الخطط التي تعدّها طهران في حال تعرّضت لهجوم عسكري
جورج مالبرونو،
البحريّة الإيرانيّة تعدّ لعمليات انتحاريّة بالزوارق ضد البحرية الأميركية
“هجوم جماعي، على طريقة الذئاب” على السفن الأمريكيّة: إنّه أسلوب الحرب الخاطفة الذي ستعتمده القوات البحريّة الإيرانية في مياه الخليج العربي – الفارسي في حال تعرّضت منشآتها النوويّة لهجوم عسكري. ذلك أنّ قرابة العشرين زورقاً حربياً صغيراً يقودها أعضاء متشددون من الحرس الثوري الإيراني توحي بالاستعداد للهجوم على السفن الأجنبية الراسية في المياه الدوليّة. ويحذّر علي شيرازي، ممثّل القائد الأعلى للحرس الثوري، الجيش العقائدي للنظام في إيران الذي يهدّد بالرد عبر مهاجمة تل أبيب والأسطول الأمريكي الموجود في الخليج في حال تعرّضت إيران لهجوم، يحذّر من أنّ الاعتداءات الانتحارية على السفن “لن تترك للعدو أي فرصة للهرب”.
ويعترف مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الفرنسيّة، يرصد تحرّكات الإيرانيين في الخليج بأنّ “الإيرانيين قادرون على إلحاق ضرر بالسفن الغربيّة، بفضل طائراتهم المطاردة وزوارقهم الحربية السريعة والمزوّدة بقاذفات صورايخ”.
وتمتلك طهران أيضاً ثلاث غواصات سوفياتيّة الصنع (من نوع كيلو) وقرابة الاثنتي عشرة غوّاصة صغيرة يمكن أن تحمل مغاوير من القوّات الخاصّة، ونحو ألف زورق حربي مجهّز بالأسلحة، بينها قرابة مئة زورق سريع ذاتي الحركة، جاهزة لتنفيذ عمليّات انتحارية. ويرى هيوبرت بريتش، ملحق عسكري سابق في طهران أنّ “سرعة تحرّك هذه الزوارق، وعزيمة طاقمها تجعلها شديدة الخطورة”.
في الجهة الأخرى من الخليج، تخشى الدول العربية الضعيفة قيام حرب عصابات جوية وبحرية، فقد رصدت القوات البحريّة للعديد من دول الخليج في آخر آب الماضي “تصلّباً” في نشاط قوّات الباسدران في المياه الدوليّة، ويدلّ على قرب حدوث الاعتداء المحتمل مغادرة بعض السفن الأمريكيّة مما يزيد من التكهنّات حول احتمال تعرّضها للقصف. فهل هذه خدعة من طهران أم لا؟ في الحالتين، نخشى كما حدث في كانون الثاني تاريخ الحادثة الأخيرة، القيام بخطوة ناقصة قد تشعل فتيل الاعتداءات.
إشارات متناقضة
يقوم الإيرانيون بتجربة جديدة على صاروخ رعد المضاد للسفن الذي قد يصل مداه الى 300 كلم دون أن تبدو عليهم علامات الاستعداد لأي هجوم تقول إيران إنها تستبعد حصوله. وهم كذلك يعملون على تجهيز غوّاصة جديدة من النوع المتوسط يسمونها غواصة Ghaem، قادرة على قذف الطوربيدات. فحتى ولو كانت طهران الأمهر في فن إخفاء قدراتها أو تضخيمها في الخليج، فإنّ “قدرتها على الحاق الأذى” لا يجب أن يستهان بها، لأنّ التنسيق بين قوات الباسدران والجيش النظامي أو الأرتاش يتم وبالشكل الأفضل في المجال البحري. وما يقلق الدول الغربية العظمى هو قدرة جيش الباسدران على الاعتماد على طائرات استطلاع قادرة على رصد تحركات الغواصات (طائرات الأوريو Orions الأمريكية بشكل خاص) بما يمكّن من كشف أي هجوم مضاد للغواصات يجري بشكل خفي.
هل سيصل الأمر بالإيرانيين الى حد زرع ألغام في مضيق هرمز، بما قد يؤدي الى إقفال القناة التي تسمح لهم بتصدير البترول، ويالتالي تكبّد اقتصادهم ثمناً كبيراً؟ في الأشهر الأخيرة، أرسلت إيران إشارات متناقضة بهذا الخصوص.
الشيء المؤكّد: هو أنّ أيّة منشأة أمريكية، عسكريّة أو سياسيّة في الخليج، ليست بمنأى عن التعرّض لهجوم انتقامي من إيران. ولكن للتصدّي للهجوم المعاكس، سيكون على الإيرانيين اعتماد منهجيّة السيطرة على الأجواء بشكل كامل. فخلال وقت محدّد، يجب أن يطلقوا عدداً كبيراً من الصواريخ لتتمكّن من خرق الدرع الجوي ولإصابة أهدافها المحدّدة. وهي أهداف سهلة التحقيق من قاعدة “العُديد” الأمريكية في قطر، مروراً بالمنشآت البترولية السعودية. وقد سبق لإيران أن بعثت رسالة الى البلدان العربية تطالبها فيها بعدم السماح للأمريكيين باستخدام أراضيها كقواعد للهجوم على الجمهوريّة الإسلاميّة.
