجد وانحيازه للوطن، وإلا أين كان الجميع فيما قالوا من كلام يدينهم أنفسهم قبل غيرهم.
الكلام السابق يؤكد نفسه بنفسه من خلال الأحكام الجديدة التي صدرت والتي اعتبرها خدام تعبيراً عن حالة الاختناق والقلق والضيق التى يعيشها النظام فى سوريا بسبب عزلته الداخلية وكره المواطنين للنظام الذى حول سوريا الى سجن كبير وزاد فى معاناة شعبها بسبب استبداده وفساده. أما مايستوجب التوقف في رد النائب السابق السابق لرئيس الجمهورية على اتهامه بالاتصال باسرائيل من قبل النظام فهو تأكيده أن السوريين والرأي العام العربي يعرفون الدور الذى تقوم به اسرائيل لحماية النظام الحاكم الفاسد والمستبد والضغوطات التى تمارسها من اجل فك عزلته وفتح باب الحوار معه.
مايلفت النظر في المحكمة المشار إليها وأحكامها أنها لم تتعرض إلى ماقيل عن خدام من كلام من قبل السادة أعضاء مجلس الشعب ومافيه من اتهامات، وإنما انصبّت التهم تاريخاً على مابعد انشقاقه وخروجه على النظام بل أشارت إلى قضايا تتهم فيها السلطة الرسمية عادةً معارضيها من كان منهم في الداخل والخارج وبنصوص باتت تتكرر دائماً بين واحدٍ وآخر، ومن ثم كان نصيب السيد خدام كنصيب غيره من المعارضين فيما وجه إليه من تهم الافتراء والكذب على الدولة والنيل من هيبتها، وتوهين نفسية الأمة والصلات مع العدو الإسرائيلي والسعي لتغيير النظام بالقوة وكأن السعي لتغييره بغير القوة مسموح.
قد يقال الكثير عن المحكمة وأحكامها وما كان من تعليقات حولها، ولكن هذا لايلغي حقيقة واضحة أن عبدالحليم خدام النائب السابق لرئيس الجمهورية السوري لفترة طويلة والمعارض الحالي كان في انشقاقه ويبقى في تصريحاته ومقابلاته وأحاديثه فيما آلت إليه قناعته شاهداً ملكاً على فساد النظام واستبداده ليس كغيره من الشهود كما هو في الوقت نفسه شاهد على صحة رأي المعارضة وصواب قناعتها وعدالة قضيتها ونظافة أهلها.
تعتقد الأنظمة القمعية الفاسدة والمفسدة أنه بإخراج جنازات معارضيها أو اعتقالهم وإيداعهم سجونها وزنازينها بتهم محضرة ومجهزة، وكيل التهم جزافاً، وعمل الاستعراضات من محاكمات وأحكام أنها تحسن صنعاً وتمكّن لنفسها في الأرض. قد يصح هذا في مسلسل تمثيلي مثل باب الحارة، ولكن على صعيد الحياة والواقع فإن حقائق التاريخ تؤكد أن إخراج البلاد والعباد من أزمات مستعصية ومستحكمة ليس هذا طريقها، فما أمر الظالمين عنّا ببعيد، وما كان يوماً أمر فرعون برشيد، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
خاص – صفحات سورية –