ما بعد الأزمة
ساطع نور الدين
يكاد بعض الاسلاميين واليساريين العرب يعلن مسؤوليته عن التسبب بالازمة المالية العالمية، ويوزع اشرطة مصورة او بيانات موقعة تكشف اسم المجموعة او الفرد الذي نفذ تلك العملية الاستشهادية الجريئة في قلب وول ستريت، التي تشبه هجمات ١١ ايلول ٢٠٠١ .. لكن نتائجها قد تكون اسوأ بكثير على المسلمين والعرب تحديدا.
ويغيب عن بال هؤلاء ان رأس المال الذي يظهر في هذه الايام انه جبان اكثر بكثير مما توقع الراحل العزيز كارل ماركس، يمكن ان يسترد شجاعته في اي لحظة، ويتحول مرة اخرى الى سلاح وحشي يأكل الاخضر واليابس في كل مكان في العالم، لاسيما في الانحاء التي تفتقر الى القدرة على حماية حدودها واسواقها ومجتمعاتها من حملات الغزو المقبلة .
الازمة لم تصل الى ذروتها بعد، كما يقال، والمرجح انها ستجرف معها المزيد من المؤسسات والانظمة والارقام المالية المصطنعة او ربما الوهمية، في اميركا اولا باعتبارها جنة المضاربين والمحتالين الكبار، ثم في بقية بلدان العالم الغني، وهي ستنتهي الى حقبة من الكساد الاقتصادي العالمي التي يمكن ان تمتد لفترة تزيد على عامين، حسب تقديرات الخبراء.
هذه الفترة، التي يمكن ان تشهد استقرار الاوضاع الدولية على ما هي عليه حاليا، وانشغال اميركا والدول الكبرى بتدبير شؤونها المالية والاقتصادية وتطمين جمهورها الخائف على نفقاته وممتلكاته ومدخراته، ستكون ايضا فرصة للبحث عن حلول خارج حدودها الجغرافية، وهو قانون طبيعي سجله التاريخ على مر الازمان ومع الكثير من الامبراطوريات القديمة التي غزت العالم وجابت المحيطات والبحار بحثا عن مواد اولية وايد عاملة وايضا عن مستهلكين لمنتجاتها.
بعد هذه الازمة لن تحتفظ اميركا بالتأكيد بمرتبة الدولة العظمى الوحيدة في العالم، وان كانت شقيقاتها من الدول الغنية تقدم حاليا تضحيات مالية مهمة خوفا من اميركا وعليها في آن معا، وحرصا طبعا على استقرار اوضاعها الداخلية، لكنها لم تتقدم كثيرا للمطالبة بتعديل النظام العالمي الذي بني على اسس نقدية وتغطية ذهبية غير واقعية، تستمد قواعدها من القرصنة الاميركية الكبرى لثروات اوروبا ومستعمراتها السابقة في اعقاب الحرب العالمية الثانية.
حتى الان لم تهتز الزعامة الاميركية، لكنها لا يمكن ان تصمد طويلا امام تحديات الارقام والوقائع والسلع. عندها يرجح ان تصبح اميركا في حقبة انحدارها الراهن اشرس مما كانت في فترة صعودها في النصف الاول من القرن الماضي عندما لم تكن تواجه منافسة جدية من قبل قوى عظمى اوروبية سبق ان غابت الشمس عن مستعمراتها وحتى عن عواصمها ومدنها الرئيسية. كما يتوقع ان تصبح الدول المؤهلة او المرشحة لوراثة اميركا اكثر جرأة في تحدي الاميركيين وفي محاولة ازاحتهم من مناطق انتشارهم خارج حدودهم، وابرزها المنطقة العربية بمواردها وثرواتها الهائلة.
وفي هذه الحالة سيضطر الاسلاميون واليساريون الذين يعلنون اليوم المســؤولية عن ضرب النظام المالي العالمي الى تغيير بعض مصطلحاتهم ..