لحظة فراغ
ساطع نور الدين
ليس نائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ديفيد هيل الموجود حاليا في بيروت، في زيارة هي الثالثة في غضون اشهر، في اجازة تفرضها ظروف المعركة الرئاسية التي دخلت اسابيعها الاربعة الاخيرة في اميركا، لكن جدول اعماله ولقاءاته ومباحثاته لا يوحي بانه في مهمة جدية، تقتضيها ظروف طارئة يمر بها لبنان…
اسقطت على زيارة الموفد الاميركي مهمات استثنائية غير ذات صلة، بينها انه ارسل الى لبنان للاعلان عن صفقة تسلح اميركية كبرى مع الجيش اللبناني، او لاستشكاف اهداف الانتشار العسكري السوري على الحدود اللبنانية الشمالية، وعواقبه على فريق الغالبية النيابية، الذي يستعد لاكثر من معركة سياسية حاسمة على مصيره ومستقبله… مع ان واشنطن هي نفسها التي تتريث في مقاربة هذين العنوانين، ولا تضفي عليهما صفة الالحاح.
ثمة مراجعة اميركية اكيدة لسياسة اعتمدت تجاه لبنان طوال السنوات السبع الماضية، كلف بها دبلوماسي محترف سبق ان ساهم في بلورتها من موقعه الحالي في وزارة الخارجية، ومن تجربته اللبنانية الطويلة عندما خدم في عوكر لسنوات عديدة، وبات على معرفة وثيقة بغالبية افراد الطبقة السياسية. الوقت الحالي هو الانسب لاستخلاص العبر ورفع توصيات الى الادارة الاميركية المقبلة حول سبل التعامل مع الازمة اللبنانية، التي كانت حافلة بالفرص والخيبات لادارة الرئيس جورج بوش.
محصلة التجربة الماضية لا يبدو انها تعزز من رصيد السفير هيل، لا في واشنطن ولا في بيروت. فهو كان من صناع الكثير من المواقف والقرارات التي اتخذت اشكالا استعراضية، من مصادرة ثورة الارز واعتبارها انجازا خاصا لبوش ومشروعه الديموقراطي في الشرق الاوسط، الى ارسال المدمرة كول الى الشواطئ اللبنانية لتعرض على قادة تلك الثورة تعليمهم فنون السباحة والغطس… مرورا بالكارثة الكبرى التي حلت باللبنانيين جميعا نتيجة اصرار الادارة الاميركية على ان تدمير لبنان بواسطة آلة الحرب الاسرائيلية في العام ٢٠٠٦ سيؤدي الى نزع سلاح حزب الله!
لا شيء يضمن ان مثل هذه الكوارث التي تسببت بها ادارة بوش في لبنان لن تتكرر قبل ان يتولى الرئيس الاميركي الجديد منصبه في العشرين من كانون الثاني المقبل… ولا شيء يكفل ان الادارة المقبلة سواء كانت ديموقراطية او جمهورية لن تتعامل مع لبنان باعتباره مجرد بلد صغير منقسم على نفسه، يستحق كل ما يحل به… طالما ان سوريا وايران لم تدركا انه ليس لهما وحدهما.
توقيت الزيارة غريب جدا، ويأتي في لحظة فراغ اميركية ولبنانية لا يمكن ان تصنع فيها اي سياسات، كما لا يمكن ان تنتج اي توصيات بعيدة المدى. هي طبعا تهدف كما يبدو الى تطمين الحلفاء اللبنانيين ان اميركا ما زالت معهم… طوال الاشهر الثلاثة المقبلة، وبعدها لكل حادث حديث، مما يدور في العلن عن نهاية حقبة اميركية كان لبنان من ضحاياها البارزين ولا يزال.
السفير