الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

) نقاط الضعف الإيرانية الحسّاسة و سُبُل وقف المشروع النووي (دراسة اسرائيلية

يوسي كوفر فاسير
لطالما وقعت الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية الكثيرة التي تناولت في الآونة الأخيرة موضوع خطر السلاح النووي الايراني في واحد من أمرين: اما تضخيم هذا الخطر واعطاؤه أحجاماً تتجاوز بكثير حجمه الحقيقي في محاولة اسرائيلية واضحة لإيقاظ مخاوف العالم وشكوكه ازاء هذه المشكلة الملحة؛ وإما تضخيم قدرة اسرائيل على وضع حد لإمكان امتلاك ايران للسلاح النووي حتى من دون اي مساعدة من جانب الدول الأخرى. أما في دراسة يوسي كوفرفاسير “نقاط الضعف الايرانية الحساسة…”فمحاولة لتحليل اسرائيلي واقعي لنقاط  الضعف الإيرانية وكيفية استخدامها من أجل وضع حد للمشروع النووي الايراني.
بعد مقدمة سريعة يعرض فيها الكاتب لما آلت اليه المواجهة بين ايران والعالم الغربي على خلفية سعي ايران الحثيث للحصول على السلاح النووي يطرح السؤال التالي: هل ايران محصنة فعلاً في وجه أي هجوم؟ ويشير الى ان تجربة الأعوام الأخيرة تدل على عدد من نقاط الضعف الحساسة التي قد يؤدي ضربها الى رد ايراني عقلاني يتلاءم مع الحسابات الغربية . والدليل على ذلك ما جرى عام 2003 عندما طلبت الدول الغربية من ايران وقف برنامجها النووي وتجاوبت ايران مع هذا المطلب، وقام الايرانيون طوعاً خلال العامين التاليين بالتخفيف من سرعة مشروعهم. كما تدل سرعة تجاوب طهران مع مطلب الافراج عن البحارة البريطانيين الذين أوقفتهم في آذار – نيسان عام 2007 على رغبتها بعدم اثارة غضب الدول الأوروبية ضدها.
يستنتج الكاتب من مراجعة التجربة الماضية ان ايران كانت حتى عام 2004 تتعامل بجدية مع احتمال أن يؤدي فشل المفاوضات حول سلاحها النووي مع الغرب الى اتخاذ مجلس الأمن قراراً بتوجيه ضربة عسكرية أميركية للمنشآت النووية الإيرانية. ولكن بعد الضرر الكبير الذي لحق بصورة الولايات المتحدة في العراق والذي كان لإيران وفقاً للكاتب دور كبير في حدوثه، شعرت ايران ان بإمكانها تحدي الأميركيين ومعاودة نشاطها النووي بالوتيرة السابقة.
ويعني ذلك في رأي الكاتب ان ايران ليست بحاجة لأن تخاف من ضربة عسكرية لتوقف مشروعها النووي وانما في بعض الأحيان قد ينجح الضغط على نقاط الضعف لديها من أجل حملها على اتخاذ قرار بهذا الشان، وهذا هو هدف هذه الدراسة.
يعتبر الكاتب أن تخلي ايران عن مشروعها النووي هو بالنسبة اليها اعلان افلاس سياسي للنظام الحاكم على الصعيدين الداخلي والخارجي. فمثل هذه الخطوة من جانب الجمهورية الاسلامية في ايران ستقوي موقف القوى السياسية المعارضة للنظام والاصوات المنتقدة لسياسة ايران. كما من شأن ذلك ان ينعكس ضعفاً على المعسكر الاسلامي المتطرف الذي تتزعمه ايران، ويعزز من القوى الراديكالية الاسلامية المناوئة لها بزعامة “القاعدة”.
التبعية الاقتصادية للغرب
قد تكون أهم نقطة ضعف في النظام الايراني ارتباطه بالاقتصاد العالمي. يشير الكاتب الى ان معظم المداخيل الايرانية تستند الى تصدير النفط الخام. كما تعتمد ايران اعتماداً كلياً على استيراد المواد الأولية من الخارج ناهيك بالنفط المكرر. الدخل الفردي في ايران منخفض ويعاني الاقتصاد من مشاكل جمة مع تراجع مستمر في مستوى النمو. فعلى الرغم من الارتفاع الكبير الذي شهدته اسعار النفط في الاشهر الاخيرة فقد تراجع مستوى النمو العام بنسبة 3 في المئة. ومن المعروف ان المجتمع الايراني مجتمع استهلاكي من الطراز الأول لا سيما في أوساط الطبقة الوسطى التي تحاول محاكاة الدول المتطورة في مستوى الحياة، ومن هنا الضغط الكبير على الطلب الذي في حال عدم تلبيته قد يؤدي الى ارتفاع كبير في مستوى التضخم او الى اضطراب اجتماعي نتيجة المشكلات التي يواجهها الاقتصاد.
تعتمد التجارة الايرانية اعتماداً كبيراً على التجارة العالمية. وبلغ حجم الاستراد الايراني عام 2005 نحو 43 مليار دولار، ناهيك بالضرر الكبير الذي يمكن أن يلحق بإيران في حال اجبارها على وقف تصديرها للنفط او وقف اسيراد المشتقات النفطية، فهي تستورد نحو 40 في المئة من المشتقات النفطية. بالاضافة الى استيراد نحو 50 في المئة من المواد الغذائية والآلات الزراعية والمنتجات الإلكترونية. لذا فإن وقف الاستيراد سيصيب الإقتصاد الايراني بالشلل التام.
التبعية في مجال الخدمات المصرفية
تعتمد ايران في معاملاتها المصرفية على شبكة من المصارف المحلية والعالمية. ولقد ظهر هذا الاعتماد على المصارف الأجنبية ابان أزمة الرهائن الأميركيين وتجميد الأرصدة  الايرانية في المصارف الأجنبية. ويقدر فائض العملة الأجنبية في ايران بنحو 60 مليار دولار موجود في معظمه في مصارف غربية. ثمة مجال آخر مهم بالنسبة لإيران هو مجال التأمين على الاستثمارت والتجارة الأجنبية. فمنع التأمين
على هذه الاستثمارت سيلحق ضرراً بليغاً بالاقتصاد الايراني.
الحاجة الى التكنولوجيا الغربية
في رأي الكاتب التقدم التكنولوجي في ايران ما كان ممكناً ان يتحقق من دون المساعدة الخارجية. وتشكل هذه التكنولوجيا عنصراً مهماً في اعتماد الاقتصاد ايران على الغرب. لولا المساعدة الروسية والصينية والكورية الجنوبية لما تقدمت الصناعة العسكرية في ايران لا سيما صناعة الصورايخ. وفي المجال النووي حصلت ايران على مساعدة باكستانية. وتحتاج ايران بصورة خاصة الى التكنولوجيا الغربية في مجال الصناعة النفطية لمساعدتها على زيادة انتاجها من أجل تلبية الزيادة الكبيرة على الطلب.
يقول الكاتب ان التبعية الإيرانية للخارج في مجال النفط ستزيد من هشاشتها ومن نقاط ضعفها. فهي مضطرة الى توظيف 10 مليارات دولار سنوياً في مجال الطاقة للمحافظة على نسبة الانتاج الحالية لحقول النفط لديها. ومن المنتظر أن تنضب هذه الحقول سنة 2015 مما سينعكس بصورة سلبية على الاقتصاد حيث نصف المداخيل مصدرها النفط.
يرى الكاتب أن هناك احتمالاً كبيراً ان ينجح استخدام التبعية الايرانية للغرب من أجل الضغط عليها. ولكنه يشير الى عدد من العقبات التي تعترض هذه العملية وفي طليعتها انعكاس ذلك على ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية وتدفيع المدنيين في ايران الثمن الباهظ للمقاطعة الاقتصادية بدلاً من جعل النظام الايراني يدفع الثمن. ناهيك بعدم رغبة أي طرف عالمي بالتخلي عن مصالح بلده الاقتصادية في ايران.
من هنا يشير الكاتب الى ضرورة التوصل الى اجماع دولي ثابت يحترم فرض العقوبات على طهران. ولكن وجود دول مثل روسيا والصين وحتى دول اوروبية لا تريد قطع علاقاتها الاقتصادية مع طهران سيشكل دائماً حجر عثرة في هذا المجال.
لا يبدي الكاتب تفاؤلاً كبيراً بفرص نجاح الضغط الاقتصادي الذي ثبت تاريخياً انه غير قادر على فرض ارادته على الدول، ولا يستطيع وحده اجبارها على تغيير سياساتها.
زعزعة الاستقرار الداخلي
يبحث الكاتب في امكان استغلال النقمة الشعبية على النظام في ايران ووجود قسم كبير من المجتمع الايراني ينتقد القيود المفروضة على الحرية الفردية ويعترض على السياسات الاقتصادية للنظام التي تعطي الأولوية لمساعدة أطراف خارجية على تأمين مصلحة الفرد الايراني ورفع مستوى حياته من أجل الضغط على النظام الحاكم واجباره على التراجع عن مشروعه النووي. ويجد أنه رغم الانتقادات السياسية للنظام فثمة اجماع شعبي داخل ايران مؤيد للمشروع النووي الايراني ويدعمه. من هنا يجد ان ثمة صعوبة في تحريك المعارضة السياسية في ايران في هذا الاتجاه، هذا عدا عن أن الجمهور الايراني ورغم كل مساوىء النظام القائم يفضله على الفوضى التي ترافق قيام حركات تمرد او عمليات ارهاب داخلي مما يؤدي الى زعزعة النظام.
المجال العسكري هو الأضعف
يرى كوفرفاسير أن نقطة الضعف الاساسية لدى ايران تكمن في ضعف قدرتها العسكرية على عكس ما تدعيه. فالجيش الايراني والحرس الثوري مزودان بسلاح قديم. أما السلاح الاستراتيجي المتطور الذي في حوزة الحرس الثوري واستعداد روسيا لتزويد طهران بمنظومة دفاعية
جوية متطورة؛ فيؤمنان قدرة دفاعية محدودة النطاق فقط.
صحيح ان صورايخ “شهاب – 3″ قادرة على اصابة أهداف في اسرائيل وحتى في وسط أوروبا ولكن منصات اطلاق هذه الصواريخ محدودة. ويضيف الكاتب:” في أعقاب حرب لبنان الثانية تضررت قدرة ايران على استخدام حزب الله والاراضي اللبنانية كنقطة انطلاق للطائرات الايرانية وللسلاح البري من اجل مهاجمة اسرائيل. ولكن رغم ذلك، لإيران قدرة لا يستهان بها لإلحاق الضرر بالدول المجاورة لها بالصورايخ القصيرة المدى والأكثر دقة في اصابة الهدف من الصواريخ البعيدة المدى. وباستطاعة هذه الصواريخ ضرب أهدف أميركية في العراق بالإضافة الى أهداف استراتيجية في الخليج العربي لا سيما السعودية. كما تستطيع ايران التهديد بالقيام بعمليات ارهاب في العالم في حال هوجمت، وهي تملك المعلومات الاستخباراتية التي تخولها القيام بذلك.”
وفي رأي الكاتب تحاول ايران التغطية على ضعفها العسكري من خلال تطوير قدرتها الدفاعية والردعية بالتهديد بمهاجمة جيرانها واسرائيل واهدف أخرى في العالم. وهي تستخدم لهذا الغرض الخطاب التخويفي ولغة الترهيب من أجل ردع أي طرف عن مهاجمتها.
يرى الكاتب أنه في حال لم تنفع كل السبل للضغط على ايران لوقف مشروعها النووي، على الغرب واسرائيل ودول الخليج أن تقرر ما اذا كان عليها مواجهة مخاطر القيام بضربة عسكرية لإيران أو المخاطرة بمواجهة التهديدات النابعة من حصولها على السلاح النووي. وفي تقديره ان طهران تملك اليوم من الأورانيوم المخصب ما يخولها انتاج ثماني قنابل ذرية. ويعتبر ان فرصة وقف المشروع النووي الايراني بضربة عسكرية تتضاءل مع مرور الوقت. ولكن مع التفوق الجوي والمعلومات المخابراتية يمكن تنفيذ ضربة عسكرية للبنية التحتية للمشروع النووي في ايران التي لن يكون في وسعها بسبب ضعفها العسكري المخاطرة برد عسكري واسع النطاق على أي ضربة لمشروعها لأنها تعرض نفسها وبلدها والمنطقة لمخاطر جسيمة لا طاقة لها على تحمل ثمنها.
ما العمل؟
الجواب على السؤال في رأي الكاتب هو في جعل الزعامة الإيرانية تعي بصورة واضحة أن بقاء الثورة الاسلامية في ايران رهن بوقف مشروعها النووي، وان مواصلتها هذا المشروع سيتسبب بسقوط نظامها. ولتحقيق هذا الهدف لا ينبغي الاستعانة فقط بالعقوبات الإقتصادية، وانما على المجتمع الدولي الضغط على نقاط الضعف الايرانية الاقتصادية والداخلية والعسكرية التي عرضتها الدراسة. لكن هذا كله لا يكفي؛ فكي تكون الضغوطات على النظام فعالة يعتبر الكاتب انها يجب أن تترافق بتهديد صريح باستخدام القوة العسكرية ضد المشروع النووي الايراني في حال لم تؤت العقوبات ثمارها المرجوة. وهذا التهديد الحقيقي هو الضمانة الوحيدة لتجنب قيام مواجهة عسكرية لاحقاً مع ايران النووية. ويخلص الى القول: “لقد علمتنا التجربة مع ألمانيا النازية ومع بن لادن وحزب الله وحماس أن تجنب التهديد العسكري في الوقت الملائم يؤدي الى الكوارث والى نشوب حروب في ظروف صعبة. كما علمتنا تجربة قصف المفاعل العراقي عام 1981 مدى اهمية تنفيذ التهديد عندما لا يكون هناك مفر من ذلك. فهل تعلمنا الدرس؟”.
* (اللواء في الاحتياط الاسرائيلي يوسي كوفرفاسير – نقاط الضعف الايرانية الحساسة وسبل وقف المشروع النووي – الموقع الإلكتروني لمعهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي 2008.)
ترجمة رندة حيدر
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى