الأزمة المالية العالمية

العاصفة المالية العالمية والموقف الخليجي منها

عبدالله علي العليان
لاتزال الأزمة المالية العالمية تتفاعل في الأسواق العربية والدولية حتى الآن، وهي أزمة حقيقية تعصف بالاقتصاد الأميركي على وجه الخصوص، لاعتبارات عدة وشائكة، منها المغامرات العسكرية والمضاربات غير الأخلاقية والأزمة الفكرية البنيوية للنظام الرأسمالي نفسه، مع اختلافنا مع القائلين بأن ما جرى هو مجرد أزمة اعتيادية سبق أن مر بها الاقتصاد الأميركي في فترات ماضية نتيجة حجمه الكبير، وأنها أزمة تمر بين الفينة والأخرى على النظام الرأسمالي الليبرالي.
والحقيقة أن هذه الأزمة تعتبر الأكبر من حيث أضرارها العالمية وانعكاساتها على سائر دول العالم، وحتى الأفراد العاديون أصابتهم الأضرار خصوصا في زيادة الأسعار على الحاجيات الأساسية، وتقلبات الأسهم، وارتفاع الإيجارات الخ .. فماذا فعلت دول مجلس التعاون لمواجهة مثل هذه الأزمة والحد من أضرارها الاقتصادية والاجتماعية؟
الحقيقة أن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالولايات المتحدة على وجه الخصوص، كانت متوقعة، لأن معدل النمو الاقتصادي بدأ في التباطؤ منذ العام 2004، وكانت هناك نذر توقعات بحصول كساد عالمي، أو ما يشبهه كنتيجة من نتائج ارتفاع أسعار النفط والتوجهات العالمية المستقبلية لأسعار الفائدة، وآثاره المتوقعة على الأسواق المالية وأسواق العقارات وحركة الصرف النقدي وغيرها من الآثار .. الخ. وهذا ما برز مؤخرا بشكل كبير على مستوى الاقتصاد الأميركي والاقتصاد العالمي عموما، ونالت دول المجلس بعضا من آثاره قبل أسابيع، ولايزال التفاعل في ارتفاع أسعار العقارات وغيرها من أسعار السلع الأساسية قائما. والأغرب انه مع تفاعل الأزمة، كانت التصريحات من بعض المسؤولين الخليجيين بأن اقتصاداتنا سليمة ولا توجد أية مخاطر متوقعة لها..! لكن الأزمة ستطال الجميع، على الرغم من إقرار مجلس النواب الأميركي لخطة الإنقاذ العالمية التي طرحها الرئيس الأميركي بوش منذ أيام، والآثار بدأت على دول مجلس التعاون فعليا.. بغض النظر عن التنظير الذي نسمعه ونقرؤه من خلال العديد من الكتاب والباحثين الذي يرون أن هذه الأزمة مجرد فقاعة عابرة أو كساد هامشي سوف تتغلب عليه الخطط الاقتصادية، كما حصل للكساد الأميركي بين 1929 ـ 1933. ودول مجلس التعاون عقدت اتفاقيات ثنائية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، ونحن الآن لا نستطيع الحكم على الاتفاقيات الثنائية، إلا أن المتوقع أن المستفيد الأكبر من هذه الاتفاقيات المنفردة هي الولايات المتحدةالأميركية، باعتبارها الأقوى اقتصاديا، والأكثر إنتاجا تكنولوجيا وصناعيا.. إلى جانب الخبرة المالية والإدارية والقانونية لمثل هذه الاتفاقيات الثنائية، ولاندري ما تأثير الأزمة الراهنة على هذه الاتفاقيات الثنائية في المرحلة المقبلة.
