هكذا سيتأثر الاقتصاد السوري بالأزمة العالمية وسوق العقارات اكبر المتضررين
نضال معلوف
يجب الا نتسرع في اطلاق الاحكام والتوقعات حول آثار الازمة الاقتصادية العالمية على سوريا ، ولنا تجارب سابقة في تقييم وتوصيف أحداث إقليمية أو عالمية اضحكت بعض مسؤولينا حينها وجاءت على سوريا والمنطقة بالمصائب والويلات.
في الوقت ذاته يجب الا نهول مما هو قادم ولكن من الضروري ان نضع الأمور في نصابها ..
فالكلام عن عدم تأثر الاقتصاد السوري بكل ما يجري في العالم هو كلام غير عاقل ولامسؤول ، الاقتصاد السوري حكماً سيتأثر ولكن كيف والى أي مدى ؟ هذا هو السؤال ..
ماذا يجري في العالم اليوم ؟
بشرح مبسط يمكن القول بان نمو الفوائض المالية في العالم نتيجة عدة عوامل اهمها زيادة غير مسبوقة باسعار النفط وتحقيق بعض بلدان العالم لمعدلات نمو كبيرة ادى الى زيادة في الايداعات في المصارف العالمية ، وفي الولايات المتحدة عززت بعض الظروف السياسية اتخاذ قرارات باتجاه خفض الفوائد على الاقراض هذه الامور مجتمعة ادت الى توفر ما يمكن تسميته بـ “المال السهل”.
هذا المال الذي ذهب كتلة كبيرة منه باتجاه القروض العقارية ذات التصنيف الائتماني المنخفض ، أي القروض التي اعطيت بضمانات غير كافية ، ادت الى نشوء طفرة في القطاع السكني وارتفاع اسعار العقارات.
بالطبع بدأ المقترضون يتخلفون عن التسديد منذ العام 2006 حيث ان عمليات الإقراض لم تكن مدروسة بشكل جيد ، كان الهدف الاول التخلص من الفوائض المالية التي تراكمت في المصارف ، مما ادى الى سقوط مقرضين كبيرين في الولايات المتحدة مثل “نيو سينتشري” و “رجنت” الامر الذي ادى الى هبوط اسعار العقارات.
طبعا هذه اللعبة كانت على نطاق واسع ووصلت ازمة الرهون العقارية الى اكبر بنوك نيويورك الائتمانية وشركات التأمين ، فمثلا كانت مجموع ما تؤمن عليه شركتا “فاني ماي” و “فريدي ماك” الشهيرتين معا من الرهون العقارية بلغ 5.4 ترليون دولار.
انخفضت اسعار العقارات نتيجة تراجع حركة الاقراض وجمود السوق واصبحت اقل من قيمة القروض العقارية الممنوحة ، ووقعت الجهات المقرضة ومن ورائها المصارف وشركات التأمين والبنوك المركزية في العجز ، انهار بعضها ويواجه الكثير منها خطر الانهيار.
طبعا هذه الازمة القت بظلالها على كل القطاعات ونقص السيولة وتراجع حركة الاقراض ادى الى انخفاض الطلب والدخول في طور الانكماش او الكساد الاقتصادي على مستوى العالم، تراجعت اسعار النفط وانهارات اسواق المال العالمية والاقليمية ، وباتت الاسواق والاقتصادات العالمية هذه الايام في ذعر حقيقي.
ماذا عن سورية ؟
فيما يخص العقارات فان ما حدث في سوريا شبيه جدا بما حدث على مستوى العالم ومتأثر به ، فقد شهدت السوق العقارية في سورية طفرة مماثلة لما شهدته اسواق العالم ، واذا كان مصدر الاموال في الاسواق العالمية الذي ادى الى حدوث هذه الطفرة معروف ومضبوط ، فان حجم ومصدر الاموال التي تدفقت الى السوق السورية غير معروف وغير مضبوط.
الواضح فقط والذي يمكن التأكيد عليه ، بان الطفرة العقارية كانت غير مسبوقة وارتفاع اسعار المنازل الى اكثر من 200% في معظم المناطق السورية ، هذا يدلل على زيادة الطلب بشكل واضح.
زيادة الطلب هذه لها مصدرين ، الاول هو الفوائض المالية التي تشكلت لدى البعض من السوريين المغتربين ورجال الاعمال المحليين نتيجة استثماراتهم في الاسواق العالمية ، يضاف اليها فوائض مالية جاءت من رجال اعمال ومواطنين عرب استثمروا بشكل او بأخر في سوق العقارات في سوريا.
والمصدر الثاني هو مدخرات المواطنين السوريين الذين وجدوا في سوق العقارات استثماراً مجزياً ، وراقبوا كيف ان الاسعار تقفز شهرا بعد شهر ، فوظفوا مدخراتهم واحيانا كثيرة “موجوداتهم” ومقتنياتهم في هذه التجارة.
بالاضافة الى نمو عملية اقتراض واسعة لم تكن كلها قروض عقارية بشكل مباشر ولكن وظفت كثير من القروض التي سحبت تحت مسميات كثيرة في سوق العقارات.
الحقيقة تزامن جمود سوق العقارات السورية مع الجمود العالمي الذي بدأ قبل قرابة السنتين ، ومعروف للقاصي والداني اليوم بان سوق العقارات في سوريا يشهد حالة ركود بحيث لا يوجد حركة بيع و شراء.
الان لنعرف حجم الازمة التي سيتعرض لها قطاع العقارات يجب ان يكون هناك قياس لحجم الاموال المستثمرة في هذا القطاع ، ومصدرها ( فوائض ، مدخرات ، ديون ، قروض .. ) ..
لان هذا سيساعدنا في معرفة الاتجاه الذي ستتحرك فيه الازمة ..؟
اذاً الازمة ستصل الى شواطئنا لا محالة والخلاف يبقى على شدتها واتجاهها وقدرتنا على التعامل معها.. ؟
اثار الازمة المتوقعة في سوريا ..؟
الاشخاص والشركات الذين وظفوا استثمارات في قطاع العقارات ينتظرون العائد ، يرزحون اليوم تحت ضغط الدين او فوائد القروض او فوات عوائد الربح ، والموضوع متعلق بالفترة التي سيصمد خلالها هؤلاء قبل ان تبدأ حركة تراجع الاسعار التي نأمل الا تصل الى حد الانهيار.
برأيي الخاص أول المتأثرين بهذه الأزمة هي شركات “التطوير العقاري” أو ما عرفت بالجمعيات السكنية باللغة المحكية والتي هي عبارة ( في معظمها ) مجموعة من التجار قرروا الاستفادة من ظاهرة ارتفاع الاسعار وزيادة الطلب فاستثمروا مبالغ معينة ( في معظمها قروض ) في شراء الاراضي ، ومن ثم جمع دفعات من المكتتبين ، بناء عدد من الابنية المحدودة وتسليمها لغايات ترويجية، جمع مبالغ اكبر لتوسيع الدائرة والارباح .. وهكذا ..
واذا كانت هذه المشاريع من الاصل مهددة بالانهيار لعوامل كثيرة ، فانها اليوم توجه خطر الانهيار الحقيقي والذهاب بقيمة القروض والمدخرات التي دفعها المواطنون كاقساط لاستلام بيت المستقبل.
فالطلب على الشراء تراجع بشكل ملحوظ ، ومواعيد التسليم استحقت او اقتربت في احسن الاحوال ، و ذيوع ازمة الرهون العقارية في العالم ، سيمتد تأثيرها النفسي على اصحاب الشقق المسجلين وسيطالبون بالشقق السكنية او بالاموال ، لا نعرف حجم هذه المطالبات ونشكك في قدرة الشركات التي لم تبنى على اسس مالية وقانونية سليمة في تلبية هذا الطلب.
من ناحية ثانية الكثير ممن استثمروا مدخراتهم او قروض حصلوا عليها او ديون في العقارات سيضطرون تحت الضغط الى البيع باسعار التكلفة او حتى تحت قيمة التكلفة ، هذه الاسباب مجتمعة قد تكون “الدفشة” التي ينتظرها سوق العقارات ليبدأ بالتراجع وهي آتية لا محالة.
مشكلة تراجع سوق العقارات في سوريا .. لها وجهين ، وكما ذكرنا في وجهها الاول اننا لا نعرف حجمها فهي لم تحدث وفق اقنية واضحة ومحددة يمكن معها تقدير حجمها الحقيقي والتحرك لتخفيف من اثارها.
المشكلة الثانية والاهم ان المسؤولين القائمين على القرار الاقتصادي في سورية مطمئنون اكثر من اللازم من عدم تأثر قطاع العقار في الازمة وهذا يضعف من قدرتنا على احتوائها والتخفيف من اثارها في حال وقوعها بالفعل.
التأثيرات لن تقتصر على سوق العقارات ..
الآثار السلبية لن تقف عند حد سوق العقارات ، فالانهيارات المتتابعة في الاسواق المالية العالمية والتي تتجه بالاقتصاد العالمي نحو الكساد ، ستؤثر حكما على حركة الصادرات في سوريا ، وبالتالي فان نمو الصادرات الذي دلل عليه بعض المسؤولين الاقتصاديين كمؤشر على كفاءة اداء الاقتصاد عندنا، سيتراجع وبالتالي سيؤثر على حركة الاقتصاد بشكل عام.
تراجع حركة الصادرات سيؤثر ايضا على نمو الناتج الصناعي ، وتدني الانتاج سيضغط باتجاه زيادة معدلات البطالة وكلها عوامل ستؤثر على الاداء الاقتصادي الكلي .
من جهة اخرى حالة الازمة التي يعيشها الاقتصاد العالمي والتي قد تدفع للدخول في طور الكساد ستؤثر على حركة الاستثمارات الاجنبية وعلى نسبة تدفق الاستثمارات ( المنخفضة اصلا ) الى سوريا ..
يمكن القول باختصار بان الاقتصاد السوري سيواجه العديد من التحديات التي ستعيق عملية تحقيق معدلات النمو المطلوبة ، او على الاقل لن يكون هناك عوامل مساعدة لدفع عملية النمو الاقتصادي للوصول الى ما هو مخطط وضروري.
هذا بالاضافة الى وجود خطر حقيقي في التعرض لازمات في بعض القطاعات وسيكون على رأسها سوق العقارات التي استقطبت الكثير من رؤوس الاموال و المدخرات والفوائض المالية في السنوات الاخيرة وكانت سبباً رئيسياً لتنشيط الاسواق والحراك الاقتصادي.
هذا الطريق الذي ستسلكه الآثار السلبية للازمة الاقتصادية العالمية عند مرورها في اقتصادنا السوري ، وارى انه من الخطورة الاستخفاف بما يجري من حولنا او محاولة تجاهله.
قد اتفق مع الكلام القائل بان آثار الازمة لن تكون كارثية ، واتفق على اننا يجب الا نشيع حالة من القلق وهذا ايضا يساعد في احتواء والتقليل من حجم الآثار .. ولكن علينا ان نكون حذرين ومتيقظين ونضع الخطط والاجراءات لمواجهة الاسوأ الذي نأمل بانه لن يأتي.
سيريا نيوز