وقامت إيران بنصب قواعد صواريخ أرض- أرض تكتيكية من طراز CR8 سلوان في مواجهة شواطئ الإمارات العربية المتحدّة، في جزيرتي طمب وأبو موسى اللتين تطالب بهما أبو ظبي. في المحصلّة، ربما تمتلك طهران قرابة ألف صاروخ باليستي و تكتيكي، وهي صواريخ يمكن أن تُطلق بواسطة قاذفات متحركة من أي نقطة في البلاد. وفي هذا السياق يحذّر هيوبرت بريتش من أنّه في حال تعرّض جهاز التوجيه لأي عطل، فإنّ “تركيز الصواريخ في مواقع غير مقفلة قد يجعل من الصعب كشفها، لإمكانية تمويه العربات كمقطورات شحن مدنية”، كما أنه لا يستبعد إطلاق هذه الصواريخ بعد تزويدها برؤوس كيميائية.
وبمداها الذي يبلغ 150 الى 500 كلم، يمكن لصواريخ أرض أرض الاستراتيجية (من طراز css-8، شهاب 1 وشهاب 2) التي تمتلك إيران منها 450 صاروخاً، أن تصل الى القواعد الأمريكية في الخليج. ولكن الأخطر هي صواريخ شهاب 3، التي يكفي قرابة العشرين صاروخاً منها لتسديد ضربة لإسرائيل، بفضل مداها الذي يراوح بين 1300 و1500 كلم. ولعلّ عملية إطلاق الصواريخ اليي جرت مؤخراً في إطار المناورات يعتبر “إشارة واضحة” على تصميم طهران. إلا أن التلاعب ظهر جلياً بإحدى المعدات، بما يطرح تساؤلًا حول ما إذا كان صاروخ شهاب 3 معدّل، أم أنه صاروخ آخر ذو مدى أطول جاء ثمرة برنامج تكنولوجي حقيقي، وهو قادر على حمل مواد نووية؟ لا يزال الغموض يلف هذا الموضوع.
إذا كانت طهران قادرة على الرد مباشرة على أي هجوم يطالها، فإن هذا ليس أسلوبها في التعاطي مع المسائل الخطرة، كما يرى معظم الخبراء. فالجمهورية الإسلامية ستختار الرد غير المباشر بفضل عملائها وممثليها المنتشرين في العراق، وأفغانستان، ولبنان، والخليج.
حلفاء ظرفيّون
لدى جاره العراق، قد يزيد الحرس الثوري الإيراني ضغوطه على الميليشيات الشيعية التي يدعمها منذ عام 2003 (جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر وقوات فيلق بدر). وقد يحدّد الجنود الأمريكيين الذين يعدّون 140000 في العراق كأهداف للاعتداء، ففي حال تعرّضت إيران لهجوم عسكري، لن يعود هناك أي سبب يمنعها من استخدام قدرتها على الأذى، كما سبق واستخدمتها في العراق ولا تزال.
وفي أفغانستان، قد لا تتردّد إيران أبداً بعقد تحالف ظرفي مع أعدائها السنة في حركة طالبان، إذ سبق أن زوّدتهم بالسلاح وبمعدات متفجّرة. وهي ترى أنها لم تكافأ على “الحياد الإيجابي” الذي اعتمدته في أعقاب اعتداءات 11 أيلول 2001 فيما يتعلّق بالملف الأفغاني: ذلك أنّ جورج بوش، وضع بعدها بقليل النظام الإسلامي الإيراني على لائحة بلدان “محور الشر”.
وباسم هذا التعاطي الواقعي، لا يُستبعد أن تطلب طهران عون القاعدة مؤقتاً، وهي المتهمّة بايواء بعض كوادر هذه الحركيّة الإرهابية. فعلى الرغم من الكراهية التي يكنّها الطرفان لبعضهما البعض، لم تهاجم القاعدة يوماً إيران. فهل هذا محض صدفة؟
أما في لبنان، فقد تطلب إيران من “حزب الله” استخدام سلاحه المتطوّر ضدّ إسرائيل. وبالفعل، يعتقد الخبراء أنّ إعادة تسليح الميليشيا الشيعية منذ خوضها حرب تموز 2006 ضد إسرائيل، كان مشروطاً بالتزام “حزب الله” عدم استخدام السلاح إلا في وجه الدولة العبريّة. ومن الممكن كذلك أن تحرّك إيران حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين، اللتين استطاعتا الحصول على عدد أكبر من الصواريخ الطويلة المدى في السنوات الأخيرة.
وأخيراً، في دول الخليج، يمكن لإيران الاعتماد على الأقليات الشيعية، التي تعاني في غالبيتها من سياسة التمييز العنصري التي تمارسها عليها الأنظمة السنية الحاكمة، سواء في المملكة العربية السعودية أو في الكويت، أو بالأحرى في البحرين حيث بدأ الشيعة (الذين يشكلّون الأكثرية) بالتظاهر بشكل عنيف. وقد يتولى بعض رجال الدين تعبئة الجماهير، كما حدث في الماضي عندما نفّذ بعض الشيعة المتأثرين بطهران اعتداءات على موقع الخُبر البترولي في المملكة العربية السعودية عام 1996.
في ظل مثل هذه الظروف، يمكننا تفهّم حديث نيكولا ساركوزي عن “كارثة”، في إطار تطرّقه لنتائج تسديد ضربة عسكرية لإيران أثناء وجوده الأسبوع الماضي في دمشق.
Le Figaro