صحيح أن منظمة التجارة العالمية «الجات» أصبحت على الأبواب ولا مناص من الاستفادة من الإمكانيات التي تتيحها هذه الاتفاقيات مع الدول المتقدمة صناعيا وتكنولوجياً. ويرى بعض المحللين، انه كان من المهم أن تتم الاتفاقيات بصورة جماعية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة، أو غيرها حتى تشكل الاتفاقية قوة اقتصادية حقيقية، لكن الأخيرة رفضت مبدأ الاتفاق الجماعي للتجارة الحرة. الآن النظام الرأسمالي العالمي يعاني الكثير من التحديات والأزمات التي ستكون آثارها وخيمة، والسبب هو الآليات التي تسيّر الاقتصادات الرأسمالية الغربية والتي تسببت في هذه الأزمة الخطيرة، لذا فعلى دول المجلس أن تطرح بدائل جدية لمواجهة التقلبات الاقتصادية الراهنة المستقبلية، وليس من الحكمة أن نضع رؤوسنا في الرمال ونعطي الانطباع بأن هذه الأزمة عابرة، ويمكن أن تنتهي بصورة سليمة على اقتصاداتنا. كما أن الكلام عن الحرية الاقتصادية والليبرالية، ومبدأ عدم تدخل الدولة في التجارة الحرة كلام مرسل كذبته الأزمة الأخيرة، والأزمات قبلها أيضا، ففي القرن الماضي ومع انهيار المعسكر الاشتراكي، اتجهت معظم دول العالم إلى الاقتصاد الحر، وإلى الخصخصة، وتحويل المشروعات العامة إلى خاصة، وتقليص دور الدولة في الاقتصاد، وهذه هي دعوة النظام الرأسمالي الليبرالي اليوم، لكن عند تأزم الرهن العقاري كما يقول د.أشرف محمد عززت الدولة من دورها مرة أخرى ولجأت إلى شراء مؤسسات خاصة منعا لانهيارها واستخدمت السياسة النقدية والماليةللحيلولة دون انهيار النظام الاقتصادي العالمي، وكل هذا يؤكد أن الحريةالاقتصادية هي حرية نسبية ولا يوجد شيء اسمه حرية اقتصادية مطلقة، فالكون ليس آلة حركها الله ثم تركها تدور من دون تدخل كما ترى المدرسة الغربية، ولا يمكن أن تغل يد الدولة، وهذا يبرز قيمة النظام الاقتصادي الإسلامي الذي ينظر للفرد والجماعة معاً، ولا ينتظر وقوع الأزمات حتى تتدخل الحكومات.
ونعتقد أن دول مجلس التعاون ستواجه العديد من المصاعب، أولها صعوبة استعادة بعض أموال صناديق السيادة المستثمرة هناك، قبل أن تتفاقم الأزمة، كما أن انعدام استعادتها سيتسبب في تعطيل الكثير من المشروعات العملاقة في المنطقة، إن لم تنجح خطة الإنقاذ المالية الأميركية.
الأمر الآخر إن منظمةالتجارة العالمية سوف تدخل أسواق دول المجلس قريبا، أو هي أوشكت على الدخول، وهذا بلاشك سيجلب معه الكثير من المتاعب للاقتصادات الوطنيةالخليجية، وخسارة بعض مؤسساتها التجارية الصناعية بحكم الفارق الكبير في الإنتاجية وفي القيمة، إلى جانب توقع حصول أزمة سيولة داخل دول المنطقة.
الأمر الآخر الذي يؤرق دول المجلس مشكلة البطالة وتفاقمها في العديد من الدول الخليجية، إن لم تكن هناك خطط وبرامج لمعالجة هذه المشكلة والتقليل من آثارها الاقتصادية والاجتماعية. وهذا يتطلب إصلاحات اقتصادية وشفافية في حركة التنمية، وحراك ديمقراطي واع للتحولات المقبلة، والابتعاد عن الاحتقان الداخلي، ووضع شروط عمل تصب في مصلحة المواطن والعامل عموما في دول المجلس. المرحلة المقبلة ستكون من أصعب المراحل على دولنا الخليجية، خصوصا لنواحي التحديات الاقتصادية.. ولابد من النظر إليها نظرة فاحصة ودقيقة ومهيِّئة للحلول العملية الناجعة، وإلا فالكارثة.. التي وقانا الله شرورها.

كاتب من سلطنة عُمان
أوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى