صفحات أخرى

الانصاب والموتى في أمكنتهم لكن الاحياء يعدّون الحقائب

بلال خبيز
قلت للسائق الذي أقلّني من ميدان طلعت حرب، حيث ينتصب تمثال المصرفي ورجل الاعمال الشهير، إلى جزيرة الزمالك، اني اريد الوصول إلى حيث يقع تمثال أم كلثوم. فما كان منه إلا ان أجابني: وإذا ذهبنا ولم نجد التمثال، فماذا يكون من امرنا؟ قلت له: نعود إلى تمثال طلعت حرب. وكنت اظنه، على عادة المصريين في التندر والمزاح، يحاول ان يمازحني، لكنه ما لبث ان اردف قائلاً: وماذا لو ان تمثال طلعت حرب قد اختفى ايضاً، وكذلك التماثيل كافة؟ فأنت تعلم ان نصب التماثيل حرام. كان السائق الذي افصح عن التزامه الديني والايديولوجي في المسافة الفاصلة بين ميدان التحرير وجزيرة الزمالك، يعبّر عن رأيه الحاسم في الاعتراض على نصب التماثيل كائناً من يكن صاحب التمثال. والحق ان هذا التوجه، مثلما هو معلوم، منتشر في اوساط الأصوليات السنية على امتداد العالم. لكن المسألة لا يمكن اختصارها على هذا المستوى وحده. ذلك ان الحساسية السياسية والايديولوجية حيال التماثيل ليست مرضاً يصاب به الأصوليون الإسلاميون وحدهم دون غيرهم، بل ان الليبيراليين الروس حطّموا تماثيل لينين مؤسس الأمبراطورية السوفياتية بالحماسة الأصولية نفسها، كذلك لم يجد مناصرو الغزوة الأميركية للعراق طريقة للتعبير عن فرحتهم بهزيمة نظام صدام حسين سوى انزال تماثيله من الساحات العامة وجرجرتها على الطرق، كما لو ان تدمير التماثيل تعبير قاطع الدلالة على القطع مع التاريخ السابق وفتح صفحة جديدة مع المستقبل.
تعقب الأثر التاريخي
يمكننا ان نأخذ كلام سائق التاكسي على معنيين. المعنى الأول يتصل بإيديولوجيا دينية – مذهبية تفترض ان ازالة التماثيل واجبة ومفروضة بحسب الايديولوجيا الدينية. المعنى الآخر يفترض ان انتصاب التماثيل تعبير بليغ عن هوية المدينة التي تنتصب فيها تلك التماثيل، مثلما يكون من ناحية اخرى دلالة من دلالات معبّرة عن علاقة هذه المدينة بتاريخها، ودرجة تصالحها معه. والحال، يريد المعترض على التاريخ “العلماني” في مصر ان يزيل كل الآثار التي تشير إلى هذا التاريخ، مثلما يريد المعترض على التاريخ الديني فيها ان يزيل الآثار التي تشير إلى هذا التاريخ على وجه من الوجوه. لكنها مصر، حيث التاريخ اكثر كثافة من السكان، وحيث لا تزال القاهرة الفاطمية تتسع لأعداد هائلة من الزوار فضلاً عن قاطنيها، وحيث لا تزال قاهرة الملك فاروق تتسع ايضاً لمزيد من القادمين والزوار فضلاً عن المقيمين فيها منذ ابد الدهر. انها مصر التي يتكثف فيها التاريخ، وينتصب في الشوارع والحارات وعلى الأسوار، بحيث يصعب على ايٍّ كان ان يخفيه او يستخف به، مهما بلغت سطوته وقدرته على القمع وتطلّبه القسوة.
انتماء ما بين الشوطين
مصر هذه مثقلة بالتاريخ، إلى حد ان الزائر فيها لن يلمح تمثالاً لجمال عبد الناصر او انور السادات او جول جمال او سعد الدين الشاذلي. ليس لأن اياً من هؤلاء لم يحقق انجازات كبرى في التاريخ المصري، بل لأن مصر عرفت انجازات اكبر ولا تزال تحتضن في ذاكرتها وشوارعها ومبانيها انجازات هائلة لا يمكن مقارنتها بالانجازات التي حققها هؤلاء، على رغم شبه الإجماع الحاصل على اهمية ادوارهم وخطورتها.
لكن هذه الأدوار المهمة لم تصل على ما يبدو إلى حد التسليم الكامل بدورها والاتفاق على آثارها، الإيجابية والسلبية على حد سواء. وفي حين يبدو دور جمال عبد الناصر محسوماً في بلدان عربية كثيرة، وتنتصب تماثيله في الشوارع وتسمّى باسمه، وكذا المساجد، في كثير من بلاد العرب، إلا انه في مصر لا يزال يقع تحت سيف الجدال، ولم يصبح جزءاً من التاريخ المصري المجمَع عليه.
جمال عبد الناصر هو بالنسبة الى العرب صانع نهضتهم ومحرّك حركات التحرر الوطنية العربية من المحيط إلى الخليج، لكنه بالنسبة الى المصريين كان زعيماً له ما له وعليه ما عليه، إلاّ أنه لم يرق إلى مرتبة ابرهيم باشا او محمد علي باشا او سعد زغلول، من حيث الإجماع على بداهة دوره وتاريخه. ليس ثمة تماثيل لجمال عبد الناصر في القاهرة، لأنه لا يزال يقع في حمأة الجدال. والأرجح ان الزعيم الذي ملأ دنيا العرب وشغل ناسهم هو بالنسبة الى المصريين زعيم بين زعماء كثيرين، وبعضهم يفوقه اهمية من دون جدال. لكن هذا لا يمنع المرء من ملاحظة تمثال أم كلثوم الذي ينتصب شامخاً على ضفة النيل، حيث يقع الفندق المسمّى باسمها، قريباً من الشارع الذي يحمل اسمها ايضاً في جزيرة الزمالك.
لا غرو ان مصر لا تزال تخوض في مناقشات حارة حيال تاريخ الثورة المصرية والعهود التي تلتها، وهذه مناقشات تتمظهر في مجالات لا تحصى، فمن جهة يعتقد البعض ان الثورة المصرية التي احدثت ما احدثته من زلازل على امتداد المنطقة العربية، كانت تهدف إلى تغيير وجه مصر وتاريخها وطبيعة انتمائها، فقسرتها على انتماء عروبي، لا يصمد امام التدقيق التاريخي المنصف. وإذا كان ثمة من اسباب وعلل تدفع البعض إلى تبني مثل هذا الانتماء وجعله تحصيلاً حاصلاً، فإن ذلك يجب ان لا يحذف من تاريخ مصر العريق حقبات تاريخية طويلة وعامرة، ابتداء بتاريخ مصر الفرعونية الذي لا يرقى شك إلى اهميته، وصولاً إلى تاريخ مصر المملوكية والعثمانية حين كانت القاهرة اكبر مدن المنطقة، وربما العالم اجمع، ومن اكثرها ازدهاراً تجارياً، وفي تلك الحقبات شكلت القاهرة قطباً جاذباً لشطر لا يستهان به من شعوب آسيا وافريقيا واوروبا على حد سواء.
هذا التوجه يقع في قلب الجدال المصري الحاد اليوم، ويمكن اي شخص ملاحظة الكم الهائل من الكتابات التي تستعيد تاريخ مصر المستقلة والجاذبة التي تظهر في قاهرة اليوم. بل ان المدقق في التاريخ المصري القريب يمكنه ان يلاحظ هذا الارتباك المصري الحاد بين مقتضيات هويتين واتجاهين. في هذا السياق، ربما يجدر بنا ان نتذكر ان ملايين المصريين استقبلوا الرئيس الراحل انور السادات لدى عودته من اسرائيل في سبعينات القرن الماضي، مثلما كان ملايين من المصريين يعترضون اشد الاعتراض على تلك الزيارة وما عنته من تهميش لدور مصر العربي امتد لعقود خلت. كان اختلاط الهوية تعبيراً لا لبس فيه عن الخلاف الحاد بين وجهتي النظر الكبيرتين في مصر، لكنه من ناحية ثانية افسح في المجال لنشوء تيارات دينية تفترض ان الهوية المصرية البديهية والتي لا يرقى إليها شك تتمثل في اعتناق الدين الإسلامي واتباع تعاليمه، مما يعني ان هذا التوجه الطارئ في معنى من المعاني على تاريخ مصر وحاضرها، كان يلعب في الوقت الفاصل بين شوطين، وان الأصل في مصر اولاً وآخراً يقع في مقلب آخر.
صحراء عاقر ونيل ولود
لا شك ان هذا الاضطراب الذي يطاول الهوية المصرية يترك اثاره العميقة على وجه القاهرة ويضرب في عمق اعصابها. وإذا اضفنا إلى هذا الاضطراب واقع المعادلة التي تنوء مصر تحت ثقلها، على ما لاحظ جمال حمدان، وهي المعادلة التي تقضي بأن تنوء مصر تحت عبء صحرائها ونيلها. اي ان النيل هو ما يمنع هذه البلاد من ان تتحول صحراء، لكنه، اي النيل، هو ما يمنع اهل هذه البلاد من الظعن في اقاصي الأرض بحثاً عن الكلأ والمأوى والماء. يمكن المرء ان يلاحظ ان ثبات القاهرة في مكانها يستند ايضاً إلى ثبات آثارها. فلا شيء في مصر معرّض لعوامل الطبيعة وعوادي الزمان، وعلى نحو ما يعامل المصريون نيلهم، فيرون إليه مستمراً إلى ما شاء الله، وكبيراً إلى الحد الذي يمكن ان تبنى امة من حوله، فإنهم ايضاً يعاملون مبانيهم التي يسكنون فيها كما لو انها باقية إلى ما شاء الله، وان صلابتها وقدرتها على المقاومة لا تتصل من ايّ باب بحسن رعايتها وتطلبها الصيانة والانتباه. فما ان يمر المرء في شوارع القاهرة حتى يلاحظ حجم الإهمال الذي يضرب احيازها العامة. كما لو ان المصري لا يعتبر واجهة المبنى الذي يقطنه والمساحات المشتركة مع جيرانه جزءاً من الحيز الذي يخصه، فيما ينصبّ اهتمامهم البالغ على الدواخل، بيوتاً ومنشآت. كما لو ان المصريين عموماً قد وضّبوا حقائبهم وهم في انتظار المغادرة، لكن ما يمنعهم من مباشرة ذلك ليس اكثر من حشد الزوار – السياح، الذين ما ان تمضي فئة منهم وتغادر ميناء القاهرة الجوي، حتى تصل فئة اخرى اكثر عدداً.
يجد المرء في القاهرة حشداً لا يحصى من المباني التاريخية البالغة الجمال، لكن الاهمال اكثر من باد على واجهاتها. مثل هذه المباني تحاط في مدن اخرى بالرعاية والاهتمام البالغين، وتعامَل كما لو انها تملك نفساً وروحاً. وكثيراً ما يغالي البعض في تزيينها ورعايتها وابراز تاريخها على نحو يكاد يكون في مصر مضحكاً. بل ان المار في شوارع مصر سرعان ما يلاحظ ان البعض من هذه المباني المعتنى بها، غالباً ما تكون من المقار الرسمية او تابعة للسفارات الأجنبية. كما لو ان هذه الكنوز التاريخية والتي لا يمكن نقلها من بلد إلى بلد، لا تعني المصريين كثيراً، فيما يجهد الزوار الأجانب في التدليل على قيمتها، في مسابقة ساخرة، حيث يصرون على ابراز هذه القيمة امام المواطن المقيم الذي يعزف على الدوام عن مجاراتهم في ما يذهبون إليه. وفي هذا العزوف ما يمنع الزوار من تحقيق رغبتهم بالتدليل على ملكيتهم الأثيرة والمعتنى بها.
على الأرجح، ليس الفقر هو السبب الوحيد الذي يمنع المصريين من مثل هذه العناية ومجاراة هذا الاتجاه العالمي في التدليل الاريستوقراطي على الثبات. فالثبات بالنسبة الى المصري العادي امر بديهي ومفروغ منه، ولا حاجة به الى التدليل عليه. ألا يردد المصريون دوماً: مصر ام الدنيا؟
الدور والتوقع
هذا في ما يخص امومة الدنيا على وجه عام. لكن مصر ايضاً، مثلها مثل كل بلدان العالم، تخوض في سجالاتها الكبرى. انها امة تبحث، البحث الأبدي، عن دورها. والدور لا يقع دائماً في الماضي. على الأرجح انه لا يقع اصلاً في الماضي. بل انه تطلّع وتوقّع، على نحو ما يحدد القديس توما الاكويني المستقبل.
التطلع والتوقع في مصر باديان في كل الوجوه. النخب عموماً تبحث جادةً في مسارات التوقع هذه. بعضها يخشى كثيراً من ترامي ممالك الفقراء المعدمين، وبعضها ينظر بعين الخشية إلى ازدياد حالات العنف اليومي وانتشارها. وبعضها الآخر يتطلع إلى استعادة دور مصري في المنطقة العربية، باتت مقوّماته مطمورة. وبعضهم الآخر يدعو إلى انعزال غير مهموم بكل ما يجري حولهم. لكن الحوادث في الجوار وامتداداتها في الداخل المصري تجعل كل اقتراح من هذه الاقتراحات صعباً وغير ميسور.
يبقى ان هذا كله يقع على ارض من المسلّمات التي لا تخضع للمناقشة، والتي يستطيع المرء ملاحظة تجذرها في بداهة الانصاب التي تحفل بها القاهرة. الأنصاب في كل مكان، ويكاد معظمها يمت إلى التاريخ المصري الحديث بصلة وثيقة. لن نعدم ان نرى تماثيل لرمسيس او شارع يحمل اسم شجرة الدر. لكن معظم التماثيل تنتسب إلى تاريخ مصر الحديث. سعد زغلول، احمد عرابي، طلعت حرب، سليمان باشا، ابرهيم باشا، ومحمد علي… الخ. يتعامل المصريون مع هذه التماثيل التي تنتصب في ميادين القاهرة بالبداهة نفسها التي يتعاملون فيها مع اهرام الجيزة او ابي الهول. الأرجح ان المصري لا يتذكر طلعت حرب، دوراً ومكانة، إلا حين يسأله السائح، وغالباً لن تجد بين الجماعات المختلفة سياسياً على الحقبة الماضية خلافاً على طلعت حرب او محمد علي باشا. الخلاف يقع بالضبط في الفترة التي تلت هؤلاء. وهذا يعني في ما يعنيه ان اسباب الإجماع المصري متنوعة وكثيرة، وان ثمة الكثير مما يجمعون عليه، وهو بالضبط ما يعصم هذه البلاد من حريق آخر.
بيروت يا بيروت
ربما يجب على المرء ان يتذكر بيروت قليلاً، فالشيء بالشيء يُذكر، والمدينة تذكّر بأخرى. في بيروت ليس ثمة ما هو ثابت وراسخ في المكان. تلك مدينة اعيد اعمارها مرات ومرات. بيروت العثمانية لم يبق منها اكثر مما بقي من سور الأزبكية في القاهرة، وبيروت الرومانية باتت أثراً بعد عين. حتى بيروت الانتداب الفرنسي انزوت في بضعة احياء تنتشر بخفر وعلى استحياء على مساحتها الضيقة. مدينة تتجدد كل عقد، ولا يبقى من قديمها إلا ما ندر. وهنا تعامَل المباني الناجية من زحف العمارات الحديثة كما لو انها كائنات مهددة بالانقراض. وفي بيروت تنصب تماثيل وانصاب، لكنها سرعان ما تنزل عن مناصبها وتُجرّ في الساحات او يتم تفجيرها. كان تمثال جمال عبد الناصر يقع في ساحة عين المريسة المجاورة لشاطئ الصيادين. لكنه ذات حقبة من حقبات السياسة اللبنانية تعرّض للتفجير وازيل من مكانه، لينتصب في مكانه نصب حجري، يفيد ان تمثال الزعيم كان هنا. جمال عبد الناصر ليس الوحيد لم يستطع تمثاله الصمود في بيروت. بيروت لا تطيق حتى ابناءها، ففي الحرب الاهلية السابقة، تمييزاً لها عن الجارية فصولاً اليوم، ازيل تمثالا رياض الصلح وبشارة الخوري، صانعي استقلال لبنان، وتمت اعادتهما منذ سنوات قليلة العدد. ومن جهة ثانية يجمع اللبنانيون على اهمية تمثال الشهداء المنتصب في الساحة المسمّاة باسمهم، في المكان نفسه الذي رُفعت فيه مشانقهم في غروب الحرب العالمية الأولى على يد جمال باشا السفاح، الذي تولى امور لبنان في تلك الحقبة. هذا التمثال ليس تمثال الشهداء الأول. إذ سبقه إلى ساحة الشهداء تمثال نحته اللبناني يوسف الحويك. كان تمثال الحويك يمثل امرأتين تقعيان على جانبي تابوت، تمدان ايديهما لملامسة الجثة، وهي جثة الشهيد. المرأتان واحدة منهما مسلمة واخرى مسيحية، في تعبير مباشر عما يسمّى بجناحي لبنان الذي يطير بهما، وما يصل بينهما هو جثة الشهيد. على النحو نفسه يمكن التذكير بأن ما يصل بين اللبنانيين اليوم، كما الامس، هو الموت الذي يصيبهم من دون استثناء. انها وحدة المعاناة والالم. حتى الشهداء ليسوا محط اجماع عام في هذا البلد. في العودة إلى تمثال الشهداء، شهداء الاستقلال، يمكن المرء ان يعيّن مفارقة خارقة: لبنان اخذ استقلاله عام 1943، وقد استقل عن الانتداب الفرنسي بمساعدة انكليزية غير خافية. يومذاك عمد رياض الصلح احد مؤسسي هذا الاستقلال إلى الطلب من النحاس باشا الموافقة على استقلال لبنان، الذي بدوره بارك هذا الاستقلال. وفي هذا الأمر مفارقة اخرى، إذ ان مصر يومذاك كانت لا تزال تخضع لنظام الحماية البريطانية، اي ان الذي اجاز استقلال لبنان من هذه الجهة لم يكن يحكم بلداً مستقلاً بالفعل، لكنه كان دوماً مستقلاً بالقوة. في حين ان طالب الموافقة اللبناني، كان يدرك ان لبنان سيستقل بالفعل، وسيبقى محمياً بالقوة إلى امد غير منظور. لكن الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن استقلال لبنان كانوا قد سقطوا في مواجهة السلطنة العثمانية كما مر ذكره. وهذا يعيّن وجه المفارقة الخارقة. ان يكون شهداء الاستقلال راحوا ضحية عسف سلطة لا تمت بصلات قربى إلى السلطة التي كانت تنتدب لبنان يوم اخذ البلد استقلاله، لهو امر لا يمكن حمله على وجوه ومحامل كثيرة: البلد يجمع على الميت، وينقسم على الحي. فرنسا التي استمرت حية، كانت محل انقسام، لكن السلطنة العثمانية التي لفظت اخر انفاسها مع نهاية الحرب العالمية الأولى تحولت إلى محط اجماع لبناني على ادانتها. لأن البلاد الثانوية التي تندر اجماعاتها على النحو الذي يظهر عليه لبنان، هي بلاد لا تكتب تاريخها. فشرط كتابة التاريخ ان يكتب الميت تاريخ الحي، لا ان يكتب الحي تاريخ الميت، وهذا عين الفارق الكبير بين مصر التي يكتب موتاها تاريخها، ويجمع اهلها على موتاها، ويختلفون على احيائها، فيما يكتب الاحياء تاريخ الموتى في لبنان، وتتعسر وحدة البلد ويعزّ استقراره لأن الاجماع على الاحياء مستحيل في اي مكان من العالم وليس في لبنان وحسب
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى