كان على “ليمان براذرز” أن تسقط لإنقاذ النظام المالي
أفيناش برسود
كان قراراً شجاعاً. عبر التخلّي عن “ليمان بروذرز”، قطعة الأثاث التي مضى عليها 158 عاماً في وول ستريت، ورفض إخراج يديهما من جيوبهما عندما طلب مصرف “ميريل لينش” المساعدة، عاش وزير الخزانة الاميركي هانك بولسون وحاكم الاحتياطي الفيديرالي في نيويورك، تيم غيثنر، واحدة من نهايات الأسبوع الأكثر ازدحاماً بالمشاغل إنما المنطبعة بالهدوء من جانبهما. سوف تكون هناك تداعيات كثيرة في الأسواق المالية في الأسابيع القليلة المقبلة، وحتى مزيد من الالتباس.
يخطر سؤالان في البال على الفور. أولاً، لماذا أعطي “جي بي مورغان تشايس” ضمانات لمساعدته على شراء “بير ستيرنز” في آذار 2008، وبعد ستة أشهر تم الإحجام عن القيام بالشيء نفسه مع “ليمان بروذرز”، المؤسسة الأكبر؟ ثانياً، هل سيجعل إفلاس “ليمان بروذرز” الظروف المالية أفضل أم أسوأ؟ ثمة منطق وراء صد “ليمان بروذرز”، وفي حين أن الأمور سوف تسوء في المدى القصير، ربما كان البديل ليسبّب المعاناة نفسها إنما لوقت أطول.
كانت هناك أسباب لصد “ليمان بروذرز” لم تكن متوافرة في حالة “بير ستيرنز”. أولاً هناك التمييز بين الملاءة والسيولة. فترتيبات السيولة التي وضعها الاحتياطي الفيديرالي الأميركي بعد انهيار “بير ستيرنز” تعني أن المؤسسات التي تفشل الآن تواجه احتمالاً أكبر بأن تعاني من مشكلة ملاءة وليس مشكلة سيولة موقتة. الخطأ في السياسات الذي أدّى إلى عقد من النمو الضائع في اليابان في التسعينات كان السماح للمؤسسات التي لا تتمتّع بالملاءة بأن تتقدّم بصعوبة بينما تصلّي من أجل انتعاش الأسعار في الأسواق، الأمر الذي لم يتحقق.
ثانياً، هناك موضوع المخاطر السلوكية. ففي حين كانت المصارف المركزية توفّر السيولة بشروط سخية وتحول دون إفلاس المؤسسات، لم تكن بعض المصارف تنخرط في عملية إعادة هيكلة صارمة بل كانت تقامر وتعرّض النظام للخطر. كانت منهمكة في ادّخار السيولة ووضع أدوات محفوفة بالمخاطر في أيدي السلطات. لماذا وجب أن تشارف “ليمان بروذرز” على الإفلاس كي تعدّ خططاً لوضع 30 مليار دولار من أصول الأملاك التجارية التي يصعب بيعها في كيان منفصل؟ كان الوضع معقّداً ومتغيراً، غير أن المصرفيين سوف يدركون الآن أن اللعبة لا تتعلق بإغراء صناديق الثروات السيادية للاستثمار قبل تعافي الأسواق، بل بالسبيل إلى إعادة الهيكلة من أجل عالم جديد وشجاع يكون القطاع المالي فيه أصغر حجماً.
ثالثاً، هناك عامل مقلق لم يكن موجوداً عند انهيار “بير ستيرنز”، وقد شكّل حجة قوية ضد تقديم ضمانات جديدة من جانب الحكومة. منذ إنقاذ “فريدي ماك” و”فاني ماي” في آب الماضي، بدأت أسواق الائتمان تحسب حساباً لإمكان عجز الحكومة الأميركية عن تسديد ديونها. يظل هذا الاحتمال جزءاً من واحد في المئة لكنه تطوّر غير مسبوق.
أخيراً هناك المخاطر المعمّمة على النظام. يردّد المصرفيون باستمرار أنه إذا لم يُحلّوا من خطاياهم، فالجحيم والهلاك سيحلان بنا جميعاً. ينجح هذا عادة. عندما كان مصرف “بير ستيرنز” يترنّح على شفير الهاوية، قيل إنه إذا تُرِك هذا المصرف الاستثماري الأبرز في قطاع الرهون العقارية يتداعى، فسوف تنتقل المحنة من أروقة القطاع المصرفي إلى ماين ستريت. ومع ذلك انهارت سوق الرهون العقارية وجرى تأميم جزء كبير منها – “فريدي” و”فاني”. ربما شعر المسؤولون أن تهاوي “ليمان بروذرز” الآن، وهي مؤسسة غير معنية بقوة في مجال الرهون العقارية السكنية، لن يحدث فرقاً كبيراً.
غير أن إفلاس “ليمان بروذرز” ستكون له تداعيات على النظام بكامله. ومصادر هذا الخطر المعمّم على النظام سوف تكون الالتباسات الجديدة حول طريقة عمل سوق التخلّف عن تسديد القروض، والشائعات عن شركات التأمين التي باعت بوالص تأمين ضد تخلّف الشركات عن تسديد ديونها، ودورة الخفوضات في قيمة الأصول الدفترية. تبيّن أنه من الصعب بيع حافظة الأملاك التجارية الخاصة بـ”ليمان بروذرز”، غير أن المصرف لم يخفّض قيمة هذه الأصول سوى إلى 85 سنتاً بدلاً من كل دولار. والآن مع بيع هذه الأصول، سوف يكون هناك مستوى تسعير شفاف ستدمجه المؤسسات الأخرى في تقديرها لقيمة أصولها – وإلا ستفعل السوق ذلك بالنيابة عنها. سوف تحدّ الخفوضات الجديدة في قيمة الأصول من قدرة المصارف على الإقراض، مما سيؤدّي إلى تراجع الاستثمارات وتباطؤ النمو الاقتصادي. سيقول المتفائلون إنه كلما أسرعنا بخفض الأسعار بطريقة شفافة، انطلقت المعافاة بسرعة أكبر.
يصعب الاعتراض على ذلك الآن، لكن الدرس الحقيقي الذي نستمدّه من التصارع مع ضباب الحرب هو أنه يجب تفادي الحروب لا إبعاد ضبابها. يجب أن نضاعف جهودنا من أجل التخفيف من حدة الطفرات التي تسبّب الأزمات، والتوقّف عن ثني المستثمرين الطويلي الأمد، من خلال القوانين المحاسبية والتنظيمية، عن التصرّف من منظار طويل الأمد.
عن “فايننشال تايمز”
ترجمة ن. ن.
(رئيس شركة الاستشارات المالية “إنتليجنس كابيتال ليمتد” وأســتاذ فخري في غريشام كوليدج في لندن.)